السعودية: نقلة نوعية في تطوير وتحديث التشريعات

  • 2021-02-17
  • 16:11

السعودية: نقلة نوعية في تطوير وتحديث التشريعات

  • رشيد حسن

كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واضحاً جداً في التقديم لمجموعة التشريعات الخاصة التي أعلن أنها ستصدر خلال العام الحالي، مؤكِّداً أن عدم وجود هذه التشريعات "أدى إلى تباينٍ في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدى الى طول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سببه ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم".

قد يهمك:
"نيوم" ينقل السعودية إلى حلبة العالمية عبر The Line

هذا الكلام يصور الوضع في أكبر اقتصاد عربي وأحد أكبر 20 اقتصاداً في العالم، وهو يتعلق ببلد محوري في الاقتصاد العالمي، وملخص كلام ولي العهد السعودي أن المملكة الزاخرة بالفرص لن يمكنها بسهولة استقطاب الاستثمارات لمشاريع برامج التحول الوطني أو للقطاعات الجديدة أو تحفيز حركة الأعمال أو استقطاب الشركات العالمية لاتخاذ مقراتها في المملكة أو غير ذلك من الإسهامات الاقتصادية قبل أن يصبح لها قوانين شديدة الوضوح توفر البنية التحتية القانونية للعلاقات بين أصحاب الحقوق كافة أفراداً ومؤسسات، وتعزز الثقة باقتصادها، وتحقق المواءمة بين النظم المطبقة في المملكة وبين النظم السائدة في مختلف دول العالم.  

وبحسب ولي العهد السعودي، فإن الوضع السابق كان "يستند إلى مبادئ شرعية عامة لكن يترك للقاضي الجزء الأهم من عملية تقييم الوقائع والأدلة" وهو ما كان يجعل من الصعب التنبؤ بالأحكام ويجعل إحقاق الحق في أمور جسيمة تتعلق بالشركات والأعمال، معلقاً على تقدير القضاء ومدى حياده وكفاءته في استيعاب الأوضاع الاقتصادية والمسائل الجديدة المعقدة أحياناً. لذلك اعتبر الأمير محمد بن سلمان أن من أهم النتائج المتوقعة لإصدار التشريعات المتخصصة "رفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوحَ حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام".

للإطلاع:
سعودية جديدة تلاقي العالم

القانون أساس

إن السعودية التي شهدت خلال العقود الأخيرة تطوراً غير مسبوق في مختلف الميادين، لم يتح لها أن تحقق في الوقت نفسه، تطوراً موازياً في مجال التشريعات وتوضيح الحقوق الجديدة ومواجهة الإشكالات المستجدة، وهذا أمر طبيعي لأن القوانين عادة تلحق بالحياة الواقعية، وما يبرز في سياق التجارب والتطور العملي وليس العكس. لهذا السبب، فإن الحاجة لصياغة قوانين بنصوص واضحة، بل وقاطعة، لا تترك مجالاً للتقدير الشخصي كانت قائمة وبقوة في السنوات الأخيرة، وبدأت المملكة بسد الفجوة التشريعية عبر إصدار قوانين مهمة مثل قانون الإفلاس ثم قانون التمويل العقاري الذي أطلق حركة الإسكان والسوق العقارية، إضافة إلى إصلاحات السوق المالية التي مهدت لإدراج المملكة في مؤشر بورصات الأسواق الناشئة MSCI، وبالتالي تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي. وكان إعلان رؤية المملكة 2030 وإطلاق برنامج التحول الوطني عاملين حاسمين في إظهار الحاجة الماسة لتطوير المنظومة التشريعية السعودية بما يجعل من المملكة دولة عصرية بأنظمة ومنظومة قضائية كفوءة تحكم وفق النصوص الواضحة بدل التقدير. والمبدأ القانوني الأصلي هو أنه لا اجتهاد في وجود النص، أي كلما كانت القوانين شاملة وقادرة على تفصيل الأحكام في مختلف القضايا التي قد تنشأ بين الفرقاء الناشطين في السوق كلما أوحى ذلك بالطمأنينة والثقة للمستثمرين. ولا ننسى أن عنوان الاستراتيجية السعودية حالياً هي العمل على تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط من خلال إطلاق قطاعات اقتصادية جديدة وتنمية الاقتصاد غير النفطي وبناء المدن الحديثة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية والشراكات مع أبرز الشركات العالمية في مجالات التكنولوجيا والتخطيط العمراني والسياحة والترفيه والصناعات العسكرية وربما الفضائية، فضلاً عن تطوير صناعات الطاقة المتجددة، وكل ذلك يتطلب تحقيقه توفير وضوح تام في الحقوق والمعاملات وتأمين الضمانات القضائية والتشريعية التي تحمي حقوق المستثمرين والشركاء الدوليين والمحليين وتقدم السعودية في صورة المجتمع الذي يوفق بين التزامه بالشريعة الإسلامية في مختلف أوجه الحياة وبين أحدث النظم الحقوقية التي طوّرتها البلدان الاخرى بهدف تنظيم الانسياب الحرّ والآمن للتجارة وللمبادرات وتدفقات الأموال وتوفير أفضل الأجواء لتحفيز الشركات الكبرى وصناعات المستقبل لاختيار المملكة كمقصد استثماري والرهان على تطورها ونهضتها الشاملة.

 

خطوة تاريخية

في هذا السياق، يجب النظر إلى قرار ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المتعلق بجمع كافة الأحكام والأنظمة المدنية والشخصية والجزائية والإجرائية المتفرقة في أربع مجموعات قانونية حديثة يتوقع أن تصدر قبل نهاية العام الحالي، باعتباره أحد أهم الإصلاحات التي تتم ضمن رؤية 2030 وخطة التحول الوطني، ويمكن هنا الاشارة بصورة خاصة إلى ما يحمله قانون الأحوال الشخصية المقترح من تمكين للمرأة وحماية حقوقها المالية وحقوق أطفالها، هو تحول سينعكس بالتأكيد في حماية الأسرة ويساهم في استقرارها ورفاهيتها، كما يحتوي القانون الجزائي على إصلاحات كبرى أهمها منع إيقاع العقوبات الجسدية من دون نص واضح، وهو يعني منع القاضي من إصدار أحكام التعزير بصورة استنسابية، ومن المتوقع أن تساهم إصلاحات قانون الجزاء وكذلك قانون الإثبات في إعلاء سمعة المملكة ونظامها الحقوقي والقضائي على النطاق العالمي، بينما يوفر قانون المعاملات المدنية المرجعية القانونية الشاملة التي تنظم معاملات الأفراد والمؤسسات وتوضح أحكام مختلف العقود والمعاملات آخذة في الاعتبارالمستجدات كافة التي طرأت وتطرأ يومياً على صيغ المعاملات والمصالح الجديدة، وكذلك أحكام المعاهدات العالمية والمواثيق التي وضعت لتحقيق التجانس والتقارب بين تشريعات الدول، لأن الهدف الأساسي المتفق عليه هو مجانسة التشريعات بما يسهل انسياب رأس المال والأعمال بين الدول والأسواق المالية من دون عناء ويسهم بالتالي في زيادة الثقة بالإجراءات النظامية والقضائية والبيئة القانونية الأشمل لنشاطات التجارة والصناعة والأعمال.