ماراتون "رسملة" مصارف لبنان يتواصل بعد نهاية فبراير

  • 2021-02-17
  • 12:32

ماراتون "رسملة" مصارف لبنان يتواصل بعد نهاية فبراير

  • علي زين الدين

 ليست مهلة نهاية الشهر الحالي قاطعة بحد السيف للبت باستجابة المصارف في لبنان لتعليمات السلطة الناظمة بما يخص النسب المقررة لتحصين المراكز المالية وإعادة تكوين حسابات دائنة لدى البنوك المراسلة. فالموجبات القانونية والاجرائية وحتى اللوجيستية التي تسبق الامتثال التنفيذي لهذه الحزمة تتطلب وقتاً ممتداً لأسابيع تالية للموعد المحدد في الأحوال العادية، فيما الوقائع المحلية تبلغ حدود التطرف في الاستثناء، ربطاً بالأجواء المعاكسة من جهة، وتمديد الإقفال العام من جهة موازية.

وتفرض هذه المعادلة الموضوعية "التأني" والبناء على الاستعداد المبرمج والقابل مهنياً وموضوعياً للتحول الى برمجة زمنية واضحة كخريطة طريق للإلتزام. فضمانة التنفيذ تماثله نتيجة في بلوغ الأهداف المحددة من دون توليد مشكلات مستجدة تزيد من منسوب المخاطر الحادة أصلاً. أساساً، العواصف النقدية والمالية لم تبق للبلاد ومؤسساتها الكثير من منافذ السيولة بالـ "دولار" الطازج، ومضابط الاتهامات المستشرية تستنزف آخر قطرات مخزون الثقة في الأسواق المالية الخارجية، بما يشمل شبكة العلاقات القوية السابقة مع المستثمرين الاستراتيجيين من أفراد ومؤسسات، وبالأخص مع منطقة الخليج.

قد يهمك:
موازنة لبنان 2021: روحية إصلاحية مهددة بالعقم

هكذا تختصر مصادر متابعة ومتطابقة المشهد الواقعي في مقاربة ملف التعميم الرقم 154، وما طلبه مصرف لبنان بشأن زيادة الرساميل بنسبة 20 في المئة، وايداع ما يماثل 3 في المئة من اجمالي الودائع بالدولار لدى بنوك دولية، فضلاً عن "حث" منفذي التحويلات التي تفوق 500 ألف دولار منذ منتصف العام 2017 على إعادة 15 في المئة من مبلغ التحويل، ورفع النسبة الى 30 في المئة لكبار المصرفيين وللأشخاص المعرضين سياسياً ( PEP,s )، اضافة الى موجب سابق يقضي بحجز مخصصات بنسبة 45 في المئة على محفظة سندات اليوروبوندز وبنسبة 1.89 في المئة على توظيفات المصارف بالدولار لدى البنك المركزي.

بين الأرقام والتنفيذ

رقمياً، يمكن للمبالغ المتوجبة على هذه الحزمة المجمعة أن تربو على 12 مليار دولار، من دون احتساب قيمة المبالغ المستعادة، انما "المعجل" منها يزيد قليلاً على 7 مليارات دولار موزعة ما بين 4 مليارات للرساميل و3 مليارات للحسابات الخارجية، علماً ان المخصصات المطلوبة على السندات تشي بترقب اقتطاع يجاريه من أصل القيمة في مرحلة ما بعد مفاوضة الدائنين الأجانب والمحليين، وهو "فأل" حسن نظير اسعار القعر الحالية بما يقل عن 14 سنتاً لكل دولار.

تنفيذياً، شرعت المصارف أو معظمها على الوجه الأدق مبكراً بتنفيذ البند الأول المتعلق بزيادة الأموال الخاصة. وقد استفادت في تسريع الاستجابة من تعدد المصادر المتاحة التي تشمل التقديمات النقدية وإعادة تخمين عقارات مملوكة واقناع مودعين كبار بالانضمام الى قاعدة المساهمين، هذا ما أكده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: "كل البنوك تقريباً تقدمت بطلبات لزيادة رأس المال وتم بذل جهد كبير لزيادة السيولة"، كما ثبته رئيس جمعية المصارف سليم صفير: "معظم البنوك ستلتزم بتوجيهات البنك المركزي".

يمكنك القراءة:
سباق الوباء والغلاء والبطالة والمدخرات المحبوسة:
ما أضيق العيش في لبنان!

بمقتضى هذه الاستجابة، يقدر أن يزيد اجمالي الأموال الخاصة للمصارف الى نحو 24 مليار دولار، انما ينبغي التنويه بأن اجراءات التحقق وعقد الجمعيات العمومية وصولاًً الى الموافقات النهائية قد يمتد لأسابيع مقبلة، بحيث يمكن رصد فوارق الزيادات تدريجاً الى حين اكتمالها. وعليه، يمكن توقع ورود ملاحظات أو اشارات من قبل لجنة الرقابة على المصارف تفرض إعادة النظر بالتدبير أو بأرقامه ما خلا التقديمات النقدية، وهو ما يتطلب وقتاً اضافياً بموافقة السلطة الناظمة، كما يمكن توقع ان تتعدى بعض المصارف النسبة المطلوبة، فيما تعجز مصارف أخرى عن بلوغ النسبة التامة، وهو أمر يتطلب بدوره التقييم المنفرد لحالة كل مصرف وقياس قدرته على اللحاق بالركب في وقت قصير نسبياً.

عقبات متنوعة تواجهها المصارف

بالتوازي، وبرغم انكبابها على التزام التعليمات الصادرة عن السلطة النقدية، تصطدم المصارف العاملة بعقبات متنوعة في مقاربة بعض البنود ضمن المهلة المتاحة، وخصوصاً لجهة البند المتعلق بأرصدة حساباتها الخارجية، وايضاً لجهة طلب "حث" الزبائن الذين نفذوا تحويلات الى الخارج تفوق النصف مليون دولار بإعادة 15 في المئة من أصل المبلغ ورفع النسبة الى 30 في المئة للاشخاص المعرضين سياسياً وكبار المصرفيين.

وتؤكد المصادر المصرفية المتابعة في هذا المضمار، اختلاف القياس بين زيادة الرساميل والايداع في البنوك الخارجية. ففي الشق الأول ثمة عوامل داخلية مساعدة ومسهلة ترتبط بتوفر "اللولار" المحلي والمرجعية السعرية المعتمدة لليرة وهوامش إعادة تخمين العقارات الخاصة بالمصرف وأنشطته وامكانية استقطاب مساهمين من المودعين، بينما الشق الثاني المتعلق بالحسابات الخارجية محكوم بضخ دولارات حقيقية أو ما اصطلح على تسميته "فريش ماني" بقيمة مجمعة تتعدى 3 مليارات دولار.

التضحية بوحدات خارجية: القرار المر

في المعلومات، كان عدد ضئيل من البنوك في وضعية ملائمة سابقة للتعميم، واضطرت بنوك كبرى لاتخاذ القرار المر عبر "التضحية" بوحدات خارجية ناجحة وذات مردود حيوي في ظل شح الدولار الذي تعانيه البلاد ومؤسساتها. وعمد آخرون الى قيد أصول أو وحدات خارجية  كضمانات لجذب تمويل "طارىء"، ونجحت مجموعة ثالثة في اقناع مساهميها بالتحويل من حسابات خارجية الى " حصة " البنك لقاء زيادة مكافئة وبأسعار تنافسية لنسبة المساهمة وعمد مصرفيون كبار الى التدبير نفسه.

وبالفعل، فقد تم رصد دعوات من قبل بنوك عدة لعقد جمعيات عمومية استثنائية خلال النصف الثاني من الشهر الحالي. بعضها سيقر الزيادتين معاً، وبعضها الآخر سيقر الأولى مع ابلاغ المساهمين بمسار الالتزام بالشق الثاني، ومن المرجح أن تتقدم البنوك الكبرى في اتمام عمليات تعبئة الحسابات الخارجية، وسيطلب آخرون مهلة اضافية بعد ان اجتازوا نصف الطريق أو ثلثيه. بينما تواجه بعض البنوك الصغرى صعوبات حقيقية ضمن الجدول الزمني المتاح.

هنا تلفت المصادر المتابعة النظر الى حقيقة وجود 15 في المئة او ما يزيد قليلاً على 16 مليار دولار من حسابات ودائع الزبائن في المصارف ضمن حساب الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان، كما تناهز التوظيفات المصرفية لدى المركزي بالعملات الصعبة نحو 70 مليار دولار، وثمة هواجس مشروعة ترقى الى درجة المخاوف من البدء باستعمال الاحتياطي الالزامي للودائع في تمويل الدعم، فيما تكابد البنوك في التقيد بتعليمات البنك المركزي لضخ دولارات في الحسابات الخارجية.

تنبيهات

كما ينبه المتابعون الى أنه، وبقدر ما يضيق ميدان مهام وأنشطة القطاع المالي في لبنان بوتيرة مطردة وخطرة تشي بتقزيمه الى حدود أقرب الى شركات الصرافة بمفهوم ادارة السيولة النقدية المحلية وبعض العمليات الضيقة في مجالات الائتمان والأسواق الخارجية، بقدر ما يتسع عكسياً الدفق شبه الفوضوي من التصريحات والتحليلات والشائعات اليومية التي تقارب المسائل النقدية والمصرفية بخلاصات متناقضة يختلط فيها الغث بالسمين.

وفي المستجد والمثير في الأيام الأخيرة، أنه وحتى قبل نهاية المهلة الزمنية المتاحة أمام المصارف لتنفيذ التعليمات ذات الصلة بتحصين مراكزها والصادرة عن مصرف لبنان المركزي، كانت المداخلات "النظرية" تتوالى وتتفشى التسريبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. البعض اختار بلهجة "الثقة المفرطة" تحديد الاعداد للبنوك الصامدة وتلك الآيلة الى " وضع اليد "، اي الخروج من السوق بضمانة البنك المركزي، من دون اي تطرق للأسانيد والبراهين، ومع اغفال عدم انتهاء المهل والكيفية التي سيجري اعتمادها لمن نفذ الجزء الأكبر من المطلوب ولم يصل الى 100 في المئة، فيما خاض البعض الآخر المبارزة بإشهار لائحتي أسماء المصارف القادرة على الالتزام ونظيراتها الفاشلة، مرتكزاً على الأحجام لا على نسب الملاءة والسيولة ومن دون تمحيص لائحة "الفاشلين" بين بنك تابع وآخر مقفل سابقاً وثالث لا يعدو كونه فرعاً تابعاً لمصرف خارجي ورابع متخصص لم ينغمس في "التوظيفات" المحبوسة و .....