حياة الرواد كلها كصعود الجبال: دروس من عبد الله القويز

  • 2023-05-30
  • 17:58

حياة الرواد كلها كصعود الجبال: دروس من عبد الله القويز

  • فيصل أبوزكي

 

قبل تحوله إلى استكشاف العالم والطبيعة السعودية الهائلة التنوع، لعب د. عبد الله القويز أدواراً قيادية عدة في مرحلة تأسيس وتطور المنظومة الاقتصادية السعودية والخليجية، كما لعب دوراً دبلوماسياً مهماً من خلال توليه سفارة المملكة العربية السعودية في البحرين. وتولى قيادة صندوق النقد العربي حيث اشرف على إعادة تنظيم الصندوق وتنويع نشاطاته واطلاق برنامجه لتمويل التجارة العربية. وفي الصناعة المصرفية، تولى قيادة بنك الخليج الدولي في البحرين وفي جميع المهمات التي تولاها. ترك د. القويز بصماته الخاصة وقيمة مضافة بقيت شهادة على المزايا التي يتمتع بها وعلى ريادته في التفكير والمبادرة.

 

قد يهمك:

استراتيجية السعودية الطويلة الأمد لإنهاض العراق وتعزيز التكامل الاقتصادي

 

 

أهم ما في الحياة الحافلة لـ القويز، أنها تكونت على الدوام من جانبين أساسيين: الجانب الأول هو الشخصية العصامية التي تدرجت من الحياة البسيطة لقرى نجد إلى الشخصية المسؤولة ذات الثقافة الواسعة والكفاءة في تولي المسؤوليات القيادية، أما الجانب الثاني فهو جانب الإنسان ذو النظرة الأوسع إلى الحياة التي يرغب في أن يعيشها والتي تركز بالمقام الاول على توسيع الثقافة والمعارف والتأثير المجتمعي وخصوصاً توفير نموذج يحتذى به للأجيال الناشئة.

 

اهتمام بالشباب

 

نظر د. عبد الله إلى الحياة من مرتفع المعاني، وليس من باب المقاصد الصغيرة واهتم بالتالي بإيجاد تعريفه المختلف لمعنى الحياة المكتملة التي حرص (وقبل رواج مفهوم "جودة الحياة") أن تتبع نهجاً يجمع بين قواعد العيش الصحّي وحياة عائلية هانئة وروابط صداقة والاهتمام بالقضايا التنموية والاقتصادية التي تتصدر الأولويات السعودية والخليجية وبالشباب الذين تجده يسعد بمرافقتهم في نشاطاته ورحلاته ولا يبخل عليهم بالنصيحة، وهذا في وقت يشكل وقوفه بينهم أصلاً مثالاً يغني عن كم كبير من النصائح النظرية.

 

 

يمكنك متابعة:

معركة بايدن الصعبة لرفع سقف الدين: تسوية أم أزمة مفتوحة؟

     

    وعائلة القويز الصغيرة من الأولاد والأحفاد والذي بناها مع زوجته الراحلة، تكتنز الصفات والمعاني التي طالما مثلت اولويات د. عبدالله وهي المثابرة والنجاح والتواضع والعلاقات المجتمعية الوطيدة، وهي غنية بالرواد في مجالاتهم في القطاعين العام والخاص والذين يؤكدون تلك الصفات الشخصية والمهنية التي يختصرها عبدالله القويز في مسيرته وانجازاته التي لم يتوقف فيها يوماً عن الخوض في تحديات جديدة وكسر الحواجز وتحطيم الارقام القياسية. وتحتضن هذه الشخصية ثقافة واسعة وفضولاً معرفياً لا حدود له وتوقداً ذهنياً وقدرة فائقة على نسج العلاقات في المجتمع السعودي وعبر الدول.

    ولعلّ أهم التجارب التي دخلها القويز، وقدمت دليلاً على نظرته الأوسع وشخصيته الفريدة تحوّله حتى في سنه المتقدمة إلى الرحلات ومغامرات الاستكشاف الجغرافية والثقافية للإرث الهائل الذي تحتوي عليه السعودية وهي مهد لحضارات عدة تعاقبت على أرضها على مرّ السنين. وبينما يفترش الكثيرون من أبناء الأجيال الجديدة أو المخضرمة مجالس الدردشة إذا بالقويز يحمل عصا الرحالة وعتاد السفر الطويل وينطلق في البوادي والكثبان وبين الجلاميد الوعرة، مستكشفاً الحضارات المتنوعة التي عاشت في المملكة وتركت آثارها وكتاباتها في الصخر والأطلال. ونظراً إلى ترحاله المستمر وانتقاله بين المعالم التاريخية للمملكة فقد بات القويز مرجعاً لهواة ومحترفي المشي في الطبيعة والتسلق بل مبادراً في تحديد وترسيم مسارات هذه الرياضة في المملكة ورائداً في التعريف بها وتشجيع الأجيال السعودية على استكشافها، وهو بذلك يساهم بسد نقص كبير في هذا المجال وبتعميم الثقافة بالإرث السعودي الكبير في الجغرافيا والتاريخ، من خلال توسيع نشاطه الاستكشافي إلى مختلف المناطق السعودية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق ذلك الهدف. ولا يخفي القويز سعادته بهذه الرسالة التي يتوج بها مسيرة طويلة في خدمة المملكة العربية السعودية.

     

    الحياة رحلة

     

    وربما على سبيل المزيد من التحفيز وإعطاء القدوة يضيف القويز الآن إلى رحلته الجريئة التي صعد فيها إلى قمة جبل كليمنجارو المغامرة الجديدة (والمحفوفة بالمخاطر) لتسلق احدى قمم إيفرست في جبال الهملايا التي ترتفع اعلى قممه الى نحو 8834 متراً فوق سطح البحر وهي الاعلى في العالم. وتظهر الصور والتغريدات التي نشرها القويز هذا الرجل الثمانيني، وهو يحمل عتاده وعصاه ويشق مع رفاقه السعوديين الطريق الوعرة والخطر إلى أعلى قمة في العالم وسط حرارة متدنية تبلغ 17 درجة مئوية تحت الصفر، وحيث ينخفض تركيز الأوكسيجين الجوي عن المعدل.

    سواء بلغ الـ د. القويز قمة إيفرست الاعلى أم توقف دونها فإن إنجازه الأكبر سيكون في أنه اليوم مصدر أساسي لتحفيز الشباب السعودي والعربي وزرع الطموح والتحدي في نفوسه. وهل هناك محفز أفضل للشباب من أن يروا رجلاً ثمانينياً يسبقهم إلى جبل كلمنجارو أو قمم الهملايا؟ وكل من يتابع حساب د. القويز وتغريداته يرى الاهتمام الكبير الذي يبديه المجتمع السعودي ووسائل الإعلام بمغامراته وإنجازاته الجريئة والتي تتطلب جهداً جسدياً وقدرة احتمال كما تتطلب (وهذا مؤكد) لياقة بدنية وصحة شبابية تتجاوز المعدل الوسطي لمعاصريه وفوق ذلك كله ارادة صلبة.

    ولا يبخل القويز بنصائحه لجيل الشباب من خلال الصحافة والتلفزيون ومواقع التواصل، وبسبب تركيزه المستمر على تراث المملكة وشرحه لأهمية التعرف عليه. وقد اتسعت أعداد السعوديين الذين يتابعون رحلاته بإعجاب وتقدير ويمارسون بأنفسهم رحلات الاستكشاف والتعرف على الإرث الثقافي والعمراني والتاريخي العريق للسعودية والجزيرة العربية.

    لا بدّ أخيراً من القول إنه لا يوجد فصل في التحول المثير للقويز نحو استكشاف المملكة ورحلات التحدي لبعض أعلى القمم الجبلية في العالم وبين حياته المهنية الحافلة بالانجازات، فالنهج هو ذاته والأعمال والإنجازات التي حققها إنما هي في مجموعها فصول في "رحلة" صعود جبل تميّزت دوماً بالشغف وقبول التحدي والحماس للإنجاز.