شبكات الجريمة المنظّمة بين مطرقة الدهاء وسندان المواجهة

  • 2023-05-01
  • 13:30

شبكات الجريمة المنظّمة بين مطرقة الدهاء وسندان المواجهة

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

فيما تجمع مؤسّسات مالية دولية كبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد على صعوبة فرزِ أنشطة شبكات الجريمة من النشاط الاقتصادي والتجاري العالمي المتشابك، يُقدّر مكتب الأمم المتّحدة لمحاربة المخدّرات حجم المعاملات الناتج عن نشاطات الجريمة المنظمة بأكثر من 1000 مليار دولار في السنة، أي نحو 5 في المئة من الناتج المحلي العالمي.

 

قد يهمك:

لبنان يترقب تصنيفه "قيد المتابعة" على لوائح "فاتف"

 

 

 

وعندما نقارب أفعال الجريمة المنظمة في العالم، ونتتبّع ما يُمكن لنا رصده في أكثر من مسار تطاله، نوقن بأنّنا أمام قضية خطيرة لها عواقب بعيدة المدى.

صحيح أنّ أسباب التركيز المتزايد على الجريمة المنظمة تختلف من بلد إلى آخر، ولكنها تشمل عموماً المخاوف بشأن ارتفاع معدلات الجريمة، والعنف، والفساد، والتأثير المزعزع للاستقرار للمنظمات الإجرامية على الأمن القومي والتنمية الاقتصادية.

وإذا ما قاربنا مسار الجريمة المنظّمة في العالم، نجد بأنّها تتّخذ أشكالاً عدة وأساليب داهية بهدف تشويه الوقائع وتزوير الحقيقة. ولهذا السبب، نجد قلّة يلقون الضوء على هذا النوع من الجرائم، فهي تبقى مستترة وغامضة، وفي بعض الأحيان، تنتشر قضاياها على شكل فضائح لشركات ومؤسسات وكيانات، لا صلة لهم بها، بل وقعوا ضحيتها.

مع ذلك، رصدنا حالات سلّط الضوء فيها على الجريمة المنظمة بواقعية ومصداقية، وحالات أخرى استخدمت طرق مضلّلة أو مثيرة، ما أدّى إلى سوء تفسير هذه القضية، وبالتالي إلى تحريف الحقائق وإساءة فهمها.

ولأنّنا نوقن أنّ الصحافة المسؤولة التي تُعطي الأولوية للدقّة، والإنصاف والمصلحة العامة يمكن أن تساعد من خلال تسليط الضوء على مثل هذه القضايا في تعزيز زيادة الوعي والفهم بين الجمهور.

لذا نتناول من خلال سلسلة من التقارير، خبايا شبكات الجريمة المنظمة، والأشكال التي تتّخذها في عمليات الاحتيال والنصب، مستندين الى تقديم وقائع عن جرائم سابقة كانت لها تأثيرها مجتمعياً وإعلامياً، ووقائع عن شركات تركت بصماتها في سجل مكافحة عصابات الجريمة المدبّرة.

 

 

يمكنك المتابعة:

صندوق النقد الدولي يخفض توقعاته للنمو الاقتصادي لدول المنطقة

     

     

     في هذا الإطار، استوقفنا سؤال طرحه بعض الباحثين المهتمّين بما يُبث من أخبار في وسائل إعلامية، عن إمكانية إنفاق مبالغ مالية كبيرة لتوريط جهة ما بتلويث سمعة لأهداف كيدية، فهل حدث أن أقدمت جهة ما على توظيف مبالغ بملايين الدولارات كي تكيد جهة أخرى لتوريطها بأمور غير قانونية؟

    أمام هذا الطرح، وجدنا أنّ إجابة الخبراء والمطّلعين أتت متطابقة حول الآتي "من غير المحتمل أن تستثمر جهة ما أيًاً كانت بمبالغ بملايين الدولارات لتثبت لطرف آخر تورّطه في أمر غير قانوني".

    إذ إنّ استثمار مثل هذه المبالغ الكبيرة من المال لإثبات ذنب يمكن اعتباره اعترافاً بارتكاب مخالفة، وهو أمر قد يؤدّي إلى تداعيات قانونية. وفي المقابل نجد أنّ هناك أطرافاً تستثمر استثمارات كبيرة لتكشف عن أنشطة غير قانونية، أو حتى للمساعدة في تحقيقات تهدف إلى مقاضاة متورّطين.

    لقد ساهم فاعلون اقتصاديون معروفون في الكشف عن مثل هذه الأنشطة، ومنهم Global Witness، وهي منظمة غير حكومية تقوم بالتحقيق والحملات ضد الصراع والفساد المتعلقين بالموارد الطبيعية، التي كشفت قطع الأشجار غير القانوني في كمبوديا، والفساد في صناعة الأخشاب الليبيرية، واستخدام المعادن المتنازع عليها في صناعة الإلكترونيات.

    كما استأجرت News Corporation في العام 2011، محقّقين خاصّين لإجراء تحقيق في قرصنة الهاتف، ما أدّى إلى إغلاق صحيفة News of the World وتوجيه اتهامات جنائية للعديد من الأفراد المتورّطين، بينما قدّم ضابط الامتثال في HSBC في العام 2012 دليلاً للسلطات الأميركية على أن البنك فشل في منع غسل الأموال من قبل مهربي المخدّرات والإرهابيين، ما أدّى إلى تسوية بقيمة 1.9 مليار دولار.

    واخيراً، ومع مطلع العام الحالي (2023)، قدّمت شركة TRH Trading Corporation بلاغاً للسلطات الليبرية أدّى إلى اكتشاف مئة مليون دولار أميركي من الكوكايين الذي صادرته وكالة مكافحة المخدرات الليبرية (LEAD)، وأجهزة أمنية أخرى، أمر لفت انتباه المجتمع الدولي بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة التي أشادت بالحكومة الليبيرية لمثل هذا الاكتشاف.

    على الرغم من وجود مخاطر في الكشف عن مثل هذه الأنشطة غير القانونية، إلا أنّ هناك أيضاً حوافز للأفراد والمنظمات تدفعهم للقيام بذلك، إن بهدف تحقيق مكاسب مالية، أو لأسباب أخلاقية يعتبرها البعض على قدر كبير من الأهمية.

    مع ذلك، تمثّل الجريمة المنظّمة تهديداً كبيراً للمجتمعات، وهي مسؤولة عن العديد من الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات، والاتجار بالبشر، وغسيل الأموال والجرائم الإلكترونية، ولا يقتصر أثر هذه الأنشطة على الاستقرار المالي فحسب، بل يؤدّي أيضاً إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية تتمثّل في انعدام الأمن وازدياد ظواهر العنف وارتفاع منسوب الجرائم في المجتمع، وغالباً ما تنخرط هذه العصابات والمنظمات الإجرامية في حروب على النفوذ تؤدّي إلى وقوع الأبرياء في مرمى النيران.