الاتفاق السعودي الإيراني: لكي ينتج الشرق الأوسط الطاقة وتصديرها بسلام

  • 2023-03-16
  • 12:52

الاتفاق السعودي الإيراني: لكي ينتج الشرق الأوسط الطاقة وتصديرها بسلام

  • أحمد عياش

الحدث الذي تصدر الاهتمام العالمي في العاشر من آذار/مارس الحالي والذي تمثل بالاتفاق السعودي الإيراني الذي أبرم في بكين، لم ينل بعد التقييم الاقتصادي الكافي، فبقيّ الاتفاق ولا يزال، تحت أضواء الابعاد الجيوإستراتيجية في السياسة والامن. فهل من ملامح لإبعاد الاتفاق إقتصادياً على المستويات الدولية والإقليمية؟

أسرع جواب على هذا السؤال جاء من طهران غداة إبرام الاتفاق، إذ عوّض الريال الإيراني، بعض الخسائر التي تكبّدها في الآونة الأخيرة مسجلاً ارتفاعاً تجاوز 6 في المئة وسط احتمالات تقلص التوترات الإقليمية بعد اتفاق إيران والسعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

 

 

إقرأ ايضاً:

على الضفة الأخرى من الاتفاق، أي المملكة العربية السعودية، فقد ظهر مؤشر لا ينتمي الى إتفاق بكين، ولو انه أتى غداة إعلان الاتفاق. فقد سجّلت شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) أرباحاً قياسية مع بقاء الوقود الأحفوري "ضروريا". وكسبت الشركة 161 مليار دولار العام الماضي، بزيادة تقارب 50 في المئة عن 2021، وقالت إن الطلب على النفط سيستمر. وبحسب ما كتبه ستانلي ريد في النيويورك تايمز، فإن أكبر شركة نفط في العالم، هي أحدث عملاق للطاقة يعلن عن أرباح قياسية، وهي تراهن على أن الطلب العالمي على نفطها سيظل قوياً على الرغم من المخاوف بشأن تغير المناخ. حتى الآن، هذه الرهانات تؤتي ثمارها. وقال أمين حسن الناصر، الرئيس التنفيذي لـ "أرامكو"، في بيان: "نتوقع أن يظل النفط والغاز ضروريين في المستقبل المنظور".

 

الاتفاق وصورة الشرق الأوسط

 

تحت عنوان "الاتفاق السعودي الإيراني يمكن أن يحوّل الشرق الأوسط"، كتبت فيفيان نيريم في النيويورك تايمز أيضاً ان لدى كلا البلدين (السعودية وإيران)، وكذلك المنطقة الأوسع، الكثير لتكسبه من إعادة ضبط العلاقات - إذا صمد الاتفاق حقاً. وجاء في التقرير:"كان التقارب الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية وإيران بعد سنوات من المواجهة في صراعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط بمثابة انقلاب للصين، ما سهل الاتفاق، وكان ذلك مصدر ارتياح لإيران، التي تتصارع مع الاضطرابات الداخلية والاقتصاد الذي تعاني من العقوبات القاسية".

 

 

قد يهمك:

لكن المملكة العربية السعودية أيضاً لديها الكثير لتكسبه،  إذا ترسخ التعاون الجديد حقاً. وقد يساعد الاتفاق في تهدئة التوترات الإقليمية التي أججت الحروب والحملات الإعلامية وأرسلت صواريخ وطائرات من دون طيار تحلق عبر شبه الجزيرة العربية"، وأضاف التقرير: "أصبح حل النزاعات أولوية قصوى لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث يقوم بإصلاح اقتصاد المملكة، على أمل جعلها مركزاً عالمياً للأعمال والثقافة". وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، على تويتر بعد الإعلان عن الاتفاق في بكين :"دول المنطقة تتقاسم مصيراً واحداً، وهذا يجعل من الضروري بالنسبة لنا العمل معاً لبناء نماذج للازدهار والاستقرار".

كيف تبدو الصورة على الجانب الصيني؟ تحت عنوان " بكين هل تنهي نزاع 40 عاماً؟"  كتب عبد الرحمن الراشد في صحيفة "الشرق الأوسط" يقول: "الصين تستورد مليوني برميل يومياً من السعودية وحدَها، وستزداد. وأميركا تستورد منها 300 ألف برميل خام يومياً فقط، نحو 7 في المئة من حاجتها، وستتناقص، وهي نسبة قليلة إذا قارناها بأكثر من 50 في المئة تستوردها أميركا من جارتها كندا. واشنطن تستطيع أن تعيشَ من دون نفطِ السعودية والخليج. الصين لن تستطيعَ. نظرياً، يفترض ألا يشكل النجاح الصيني في التقريب بين الرياض وطهران أزمة". وخلص الراشد الى القول :" الأهمُّ للسعودية، أنَّ الصين شريكٌ تجاريٌّ كبيرٌ لها ولدول المنطقة، والصين نفسُها متضررةٌ من النزاع. أمَّا واشنطن فليس بوسعها أن تكونَ البديلَ للصين، تحديداً في شراء النفط، ولا أن تلعبَ دورَ الوسيط مع إيران. مع هذا، ستظلُّ الولاياتُ المتحدة لاعباً مهماً... الأخ الأكبر والشريك العسكري لدول الخليج، الذي سيمدُّ في عمر نفوذِها إلى عقد آخر، على الأقل".

 

كيف يبدو الاتفاق السعودي الإيراني خلال شهرين من توقيعه؟

 

كيف تبدو صورة اتفاق بكين خلال شهرين منذ توقيعه، وهي الفترة المعطاة لإستئناف العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران؟ بحسب تشارلز كينيدي Oilprice.com، فإن الخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران شكّل السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط في السنوات والعقود الأخيرة. وكلا البلدين عضوان في أوبك وهما من كبار منتجي النفط فيها، على الرغم من انخفاض إنتاج إيران منذ العام 2018 عندما انسحب الرئيس دونالد ترامب مما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني وأعاد فرض العقوبات على صناعة النفط الإيرانية وصادراتها. كما تقود المملكة العربية السعودية، أكبر منتج في أوبك، اتفاقية أوبك+ مع روسيا بشأن حصص إنتاج النفط، أما إيران فمعفاة من الحصص بسبب العقوبات المفروضة عليها".

 

 

يمكنك المتابعة في موضوع آخر:

يعود عبد الرحمن الراشد الى منتدى نظَّمه أخيراً مركز THINK عن الدبلوماسية والشؤون العسكرية، والاقتصادية، والتقنية، والثقافية، تناقشت فيه شخصيات من الجانبين. ويلفت النظر الى "جملة واحدة بسيطة ومهمة" ترددت في المنتدى، وهي: "المملكة العربية السعودية اليوم ليست السعودية قبل خمس سنوات، والولايات المتحدة اليوم ليست أميركا الأمس، وفي الوقت نفسه القيادة السعودية والحزب الديمقراطي باقيان معنا". وقال: "من الواضح أنَّ خسارة العلاقة الخاصة مع واشنطن لن تقود إلى انهيار المملكة، هذه خرافة ينقضها نحو مئةِ عام من الحكم السعودي الحديث الأطول والأكثر استقراراً. والعلاقة مع الصين ليست عاطفيةً، بل ستقوم على المصالح، علاقة مشترٍ وبائع للنفط والسيارات والهواتف وغيرها، حتى لو خفضت العلاقة، سيستمر السعوديون يستمتعون بالفرجة على أفلام "نتفليكس" الأميركية، من دون الحاجة إلى التزامات سياسية كبرى، وستقوم الصين لاحقاً بحماية طريق تجارتِها، ومناطقِ البترول سواء من خلال موفديها الدبلوماسيين، أو تضطر مستقبلاً إلى بعث بوارجِها، كما فعلَ مِن قبل البرتغاليون والإنجليز والأميركان لحماية مسارات تجارتِهم في منطقتنا".

 

تساؤلات خطيرة حول عائدات التصدير المستقبلية للنفط والغاز

 

في تقرير خاص حمل عنوان: "صادرات النفط والغاز واعتماد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على عائداتها"، جاء فيه: "ان النمو الاقتصادي في الصين والهند والعالم النامي يعني زيادات هائلة في الطلب على الطاقة، وفي تدفق الواردات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحول نمو استهلاك الطاقة إلى الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".

وفي الوقت نفسه، يظهر التقرير أن "عدداً قليلاً من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها موارد نفط وغاز كبيرة بما يكفي لتوفير عائدات التصدير لتلبية احتياجاتها الداخلية للتنمية الاقتصادية الشاملة، وتوفير وظائف حقيقية لمعظم سكانها والتي تحقق إيرادات للفرد الواحد توفر شكلاً حقيقياً من ثروة النفط والغاز. وتظهر البيانات أيضاً أن بعض الدول الرئيسية المصدرة للنفط والغاز قد تعرضت لسوء إدارة مزمن لعقود، وتساعد في تفسير سبب استمرارها في عدم الاستقرار الداخلي. وهذا يثير تساؤلات خطيرة حول عائدات التصدير المستقبلية في الفترة ما بين 2023 و 2050. ومع ذلك، لم تستغل دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد جميع المناطق التي يمكن أن تضيف إلى احتياطاتها النفطية، في حين تشير الشكوك في البيانات المتعلقة باحتياطات الغاز وإنتاجه في دول أخرى إلى أن عدداً منها قد يكون قادراً على تحقيق زيادات كبيرة في إنتاجها وصادراتها من الغاز الطبيعي - الوقود الأحفوري الأقل تأثيراً على ظاهرة الاحتباس الحراري والذي يكون استخدامه أكثر أماناً من النفط وأكثر أماناً من الفحم الحجري، " ثم يدرس التقرير تقديرات الطلب المستقبلي على النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويبيّن التقرير "أن الاتجاهات الحالية في الاقتصاد العالمي تدعو إلى زيادة استخدام صادرات النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى العام 2050 على الأقل، ولاسيما في آسيا وفي الدول الأقل نمواً غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي - إذا لم تحدث تخفيضات كبيرة في الطلب على الوقود الأحفوري للتعامل مع تغير المناخ والاحترار العالمي".

الى أي مدى يمكن إعتبار الاتفاق السعودي الإيراني عاملاً مساعداً في ملاقاة الحاجات المتزايدة لمنتجات الطاقة التقليدية التي يصدّرها الشرق الأوسط الى العالم عموماً وآسيا خصوصاً ؟ إعتماداً على ما سبق من معطيات، يبدو الجواب كامناً في توفير الاستقرار في المنطقة كي يقوم الشرق الأوسط بدوره في انتاج الطاقة وتصديرها بسلام.