المريشد: الأولوية للاستثمار في السعودية

  • 2022-03-29
  • 23:18

المريشد: الأولوية للاستثمار في السعودية

"أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" يحاور عضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة التصنيع الوطنية

  • فيصل أبوزكي

تُعدّ شركة التصنيع الوطنية "التصنيع" من الشركات الصناعية الرائدة في المملكة العربية السعودية، تأسست في العام 1985 وتمتلك استثمارات أساسية في قطاعات متنوعة مثل البتروكيماويات والصناعات التحويلية والمعادن والخدمات الصناعية والتقنية. بين عامي 2014 و2017 قامت الشركة بواحدة من أكبر عمليات إعادة الهيكلة المالية والإدارية في المنطقة تضمنت خفضاً كبيراً للمديونية، لتعزيز قوتها المالية ووضعها على مسار أكثر استدامة من حيث الإيرادات والأرباح.

كيف كان أداء الشركة في العام الماضي 2021؟ وكيف تواجه تداعيات المستجدات العالمية الحالية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، أو الاقتصادية مثل ارتفاع أسعار النفط والتضخم؟ وكيف تتطلع الى المستقبل؟ هذه الأسئلة وغيرها ناقشها موقع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" مع عضو مجلس إدارة شركة "التصنيع" ورئيسها التنفيذي مطلق المريشد. وهنا نص الحوار:

 

توقعات إيجابية في 2022، على غرار نتائج 2021

 

-       حققت "التصنيع" أرباحاً صافية في العام 2021 بنحو 1.356 مليار ريال، مقارنة بخسائر بنحو 446 مليون ريال في العام 2020. ما هي الأسباب الرئيسية وراء هذا الأداء؟

كان ارتفاع الأسعار لجميع المنتجات السبب الرئيس وراء هذا الأداء الجيد في ظل انخفاض تكاليف التمويل، وانخفاض التكلفة بشكل عام، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حصة الشركة في أرباح الشركات الزميلة والمشاريع المشتركة، إضافة إلى انخفاض تكاليف التمويل وارتفاع الإيرادات الأخرى، علماً أنه تم عكس مخصص هبوط في قيمة استثمار شركة "ترونكس" (وهي أكبر مصنّع لمادة ثاني أوكسيد التيتانيوم، وتملك "التصنيع" فيها نسبة تصل إلى 24.4 في المئة من خلال إحدى شركاتها التابعة "كريستل")، والبالغ 693 مليون ريال، نتيجة ارتفاع قيمة السهم إلى 24 دولاراً في نهاية العام 2021 (علماً أن القيمة الدفترية المسجلة في حدود 14.8 دولار)، وذلك على الرغم من ارتفاع أسعار بعض مواد اللقيم وارتفاع مخصص الزكاة وتسجيل مخصص مقابل قروض مقدمة بمبلغ 466 مليون ريال (تبلغ حصة التصنيع 417 مليون ريال)، أهمها لشركة مجمع صناعات المعادن المتطورة وتوهو للتيتانيوم المحدودة في ينبع، إحدى شركات المشاريع المشتركة، ومخصص هبوط في قيمة بعض الأصول غير المتداولة بمبلغ 180 مليون ريال (تبلغ حصة التصنيع 161 مليون ريال) لشركة مجمع صناعات المعادن المتطورة نتيجة استمرار تأخر الإنتاج التجاري في مصهر التيتانيوم في جازان.

-       ما هي توقعاتكم لنتائج "التصنيع" خلال العام الحالي 2022؟

نتوقع نتائج جيدة على غرار نتائج العام الماضي، بإذن الله، لأن أسعار جميع المواد الأساسية جيدة حالياً، على أمل أن لا تنعكس الأزمة الروسية الأوكرانية سلباً على الوضع الاقتصادي العالمي في حال امتدت إلى خارج حدود البلدين. ونأمل في حلول عاجلة للمشاكل القائمة في سلاسل الإمداد، التي بدأت مع تداعيات جائحة كوفيد-19 والتي لم يتعاف منها الاقتصاد العالمي بالكامل حتى الآن. فعلى سبيل المثال، ما زالت هناك صعوبة ملحوظة في توفر السفن مع التزايد المستمر في قيمة إيجارات الحاويات في الموانئ والتي وصلت إلى معدلات قياسية من نحو 800 أو 900 دولار إلى أكثر من 8000 دولار.

-       ما الذي يقلقكم في هذه الحرب؟ وما هي الانعكاسات المرتقبة على سلاسل الإمداد وتوافر بعض المواد الأولية؟

ما زال تأثير الحرب خفيف جداً على صناعة البتروكيماويات بشكل عام، لأن سوقي روسيا وأوكرانيا ليستا من ضمن الأسواق الرئيسة، وقد تكون الإشكالية الحقيقية في سلاسل الإمداد والسفن، وأتوقع أن تستمر التجارة على حالها لكن تكاليف الشحن قد ترتفع نسبياً، ويبقى الخوف أن تمتد الحرب إلى خارج حدود البلدين فتكون هناك تداعيات أكبر على التجارة العالمية.

-       كيف تتوقعون أن ينعكس ارتفاع أسعار النفط على أسعار البتروكيماويات، والمواد الأخرى التي تنتجها التصنيع؟

أسعار النفط سلاح ذو حدين، فارتفاعه إلى حدود الـ 100 دولار يبقينا في المنطقة الآمنة، وفي الوقت نفسه لن يمثل ضرراً على الاقتصاد العالمي. إن صناعة البتروكيماويات ترتبط بحجم الناتج المحلي الإجمالي للدول ومستوى نموها الاقتصادي، أكثر من ارتباطها بأسعار النفط، لكن يبقى توجه الأسعار في المستقبل غير واضح بحكم خضوع ذلك للعديد من المتغيرات ومستويات العرض والطلب.

-       يشكل التضخم مصدر قلقٍ للاقتصادات العالمية، حتى قبل أزمة أوكرانيا، وربما توفر هذه الأزمة دافعاً لتغيير السياسات النقدية للبلدان الرئيسة، مثل الولايات المتحدة، وغيرها. هل يقلقكم وضع التضخم؟

حتى الآن لا يقلقنا كثيراً هذا الأمر، نظراً لارتباط الريال السعودي بالدولار الأميركي، وسوق البتروكيماويات العالمية تتعامل أيضاً بالدولار. قد يطال الضرر بعض الدول التي تُعدّ سوقاً مهمة للبتروكيماويات الخليجية وتعاني عملتها من الضعف مقابل الدولار، وقد تتأثر قوتها الشرائية بذلك، لكن حجم سوق البتروكيماويات العالمية عموماً يصل إلى نحو 6 تريليونات دولار، ولذلك لن يتأثر كثيراً بالحالات الخاصة لبعض الدول.

 

 

توفر اللقيم والاستقرار السياسي والاقتصادي

يحددان اتجاهات استثماراتنا المستقبلية

 

 

-       لديكم مركز مالي قوي ومستوى سيولة جيد، ما هي خططكم المستقبلية؟

يمرّ الاقتصاد العالمي بمرحلة من الغموض وعدم اليقين خلال الفترة الحالية، وهذا يفرض علينا التعامل بحذر مع الالتزامات والقروض القائمة ومعالجة المشاريع ذات التحديات الكبيرة والأداء غير الجيد، مثل مشروع مصهر معالجة الالمنيت في جازان، إضافة إلى إمكانية التوسع في الاستثمارات. وتبقى الأولوية بالنسبة لنا لمشاريعنا واستثماراتنا داخل السعودية. لذا نأمل أن نتمكن من الحصول على اللقيم المناسب قريباً، كما نتطلع في الوقت نفسه إلى الأسواق الأخرى لاستكشاف الفرص حيثما يتوفر اللقيم والاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث تتطلب الصناعات البتروكيماوية استثمارات ضخمة واستقرار طويل الأجل.   

-       هل بدأتم مرحلة الإنتاج التجاري لمصنع معالجة مادة الألمنيت؟

بدأنا عملية التشغيل والإنتاج التجريبي في الفرن الأول، ولله الحمد، منذ نحو ثلاثة أشهر، بطاقة تشغيلية محدودة، وننتظر نتائج الفترة التجريبية للمضي قدماً في رفع الإنتاج واستقراره للوصول إلى مستوى التشغيل التجاري قبل نهاية العام بإذن الله، ودراسة الخيارات المناسبة لزيادة القيمة المضافة على استثمارات الشركة المتنامية في هذا القطاع.

 

 

تركيز على صناعة البتروكيماويات بسبب ربحية الشركة العالية

 

 

-       ما هي الخطوط العريضة لاستراتيجية نمو الشركة في السنوات المقبلة؟

لدينا نشاطات متنوعة: بتروكيماويات، معادن، وصناعات تحويلية، ونحن نركز بشكل أكبر في استثماراتنا المستقبلية على صناعة البتروكيماويات، لتميزها بالربحية العالية، وتوافقها من ناحية أخرى مع الخيارات الوطنية لزيادة إسهام المنتجات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي باعتبارها من المنتجات المعدة للتصدير إلى الأسواق الخارجية، حيث تتميز البتروكيماويات السعودية بالاعتمادية والجودة العالية.

-       هل من نيّة للخروج من بعض استثماراتكم في الصناعات التحويلية؟

نحن نراقب تطورات السوق المحلية والعالمية، وندرس كل خياراتنا بعناية، وننتظر الوقت المناسب لاتخاذ أي خطوة، وهذه أمور تحتاج إلى دراسة متعمقة للخروج بأفضل الخيارات للشركة ومساهميها.

-       هل من نيّة للتملك أو الاندماج مع كيانات أخرى؟

الاندماج ليس أولوية بالنسبة لنا، لكن يظل هناك إمكانية للتوسع من خلال إنشاء مصانع جديدة حسب المعطيات وحسب الفرص المتاحة لتوفر اللقيم داخل المملكة وخارجها.

-       هل سيكون هذا التوسع في الخارج؟

طبعاً من الوارد، وفي هذه الحالة سنركز بشكل أساسي على الاستثمار في الدول التي لديها اللقيم وتتمتع باستقرار سياسي واقتصادي، على سبيل المثال الأسواق الأميركية والصينية.

-       كيف تنظرون إلى الفرص التي تُتيحها "رؤية 2030" والتغييرات الاقتصادية الحالية في المملكة؟

لا شك أن "رؤية 2030" تمثل خارطة طريق جديدة، خصوصاً بعد إعلان المملكة عن توجهها للتصنيع العسكري المحلي بما يوفر فرصاً واسعة ومتنوعة، ونحن في "التصنيع" نتطلع للاستفادة من ذلك كمنتج لمعدن التيتانيوم الاسفنجي الذي يُعدّ أحد المنتجات الرئيسة التي تدخل في الصناعات المتقدمة والصناعات العسكرية بما فيها الطائرات والغواصات وغيرها، كما تركز الرؤية أيضاً على تعزيز وتنمية المحتوى المحلي بكل مكوناته، وهو ما يعمل على حماية الصناعة الوطنية ضد الإغراق ويفتح لنا آفاقاً جديدة للاستثمار والتوسع في مجالات جديدة ومتنوعة، مثل صناعة المنتجات الفائقة الامتصاص.

-       لا شك أن تداعيات جائحة كوفيد-19 لا تزال مستمرة حتى اليوم. كيف تأثرتم بهذه الأزمة وما هي الدروس التي خرجتم بها؟

لا شك أن الأزمة كانت استثنائية وكانت لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي، بسبب الإغلاق، حيث أثرت في بداياتها بشكل سلبي على كل القطاعات الاقتصادية في العالم، وما زال تأثيرها موجوداً نسيباً خصوصاً على سلاسل الإمداد. ولكن من ناحية أخرى، كان للعمل عن بُعد انعكاسات إيجابية على ترشيد التكاليف بشكل عام، إضافة إلى مساهمته بشكل كبير في تطوير التقنيات والأنظمة المستخدمة في العمل عن بُعد خلال الأزمة، وهو ما انعكس إيجاباً على الأعمال في المكاتب والمصانع على حدٍ سواء، وذلك بالطبع جعل الكثير من الشركات تفكر جدياً في تشجيع الاعتماد بشكل أكبر على هذه الطريقة من العمل.

-       ما هي استراتيجية "التصنيع" في مجال الاستدامة، والتغير المناخي، والتي أصبحت من المخاطر الرئيسية المطلوب احتسابها في أعمال ومالية المؤسسات؟

نحن نتبع استراتيجية المملكة، وهي تخفيض انبعاثات الكربون إلى مستوى صفر في حلول العام 2060. وقد بدأنا داخلياً بالعمل على إيجاد الحلول للتخلص من مخلفات الكربون ولدينا سياسة وتوجهات واضحة لتخفيف الانبعاثات الكربونية، وإن كان التطور التقني في هذا المجال يحتاج إلى وضوح أكبر في اتجاهاته المستقبلية. نحن أيضاً حريصون على التميز في مجالات البيئة والصحة والسلامة، ونطبق أعلى معايير الالتزام بالمعايير البيئية ولوائح الكيانات التنظيمية في جميع أعمالنا. من ناحية أخرى نعمل على ترشيد الموارد الطبيعية واستدامتها، فعلى سبيل المثال يعمل أحد مصانعنا بالشركة الوطنية لصهر الرصاص على تخليص البيئة والمجتمع من مخلفات الرصاص وذلك باستخراجه من البطاريات المستعملة وإعادة تدويره وإنتاج رصاص عالي الجودة يتم استخدامه من قبل مصنع آخر من مصانعنا بالشركة الوطنية لبطاريات السيارات، حيث ينتج المصنع أكثر من مليوني بطارية سيارات سنوياً، وهذا إسهام جيد في المحافظة على البيئة والصحة العامة.

-       ما هي رؤية "التصنيع" لتحقيق وتسريع التحول الرقمي في أعمالها؟

ضمن مفهوم الثورة الصناعية الرابعة، دخلت الأتمتة والرقمنة إلى العديد من قطاعات الأعمال بسرعة كبيرة لم يكن يتخيلها أحد قبل عقد من الزمان، وكانت "التصنيع" من أوائل الشركات التي استفادت من ذلك، وشهد العام 2021 وصولنا إلى مراحل متقدمة في رحلتنا للتحول الرقمي من خلال أتمتة العمليات الروبوتية مع استمرار الاستفادة من الاستثمارات في الخدمات الآلية بالشركة في عملياتنا الإدارية وفي المصانع على حدٍ سواء. لكن ونظراً الى حساسية التعامل مع الرقمنة والأتمتة خصوصاً في العمليات الصناعية، فإن هذا يفرض علينا التزاماً أكبر وحذراً أثناء الربط مع الشبكات الخارجية للمحافظة على أمننا السيبراني وللحيلولة دون التعرض لمخاطر الاختراق.

 

 

إعادة الهيكلة وضعتنا على مسار النمو

 

 

-       هل ترون مستقبلاً واعداً لشركة "التصنيع" في الفترة المقبلة؟

"التصنيع" واحدة من أكبر الشركات الصناعية والبتروكيماوية السعودية وواحدة من أكبر المستثمرين العالميين في مادة ثاني أوكسيد التيتانيوم من خلال ملكيتها في شركة "ترونوكس"، وتتميز بقدر كبير من الخبرات والكفاءات والتقنيات الحديثة والحلول المبتكرة التي تضيف القيمة لمنتجاتنا وخدماتنا حول العالم. وقد تطورت أوضاع الشركة بشكل إيجابي خلال السنوات الماضية، حيث بدأنا نلمس النتائج الإيجابية بعد أن قمنا بواحدة من أكبر عمليات إعادة الهيكلة في المنطقة واستطعنا إعادة وضع الشركة على الطريق الصحيح وعلى أسس متينة مع توفير ركائز قوية للنمو المستدام.  

-       هل من عمليات اقتراض من خلال أسواق رأس المال؟

لقد نجحنا خلال الفترة الماضية في جدولة قروض الشركة وتحويلها من قروض قصيرة الأجل إلى قروض متوسطة وطويلة الأجل. أما بخصوص طلب أي قروض جديدة فهذا الأمر يرتبط في المقام الأول بالاحتياج، فعلى سبيل المثال، في حالة الدخول في استثمارات ومشروعات جديدة يتم تقييم الأوضاع المالية ومستوى السيولة في الشركة، ويتم دراسة البدائل المتاحة للتمويل، وبناءً على ذلك يتم اتخاذ القرار، وهذا أمر سابق لأوانه.