لبنان: هل ستتمكن "السلة الغذائية" من وضع حد لجنون الأسعار؟

  • 2020-07-27
  • 16:40

لبنان: هل ستتمكن "السلة الغذائية" من وضع حد لجنون الأسعار؟

  • كريستي قهوجي

منذ شهور يعيش اللبنانيون هاجس ارتفاع أسعار السلع ومنها الغذائية. ارتفاع تحوّل إلى ما يشبه بورصة يتحكم فيها التجار فيضعون "التسعيرة" التي تناسبهم، ويحتكرون البضائع، بلا حسيب أو رقيب. ومن مدة ينتظر المستهلك اللبناني رحمة "السلة الغذائية" التي كانت قد أعلنت عنها وزارة الاقتصاد والتجارة، وهي سلة مدعومة من مصرف لبنان ضمت في البداية 50 سلعة لتتوسع لاحقاً إلى نحو 300 سلعة.

 

إقرأ:

لبنان: اين اصبحت السلة الغذائية؟

 

زيوت، حبوب، سكر ملح وحليب، لحوم مستوردة ومعلبات.. مواد أدرجتها وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية في سلتها على أمل أن تكون في متناول اللبنانيين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود منهم، وبهدف كبح جماح الأسعار، ووضع حد لجشع التجار الذي لم تتمكن مصلحة حماية المستهلك في الوزارة، من وقفه حتى اليوم، على الرغم من تسطيرها لأكثر من 1700 محضر ضبط بحق المخالفين وأحالتهم إلى القضاء.

وحتى يحين الوقت الذي تبدأ فيه مفاعيل السلة بالظهور خلال الأسابيع المقبلة، فإن الأنظار تتجه إلى الآلية التي حددتها الوزارة للتجار والذين يتعين عليهم أن يقدموا بموجبها ملفاتهم للبدء باستيراد البضائع المقصودة.. يبقى السؤال: هل ستشكّل السلة عوناً للبنانيين خلال هذه المرحلة الصعبة؟ وهل ستتمكن الحكومة من مواصلة الدعم في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة؟

 


انخفاض الأسعار 40 في المئة

لمجرد الحديث عن السلة الغذائية، فإن أسعار بعض السلع الأساسية بدأت بالتراجع، ومن المتوقع أن ينعكس ذلك على سلع عدة أخرى. ويقول مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية طارق يونس في حديث خاص إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" إنه بناءً على المعطيات الموجودة لدى الوزارة، فإن بعض السلع كالسكر والأرز والحبوب واللحوم المبرّدة شهدت انخفاضاً في أسعارها بشكل واضح، مشيراً إلى أن السلع المدعومة ستكون متوفّرة في الأسواق اللبنانية خلال 3 أسابيع وهذا ما سينعكس مبدئياً بنسبة تتراوح ما بين 25 و40 في المئة انخفاضاً في أسعار عدد كبير من الأسعار الغذائية، خصوصاً أن هناك عدداً كبيراً من التجار لا يزال يقدّم أوراقه وملفّاته بالإضافة إلى الوقت الذي تحتاجه الشحنات المستوردة لتصل إلى لبنان.

 

إقرأ:

مصرف لبنان يتدخل لدعم المواد الغذائية والمؤسسات الصناعية

 

التشدد في المراقبة

 

ولتحقيق الغاية من "السلة" ستعمل مديرية حماية المستهلك على مراقبة السلع المدعومة وأسعارها في المحال التجارية ومدى توافقها مع الأسعار المتفق عليها مع مصلحة التجارة في وزارة الاقتصاد. ويوضح يونس أن المديرية ستستمر في مراقبة السعر النهائي للمنتج المدعوم من خلال تتبّعه منذ لحظة وصوله إلى المستورد وبيعه إلى الموزعين ومنهم إلى المؤسسات التجارية ومعرفة كل المعلومات المطلوبة عن هوية المستوردين والموزعين والمؤسسات التجارية. ويضيف أن المديرية تقوم بمراقبة كميات السلع  التي تصل وتحديد مواقع توزيعها وبيعها بشكل دقيق وواضح، مشدداً على أنه في حال الإخلال في هذا الموضوع تقوم المصلحة بضبط المخالفة ورفعها إلى وزير الاقتصاد راوول نعمة لاتخاذ الإجراءات المناسبة التي قد تصل في بعض الأحيان إلى وقف الدعم.

 

طارق يونس: نعمل على مراقبة أسعار السلع المدعومة 

 

مجهود كبير

 

منذ بدء ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تشددت مديرية حماية المستهلك في مراقبة الأسعار التي شكّلت أولوية كبيرة في عملها والذي يشمل أيضاً السلامة الغذائية ومراقبة محطات الوقود وعمليات الاحتكار والمولدات الكهربائية. وفي هذا السياق، يشير يونس إلى أن الكوادر البشرية في المديرية محدودة ولا تستطيع أن تغطي كل المخالفات لولا الجهد الكبير الذي يقوم به مراقبو المديرية على الأرض خصوصاً في فترة التعبئة العامة، موضحاً أن المديرية تعمل وتراقب الأسعار بشكل عام من خلال الالتزام بنصّين قانونيين الأول هو قرار نسب الأرباح الذي يحمل الرقم 277 الصادر في العام 1982 والذي يحدّد هوامش الأرباح لعدد كبير من السلع وخصوصاً السلع الغذائية، لافتاً النظر إلى أنه في حال تخطي التجار هذه النسب فتقوم المديرية بتسطير محاضر ضبط وإحالتها إلى القضاء المختص، ويضيف أن النص القانوني الثاني الذي تلتزم به المديرية هو المرسوم الاشتراعي الرقم 73 الصادر في العام 1983 والذي يختص بتحقيق أرباح غير مشروعة عبر رفع الأسعار بشكل غير مبرّر وغير منطقي، مشيراً إلى أنه تمّ تطبيقه بحق المستوردين الذين رفعوا أسعارهم بشكل غير منطقي خلال الفترة الماضية، مضيفاً أنه تمّ تسطير عشرات محاضر الضبط بحق المستوردين والمئات منها بحق المؤسسات التجارية.

 

صلاحيات محدودة

 

وحول صلاحيات مديرية حماية المستهلك، يقول يونس إنها محدودة وتقف عند تسطير محاضر الضبط وتحويلها إلى القضاء المختص، لافتاً النظر إلى أن المديرية حاولت توسيع بعض من صلاحياتها من خلال التواصل مع مختلف الأجهزة الأمنية التي تعتبر ضابطة عدلية تستطيع الاتصال بشكل مباشر مع النيابات العامة في المناطق، ووصل الأمر في معظم الأحيان إلى اتخاذ قرارات بإقفال بعض المؤسسات المخالفة وتوقيف أصحابها بمؤازرة الأجهزة الأمنية وبإشارة من القضاء المختص.

 

تعديلات مهمة

 

قدّم وزير الاقتصاد والتجارة مشروع قانون تتضمن تعديلات لتوسيع صلاحيات مديرية حماية المستهلك  لتصبح قادرة على فرض غرامات بشكل مباشر على المخالفين في حالات معيّنة، ويكشف يونس أنه تمّ تسطير أكثر من 1700 محضر ضبط منذ منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر بعدد كبير من المخالفات بينها كرفع الأسعار بشكل غير مبرر وتخطي هوامش الأرباح وعدم الإعلان عن الأسعار وعدم توافق السعر مع ما هو معروض وما هو مستوفى على الصندوق، مشدداً على أن المديرية مستمرة بعملها في قمع المخالفات.

 

آلية الدعم شبه مستحيلة

 

عانى المواطنون من ارتفاع أسعار السلع الغذائية بأنواعها كافة حيث وصلت إلى أسعار خيالية في بعض الأحيان، ما أدى إلى تراجع في القدرة الشرائية بشكل كبير، ويشير نقيب مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي في حديث خاص إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" إلى أن انخفاض أسعار المواد الغذائية الموجودة في السوبرماركات والمذكورة في السلة الغذائية عند عرض الأخيرة على الرفوف هو أمر خاطئ، موضحاً أن هذه السلع كانت موجودة في مستودعات التجار في وقت سابق لصدور قرار السلة الغذائية وتباع بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء ولا يمكن بالتالي بيعها بحسب سعر السلة الغذائية المدعومة، معتبراً أن الآلية المعتمدة والصادرة وفق القرار الرقم 87 المتعلّق بتنظيم عملية دعم السلة الاستهلاكية الموسّعة وموادها الأولية الزراعية والصناعية بالتعاون مع مصرف لبنان هي شبه مستحيلة وأن عدداً كبيراً من المستوردين غير متحمّس للدخول بها وبالتالي سوف يخرجون من الأسواق، لافتاً النظر إلى أنه على المدى الطويل سيؤدي هذا الأمر إلى كثرة الاحتكارات وتراجع عدد السلع في الأسواق بشكل كبير.

 

هاني بحصلي: السلة عبء على الدولة والآلية شبه مستحيلة

 

عبء على الدولة

 

من المتوقع أن يشكل الدعم المفروض على السلع الجديدة عبئاً ثقيلاً على الدولة اللبنانية بكل قطاعاتها واستنزافاً لقدرات مصرف لبنان، ويشدّد بحصلي على ضرورة أن يكون هذا الدعم مرحلياً وعلى العمل لإيجاد حلول متوسطة الأمد تتمثل بلجم ارتفاع سعر الصرف، مضيفاً أن الأصناف ذات الأسعار البعيدة عن أسعار السوق ستتعرّض للتهريب إلى خارج البلاد، ويقول إن السلة المدعومة غير مستدامة بسبب عدم قدرة الدولة على الاستمرار بدعمها نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بها، متوقعاً أن تستمر الدولة في عملية الدعم لمدة سنة بحسب الأموال التي خصصت لها والبالغة نحو مليار دولار في مصرف لبنان إلا في حال تمّ صرف المبلغ في وقت أقصر من ذلك.

 

لا سوق سوداء

وحول إمكانية استغلال الأوضاع وبيع المواد المدعومة في السوق السوداء، يؤكد بحصلي أن الآلية المعتمدة تنص على رادع معيّن يحفظ هذه العملية بوجود حدّ أدنى من المراقبة من جهة وزارة الاقتصاد ولوائح الأسعار المقدمة من ناحية التجار والمستوردين، ما يشكل نوعاً من الاطمئنان لدى الناس.

ويوضح أن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء أثّر بشكل كبير على عمل التجار والمستوردين مشيراً إلى أن من كان يبيع بضاعته على سعر معيّن وبعد ارتفاع سعر الصرف لا يعود بإمكانه بيع البضاعة الجديدة على السعر القديم لأنه يكون قد خسر رأسماله بشكل كامل.