الفقر والتفاوتات والمناخ: تحديد خيارات عصرنا

  • 2021-06-04
  • 09:31

الفقر والتفاوتات والمناخ: تحديد خيارات عصرنا

  • ديفيد مالباس

رئيس البنك الدولي

أصابت جائحة كورونا أشد الناس فقراً وضعفاً في البلدان النامية، مما زاد من تفاقم التفاوتات والتحديات القائمة: وهي عدم كفاية أنظمة الرعاية الصحية، وضعف المنظومة التعليمية، وثبات الدخول، وتصاعد الصراعات وأعمال العنف، وعقود القروض السيئة الاختيار، وتغير المناخ. وللأسف، فإن تأخّر عمليات التلقيح في البلدان النامية يعمّق التفاوتات على الصعيد العالمي ويترك مئات الملايين من المسنين والضعفاء في خطر.

وإلى جانب الضرر المباشر الناجم عن الجائحة، يترك فيروس كورونا آثاراً سلبية دائمة: فقد خسر الأطفال فترات من التعليم حيوية لهم وما يتصل بذلك من برامج التغذية والتطعيم في مرحلة الطفولة؛ وانهارت الشركات مع فقدان المهارات الوظيفية؛ واستُنفدت المدخرات والأصول؛ ويثبط تراكم الديون الاستثمار ويحول دون الإنفاق الاجتماعي العاجل. 

وقد تحرك البنك الدولي على وجه السرعة لمساعدة البلدان المعنية على الاستجابة في ثلاث خطوات، هي: 1) البرامج الصحية الطارئة في أكثر من 100 بلد في وقت مبكر من الأزمة، 2) استكمال تقييمات لمدى الاستعداد للتلقيح في أكثر من 140 بلداً في نهاية العام 2020، 3) عمليات تمويل وتوزيع للقاحات فيروس كورونا بإجمالي 4 مليارات دولار على الأقل من الارتباطات في 50 بلداً في حلول منتصف العام، وتساعد مؤسسة التمويل الدولية، ذراع المجموعة لتنمية القطاع الخاص، على زيادة إمدادات اللقاحات والمعدات الصحية الحيوية. 

إن نشر اللقاحات على نطاق واسع هو أفضل استثمار لتعزيز الانتعاش الاقتصادي، وقد وجهت نداءات متكررة للبلدان التي تتوفر فيها إمدادات كافية من اللقاحات كي تقوم بتوزيعها سريعاً في البلدان النامية التي تنفذ برامج تلقيح. 

بالإضافة إلى برامج التلقيح، فإننا نعمل على تركيز مواردنا التمويلية وخبراتنا على البرامج المؤثرة التي من شأنها إنقاذ الأرواح وموارد الرزق، مع دعم التنمية الخضراء المرنة والشاملة للجميع. ويحتاج العالم النامي إلى نمو مستدام واسع القاعدة قوي بما يكفي لانتشال مئات الملايين من الأسر من براثن الفقر، مع إدماج الأعمال الخاصة بالتنمية والمناخ معاً. 

ولمساعدة البلدان على تحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ، ستخصص مجموعة البنك الدولي ما لا يقل عن 35 في المئة من مواردنا التمويلية على مدى السنوات الخمس المقبلة - أي ما مجموعه 100 مليار دولار - لدعم الاستثمارات المناخية في البلدان النامية. لكن النتائج أهم من المبالغ المنصرفة. ولمعالجة الاحتياجات الحالية، سيُستخدم جزء من تمويلنا للأنشطة المناخية في جهود "التخفيف" العالية الأثر، وذلك بغرض الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، ولاسيما من جانب البلدان التي تنبعث منها أكبر الانبعاثات. واستشرافاً للمستقبل، فإن ما لا يقل عن نصف إجمالي مواردنا التمويلية للأنشطة المناخية سيتوجه لجهود "التكيف" العالية الأثر، وذلك لمساعدة البلدان المعنية على الاستعداد للآثار السلبية لتغير المناخ. إن تركيزنا على جهود التكيف هو إقرار بحقيقة أن تغير المناخ يضرب أشد ما يضرب أفقر البلدان، على الرغم من أن مساهمتها في انبعاثات غازات الدفيئة ضئيلة للغاية. ويتمثل أحد تدابيرنا العاجلة في مساعدة البلدان التي لديها مساهمات محددة وطنياً، وخطط تنمية طويلة الأجل منخفضة الكربون. ولدى البلدان المختلفة نهج متباين تبايناً واسعاً إزاء اتفاق باريس، ومن المهم أن تُعظم جهودها المناخية من الأثر على انبعاثات غازات الدفيئة والتكيّف الناجح مع تغير المناخ.

ومما يزيد من عدم المساوا، أن العديد من البلدان الأشد فقراً تحاول التواؤم مع أعباء الديون القياسية التي تستتبع أسعار فائدة مرتفعة، رغم بقاء أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة قريبة من الصفر. وحتى قبل تفشي الجائحة، كان نصف جميع البلدان المنخفضة الدخل يعاني بالفعل من ضائقة الديون أو معرضاً بشدة لمخاطرها. وعندما وقعت الجائحة، دعوت إلى تخفيف عبء الديون عن أفقر البلدان بدءاً بوقف فوري لخدمة الديون، وأتاحت مبادرة بلدان مجموعة العشرين في شأن تعليق مدفوعات خدمة الدين تخفيفاً مؤقتاً استفاد منه 43 بلداً بتأجيل سداد نحو 5.7 مليارات دولار من مدفوعات خدمة الدين بين شهري أيار/مايو وكانون الأول/ديسمبر من العام 2020، مع إمكانية تأجيل مدفوعات أخرى بقيمة 7.3 مليارات دولار في النصف الأول من العام 2021. وكان التخفيف أقل مما كان متوقعاً لأن الدائنين لم يشاركوا جميعاً في المبادرة، فقد استمر هؤلاء الدائنون غير المشاركين في تحصيل مليارات الدولارات من الفوائد وأقساط أصل الدين خلال الأزمة، ولأن البلدان المدينة ستكون مدينة أيضاً بالمدفوعات المُعلقة بالإضافة إلى ما يستحق عليها من فوائد حين تنتهي فترة التعليق في كانون الأول/ديسمبر 2021. 

وفي شهر نيسان/أبريل، أعلنت مجموعة العشرين عن إطار مشترك يمكن بموجبه للبلدان التي تتحمل مستوى غير مستدام من أعباء الديون أن تصل إلى وضع معتدل من الديون. ومن خلال العمل مع صندوق النقد الدولي، فإننا ندعم تنفيذ هذا الإطار، لكن العديد من عقود الديون السيادية التي تم إبرامها في السنوات الأخيرة تتضمن أحكاماً تجعل تحليل الديون وإعادة هيكلتها أمراً شاقاً، بما في ذلك الضمانات وبنود عدم الكشف عن العقود والعوائق التي تحول دون المعاملة المماثلة. ويظهر التاريخ أن البلدان التي لا سبيل لها للخروج من أعباء الديون المتراكمة لا تسجل نمواً ولا تحقق خفضاً دائماً في مستويات الفقر.

ويعد اختلال التوازن في السياسات العامة في مجال التحفيز المالي والنقدي مساهماً مهماً آخر في عدم المساواة، سواء داخل البلدان أو في ما بينها. وتتركز الحوافز المالية وتدابير الدعم المتصلة بجائحة كورونا في الاقتصادات المتقدمة، وتفشل هذه الجهود في مساعدة الناس في العالم النامي. وبوسعنا أن نشهد هذا في ارتفاع الأسعار مدفوعاً بالطلب في الاقتصادات المتقدمة حتى في الوقت الذي يضرب فيه انعدام الأمن الغذائي شرائح ضخمة من فقراء العالم. وتعاني السياسة النقدية العالمية من اختلال أكبر في التوازن لأن شراء سندات البنك المركزي وتنظيم الائتمان لا يوجهان الموارد إلا إلى المؤسسات الأكثر أماناً وتطوراً، الأمر الذي يبعد المقترضين الآخرين. 

إن استجاباتنا الجماعية للتصدي للفقر وتغير المناخ وعدم المساواة ستكون هي الخيارات المحددة لعصرنا. والتحديات هائلة، وتتطلب نهجاً جديداً في البلدان النامية والاقتصادات المتقدمة على حد سواء، وتكرس مجموعة البنك الدولي جهودها لمساعدة البلدان على تحقيق التغيير البناء والتنمية المستدامة، ونعمل مع القطاعين العام والخاص على تحقيق رسالتنا الأساسية المتمثلة في تخفيف حدة الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.