كورونا: لقاحات قيد التجربة بعضها من زمن الحرب الأولى

  • 2020-03-26
  • 17:06

كورونا: لقاحات قيد التجربة بعضها من زمن الحرب الأولى

لقاح السل وتقنية نقل البلازما وضعا قيد الاختبار

  • سليمان عوده

يتسارع تفشي فيروس "كورونا المستجد" في مختلف أنحاء العالم، من دون أن يتوفر حتى الساعة أي علاج يمكن أن يقضي على الفيروس، أو لقاح يمكن أن يوفر الوقاية منه. لكن هذا الواقع قد ينقلب قريباً، لا سيما إذا تكللت بالنجاح جهود تبذل على مدار الساعة لإحداث اختراق في الجدار السميك الذي يشيده الفيروس ويزنّر به العالم بلداً بلداً، مهدداً ليس الأرواح فحسب في شتى أرجاء المعمورة، بل أيضاً الاقتصاد العالمي وأوجه الحياة الإنسانية كافة. 

وفي وقت متزامن، يعكف علماء في مراكز أبحاث متفرقة حول العالم على تجربة نجاعة لقاحات معروفة ومخصصة لأمراض محددة لاختبار قدرتها في مواجهة فيروس "كورونا المستجد"، بالتوازي مع تطوير لقاحات جديدة، وذلك بعد مضي نحو ثمانية أسابيع على تحديد تسلسل الحمض النووي للفيروس. وبإشراف من منظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية والرقابية في أكثر من بلد، بدأت التجارب السريرية الأولى لبعض من هذه اللقاحات. 

وأعلنت منظمة الصحة العالمية قبل بضعة أيام عن نبأ يبعث الأمل في النفوس، حين أكدت بلسان ماريا فان كيركيهوف، المديرة الفنية لبرنامج الطوارئ التابع للمنظمة، أن العلماء اقتربوا على نحو ملموس "من إحداث تقدم في تطوير اللقاح الجديد، وذلك بالاعتماد على الدراسات التي أجريت على فيروسي سارس وميرس سابقًا". لكن مسؤولي المنظمة ذكروا أن تطوير العقار وطرحه للاستخدام يحتاج إلى فترة طويلة، قد تصل إلى عام ونصف العام، قبل استكمال جميع التجارب السريرية واختبارات السلامة الخاصة باللقاح قيد التجربة. 

 

سرعة قياسية

وفي حين تبدو هذه المدة الزمنية طويلة نسبيًا، خصوصًا أن أعداد الإصابات بالفيروس آخذة في الارتفاع بصورة سريعة للغاية، إلا أن الرد الوحيد الذي يخرج من أروقة منظمة الصحة العالمية والعلماء الذين يعملون على تطوير اللقاح هو أن التجارب السريرية واختبارات السلامة مهمة جدًا، ويجب أن تعطى الأولوية، خصوصًا أن استخدام لقاح غير آمن أخطر من الفيروس ذاته. ولهذه الغاية، ينبغي التعامل بحذر شديد مع تطوير لقاح جديد، لأنه سيحقن في النهاية في أجسام جميع البشر تقريبًا، وعلى الهيئات الصحية التحقق من نجاعته أولًا، وأن لا مضاعفات سلبية تنتج عنه قد تهدد الصحة ثانيًا.

وثمة راهناً أكثر من 20 لقاحاً وضعت قيد التطوير، وقد وصل أحدها إلى مرحلة الاختبار على البشر بعد أن اجتاز مرحلة التجارب على الحيوان، حيث تُجرى عمليات اختبار مدى كفاءته وتأثيره على البشر، فضلًا عن مدى سلامة استخدامه بالنسبة إليهم. وتعد السرعة التي وصل بها اللقاح الجديد في الولايات المتحدة الأميركية إلى مرحلة التجارب السريرية بأنها غير مسبوقة. 

وتتعاون معاهد الصحة الوطنية الأميركية مع شركة "مودرنا" للتقنيات الحيوية لتطوير اللقاح استنادًا إلى المعرفة المتوفرة لتسلسل الحمض النووي للفيروس. ولم يكن ذلك ليتحقق لولا نجاح الصين ومن بعدها إيطاليا في تحديد تسلسل الحمض النووي للفيروس وتقديم هذه المعلومات لباقي دول العالم. وقد بدأت التجارب في معهد "كايسير بيرمانينتي" للأبحاث الصحية، وشملت المرحلة الأولى من التجارب اختبار اللقاح على متطوعين. 

ويعمل علماء آخرون في بحوث على لقاحات ما زالت ضمن مرحلة اختبارها باستخدام الحيوانات، ويأملون في اختبار نتائجها على البشر في وقت لاحق من هذا العام. ولن تنتهي التحديات بعد تطوير اللقاح الجديد، إذ ستبرز تحديات لوجستية ومادية وأخلاقية سيواجهها العالم، وأبرزها ضمان توفير اللقاح لجميع البشر. فالعالم لن يكون في مأمن حتى يحصل جميع سكانه على اللقاح، لا الأثرياء والمقتدرين وحدهم. 

 

لقاح السل قيد التجربة

بدورهم، يتجه باحثون آخرون إلى النبش في دفاتر الماضي، حيث يستعد باحثون من أربع دول لإطلاق سلسلة تجارب سريرية ينتظرون أن تؤكد قدرات لقاح عمره نحو قرن كامل ضد داء السل في الوقاية من فيروس كورونا "المستجد". وكشف باحثون أن اللقاح المستخدم ضد السل وهو مرض بكتيري، قد يستطيع تعزيز مناعة الإنسان بشكل كبير حتى تصبح قادرة على محاربة فيروس "كورونا المستجد"،  أو أن اللقاح سيقي من الإصابة بالمرة. وسيجري تقديم هذه الجرعات التجريبية لأطباء وممرضين معرضين بشكل كبير للإصابة بالمرض التنفسي، فضلًا عن كبار السن الذين يشكلون أغلب المصابين والضحايا. 

وقد اختير لقاح السل بالذات لأن فيروس "كورونا المستجد" يلحق ضررًا بالجهاز التنفسي، أو يؤدي إلى إصابته بالتهاب الرئة في الحالات الأشد. ومن المرتقب أن يجري فريق علمي من هولندا أولى هذه التجارب خلال الأسبوع الحالي، وسيشمل ألف شخص ممن يعملون في الرعاية الصحية. 

وتساعد اللقاحات في العادة جسم الإنسان على التصدي لمرض محدد، من خلال مواجهة الأجسام المضادة المرتبطة بنوع واحد من الفيروسات. لكن اللقاح الذي سيخضع للتجربة في هولندا قد يقوي الجهاز المناعي أيضًا، ويجعله قادرًا على التصدي لأمراض أخرى غير السل. 

 

البلازما علاجًا

نمط ثالث من التجارب الواعدة انطلق. فقد بدأت نيويورك الاستعانة بأساليب علاجية تعود إلى الحرب العالمية الأولى، على أمل كسر شوكة الفيروس الصيني المنشأ، العالمي الانتشار. وتخطط المدينة لجمع البلازما من دم المتعافين من فيروس "كورونا المستجد"، وحقن السائل الغني بالأجسام المضادة في المرضى الذين ما زالوا يحاربون الفيروس، على أمل مكافحته. ويعود هذا النمط من العلاج، المعروف باسم "بلازما النقاهة"، لقرون خلت، حيث جرى استخدم خلال وباء الإنفلونزا عام 1918 في عصر قبل اللقاحات الحديثة والأدوية المضادة للفيروسات. ويقول الخبراء إن هذا العلاج قد يكون أفضل وسيلة لمكافحة المرض، في انتظار تطوير علاجات أكثر تعقيدًا، لكن الوصول إليها قد يستغرق أشهراً. وشهدت نيويورك ارتفاعًا حادًا في حالات الإصابة بالفيروس في الأيام الأخيرة، بحيث باتت من البؤر الرئيسية للمرض في العالم. وتقدر الولاية حاجتها إلى ما يربو على أربعين ألف سرير في غرف العناية الفائقة لمواجهة موجة غير مسبوقة من المرضى قد تنجم عن تفشي المرض في الأيام العشرة القادمة. وكشف مسؤولون صحيون في نيويورك عن الحاجة إلى إنفاق أكثر من مليار دولار لشراء أجهزة التنفس الخاصة بالعلاج. 

سرعة تفشي المرض في نيويورك دفعت إلى فرض الحجر الصحي على كامل المدينة، وظهر نجوم وممثلون معروفون مثل روبرت دو نيرو وداني دو فيتو وبين ستيلر في رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي تحث المواطنين على التزام بيوتهم. 

وتعود طريقة العلاج المقترحة في نيويورك بشكل أساسي على تجميع الأجسام المضادة لمكافحة الفيروسات من دم المرضى المصابين سابقًا إلى أكثر من قرن، لكنها لم تستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة منذ عقود. ومنحت هيئة الغذاء والدواء الأميركية صباح اليوم الأربعاء موافقتها على بدء تجربة البلازما في الأيام المقبلة، وأشار مفوض الهيئة ستيفن هان، في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، إلى أن النتائج قد تكون واعدة. 

لكن هذا العلاج قد لا يخلو من المخاطر، فهناك خطر في إعطاء المريض نوعًا خاطئًا من الدم أو نقل مسببات الأمراض الأخرى عن غير قصد في عملية نقل الدم، لكن هذه الأخطار جائزة في كل عمليات نقل الدم.