لبنان: كورونا يُسقِط "السياحة" بالضربة القاضية!

  • 2020-04-09
  • 17:10

لبنان: كورونا يُسقِط "السياحة" بالضربة القاضية!

كارثة خسائر ووزارة السياحة تحاول إسعاف القطاع بـ "خطة إنقاذ"

  • زينة أبو زكي

 

لم تعد كلمة أزمة تفي بوصف الكارثة التي حلت بقطاع السياحة في لبنان الذي لم يكن ينقصه إلا فيروس كورونا ليقضي على ما تبقى من آمال في إعادة النهوض بقطاع يعانى الأمرين منذ سنوات، فمعاناة القطاع بدأت منذ العام 2011 مع اندلاع الأحداث في سوريا وتداعياتها التي أصابت لبنان في كل قطاعاته، علماً أن مساهمته في الناتج المحلي بلغت ما بين العامين 2008 و2009 نحو 8.5 مليارات دولار وانخفضت إلى 4.5 مليارات دولار في العام 2018. ومع اندلاع المظاهرات الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما تبعها من معوقات مصرفية ومالية، شهد القطاع إقفال وإفلاس بعض مؤسساته وصرف عمال وتكبّد خسائر كبيرة ليأتي كورونا ويدخل القطاع إلى العناية الفائقة؟

يعيد وزير السياحة والشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية أسباب معاناة القطاع إلى مجموعة عوامل أهمها، تأثر لبنان بمحيطه الجغرافي الأمر الذي ينعكس على القطاع السياحي فيه، ويضيف لـ "اوّلاً-الاقتصاد والاعمال" أن "القطاع تأثر سلباً نتيجة الاحتجاجات التي شهدها البلد في 17 تشرين الأول من العام الماضي، علماً أن الأرقام أظهرت أعلى عدد للسياح الوافدين منذ العام 2010، ومن بعدها أتت أزمة كورونا التي طوقت القطاع بقبضة من حديد وشلته بالكامل".

أزمة غير مسبوقة

ويلتقي نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر مع وزير السياحة حول القطاع، الذي يمّر في أزمة ليست ككل الأزمات السابقة، مؤكداً لـ "أولاً – الاقتصاد والأعمال" أن الوضع في الأساس لم يكن مزدهراً، فالقطاع شهد تحسناً مقارنةً مع 2014 و2015، ولكن بالمقارنة مع وضع السياحة العام 2009 و2010 وقسم من العام 2011 سجل القطاع تراجعاً في المداخيل السياحية بلغت نسبته 40 في المئة، يضاف إليها زيادة المصاريف ما بين 5 و7 في المئة نتيجة التضخم. ويضيف الأشقر "قبل الثورة وكورونا لم يكن وضعنا مثالياً والسبب الأساسي عدم مجيء السائح العربي والخليجي الذي يتميز بطول مدة الإقامة والأكثر تردداً على مدار السنة والأعلى انفاقاً، موضحاً أن هذا السائح لم يعد يقصد لبنان لأسباب سياسية معروفة. ومع اندلاع الثورة انخفضت نسب الإشغال إلى 10 في المئة وفي أفضل الأحوال 25 في المئة إذا صودف هناك مؤتمر أو اجتماع إحدى الجمعيات غير الحكومية غير إنه في الوقت نفسه كانت الأسعار تتدنى بسبب المضاربة والمنافسة. فعندما كان يحقق الفندق على سبيل المثال 35 في المئة بنسب الإشغال كان ينخفض مدخوله بنسبة تتراوح ما بين 20 إلى 25 في المئة ولكن في الأيام العادية كانت نسب الإشغال تتراوح ما بين 7 و13 في المئة. أما في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقد تكبدنا خسائر فادحة لأننا كنا لا نزال ندفع الرواتب والكهرباء والمولد وكل المصاريف التي نتحمل أعباءها، ليأتي كورونا ويقضي على ما تبقى حيث بلغت مداخيلنا صفراً. فبدأت الفنادق بالإقفال ومنها فندق الحبتور، البريستول ومونرو وذلك من أجل المحافظة على صحة الموظفين والحد من الخسائر، ويلفت الأشقر الانتباه إلى أن القطاع بمعظمه يحاول المحافظة على موظفيه ولكن وصلنا إلى مكان لم تعد لدينا مداخيل لأن المصارف اوقفت السحوبات والتسليفات والدولة غير قادرة على المساعدة. ويتساءل الأشقر إذا كانت الدولة عاجزة عن الدفع إلى المستشفيات والمقاولين والفنادق والقروض الخارجية فكيف سنتمكن نحن من الدفع ومن أين؟ مضيفاً أن القطاع يعاني منذ العام 2011 وأنه منذ العام 2012 يخسر القسم الأكبر من الفنادق لذلك ليست لدينا احتياطات نقدية لنستمر.

وعن إمكانية استخدام الفندق للحجر الصحي، يؤكد الأشقر أنه لا مانع من ذلك، في حال استأجرت الدولة الفندق لكن الحديث عن مصادرة الفنادق هو أمر مرفوض تماماً لأن الفندق لديه مالك وضع استثماراً في هذا البلد ولديه حقوق.

15 ألفاً خسروا وظائفهم

وعن فرص العمل في القطاع يقول الأشقر يبلغ عدد المسجلين في الضمان الاجتماعي من العاملين في القطاع نحو 150 ألف موظف. هذا فضلاً عن الموسميين حيث يتم استخدام نحو 25 ألف موظف خلال الصيف وهم معظمهم من طلاب الجامعات الذين ينفقون على أقساط جامعاتهم ومصاريفهم.

ويؤكد الأشقر أن القطاع أفلس والمصارف قضت على ما تبقى بحيث ان أصحاب المشاريع خسروا استثماراتهم وأملاكهم المرهونة أصلاً للمصارف، موضحاً أنه منذ العام الماضي وإلى اليوم تمّ إقفال 1250 مطعماً إضافة إلى عدد من الشقق المفروشة والفنادق أي أن ما يقارب 1500 مؤسسة أقفلت أبوابها والقسم الأكبر منها أفلس ويقدر عدد المصروفين من هذه المؤسسات بنحو 15000 موظف.

مشكلات قبل زمن كورونا

لا يختلف رأي نقيب اصحاب وكالات السياحة والسفر جان عبود عن نقيب أصحاب الفنادق، الذي يؤكد ان أعمال وكالات السياحة والسفر سجلت منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى تاريخ إقفال المطار تراجعاً في أعمالها بلغت نسبته 60 في المئة، موضحاً أن مبيعات الوكالات كانت قد سجلت  في السوق المحلية قبل هذه الفترة 709 ملايين دولار بحدود 60 مليون دولار شهرياً، في حين أن القطاع بشقيه تذاكر السفر والسياحة الصادرة تقدر مبيعاته بنحو مليار دولار سنوياً، ولكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية  ومع الصعوبات المالية والقيود التي وضعها المصرف المركزي تراجعت المبيعات ما بين 60 و70 في المئة حيث أوقفت بعض الشركات نظام البيع الخاص بها عبر وكالات السياحة والسفر لأنه لم يعد باستطاعتنا تحويل الأموال لها. ومع إقفال المطار نتيجة تداعيات تفشي فيروس كورونا وحتى اليوم فإن نسبة مبيعاتنا سلبية وذلك نتيجة استرداد الزبائن لقيمة البطاقات التي تم بيعها منذ أربعة أشهر في حين أنه لا يمكننا أن نسترد ثمن البطاقات من الشركات، أولاً لأنها علّقت عملياتها مع إقفال المطارات، وثانياً لأن النظام الذي كنا نستخدمه لاسترداد قيمة البطاقة التي تحسم تلقائياً من فواتيرنا الشهرية أيضاً أوقف، فما حصل معنا كارثة حقيقية فنحن اليوم لا نبيع أبداً وعلينا أن نرد قيمة البطاقات للزبون ولا نحصل على شيء في المقابل، والأسوأ ، يضيف عبود، هو أن المشكلة ليست محصورة  بأشهر معدودة، إذ يعتقد أنها ستمتد حتى نهاية العام.

وعن الخسائر يقول عبود: "لا يمكنني تحديد الخسائر لقد دفعنا نصف راتب عن شهرآذار/مارس الماضي ولكن ماذا عن الأشهر المقبلة؟"، مؤكداً أن القطاع لن يستعيد عافيته لأن انحسار الوباء لن يحصل في شهر وشهرين، هذا فضلاً عن الضائقة المالية عند اللبنانيين تحديداً والقيود التي تضعها المصارف، كما إن الناس لن تجرأ على السفر في القريب العاجل وأن الوجهات التي يسافرون إليها عادةً معظمها موبوء.

ويتابع عبود: "مشكلتنا ليست فقط بسبب كورونا بل بدأت مع وقف التحويلات المالية ما أثر على علاقتنا وأعمالنا مع شركائنا في الخارج، فنحن نعاني منذ شهور ثم جاء كورونا ليقضي على ما تبقى"، متوقعاً أن تلجأ شركات عدة في القطاع إلى إعلان إفلاسها إذا لم تحصل على الدعم اللازم، مشيراً إلى أنها لن تصمد أكثر من أيار/مايو فالاحتياطات النقدية شارفت على النفاذ، ووكالات السياحة والسفر على الطريق نفسها، فالقطاع السياحي برمته معرض للإفلاس بما فيه الفنادق ووكالات السياحة والسفر والمطاعم مصيرها واحد، كما إن هناك فنادق أعطت موظفيها شهري نيسان/ابريل وأيار/مايو إجازات غير مدفوعة، ويضيف: "سنحاول المحافظة على موظفينا ولكن قدراتنا لا تحتمل تغطية مصاريف من دون مدخول".

ماذا عن الحلول؟

لا يختلف وزير السياحة مع النقيبين على أن القطاع السياحي في لبنان يعيش واحدة من أعقد أزماته، وذلك في ظل غياب التوقعات الحاسمة حول المصير الذي ستنتهي إليه أزمة كورونا، وفي هذا السياق يؤكد الأشقر أنه "لا يمكننا وضع جدول مطالب قبل أن نعرف ماذا سيحدث ومتى ستنتهي الأزمة، فمطالبنا معروفة أن يوقفوا الضرائب وذلك مستحيل لأننا في بلد مفلس، وأي مطلب من هذا النوع سيكون غير منطقي. ويختم: "أتروى في رفع المطالب لنر كيف ستحل الدولة مشكلة ديونها، ففي حال تلقى البلد مساعدات ومنح لهذا يمكنني أن أطالب بجزء منها للقطاع وفي حال لم يأت شيئاً وأفلست الدولة لا داعي لأي طلب".

وإذ يوضح عبّود أنهم لاقوا كنقابة، قبل أزمة كورونا، تجاوباً كبيراً من وزير السياحة " الذي أخذ بمطالبنا ووضع مشاكلنا عند رئاسة الحكومة ومصرف لبنان"، يشدد على أن المطلوب من الدولة النظر بالإعفاءات الضريبية ومصاريف البلدية واشتراكات الضمان وإعادة جدولة الديون من دون فوائد، لدعم صمود القطاع، هذا في حال تمكنت الدولة من المساعدة في ظل أوضاعها المالية الحالية".

خطة انقاذ

وبين النقيبين يبدو وزير السياحة واثقاً بأن لا يزال هناك أمل في القطاع، لذا، يعمل مع فريق عمله على خطة إنقاذ لمرحلة ما بعد كورونا من خلال تفعيل الانماط السياحية كافة ومنها، السياحة الداخلية من خلال حزم بأسعار مقبولة للمواطن اللبناني، والسياحة الطبية التي تعمل الوزارة على وضع أسس لتسهيلها للسائح من لحظة الوصول حتى المغادرة، والسياحة الدينية والثقافية التي تجذب هواة الاطلاع على تاريخ البلدان، والسياحة الترفيهية بما فيها من برامج المغامرة والتعرف على جمال الطبيعة واستكشاف المواقع المتنوعة في البلد. كذلك، تعمل وزارة السياحة بشكل منظَم ومدروس على برنامج ترويجي لهوية لبنان السياحية على تنوع مصادرها وتستثمر الوقت الحالي في وضع الخطط للانطلاق بها بعد الانتهاء من الفيروس الذي يجتاح العالم، بالتوازي مع مبادرات التعاون مع دول الجوار لترشيق الحركة السياحية وضخ الأموال في البلد.

ويخلص مشرفية: "عملنا منذ تسلمنا الوزارة بشكل أساسي على تخفيف الضغوط المالية على المؤسسات السياحية وأصحابها ومساعدتهم عبر الإعفاءات من الغرامات المالية وتسهيل دفع القروض المستحقة ومنح فترة سماح لا تقل عن 6 أشهر، من خلال مقترح معجل بمفعول فوري إلى حاكم مصرف لبنان. هذا بالإضافة إلى تمديد مدة استخدام السيارات السياحية لمدة 5 سنوات عوضاً عن 3 سنوات وإعفاء شركات تأجير السيارات من رسوم السير السنوية وغيرها من التسهيلات التي تساعد على صمود المؤسسات السياحية في هذه الأزمة الاقتصادية".