شركات الطيران في ظل كورونا: البقاء للأقوى

  • 2020-04-05
  • 14:08

شركات الطيران في ظل كورونا: البقاء للأقوى

الحكومات تخصص مليارات الدولارات في محاولات لإنقاذ القطاع

  • زينة أبو زكي

تخوض شركات الطيران في مختلف دول العالم صراع البقاء في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد، وإقفال المطارات وبقاء آلاف الطائرات فيها. ومن المعروف أن نفقات شركات الطيران عالية جداً وأن احتياطاتها المالية، إن وجدت، لن تصمد كثيراً، فتقليص عدد الرحلات بنسبة 90 في المئة في معظم شركات الطيران مع التركيز على عمليات الشحن لم تكن كافية للحدّ من الخسائر التي قدّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن تصل إلى 252 مليار دولار.

في ظل هذا الواقع، تعالت مناشدات شركات الطيران متوجهة إلى حكوماتها بتقديم الدعم منذ الأيام الأولى لحظر السفر، ويبدو أن الحكومات التي ترزح بدورها تحت ثقل الكارثة لم يعد أمامها خيار سوى تقديم الدعم وانقاذ ما تبقى من قطاعاتها الاقتصادية.

الولايات المتحدة: 58 ملياراً لدعم شركات الطيران

الولايات المتحدة الأميركية كانت أول من لبّى النداء لدعم قطاع الطيران، إذ أقرّ الكونغرس حزمة الإنقاذ الاقتصادية أو خطة "الإنعاش الطارئة"، والتي خصّت القطاع بـ 58 مليار دولار، 50  ملياراً منها لشركات الطيران المدني موزّعة مناصفة بين مِنَح وقروض، والأمر نفسه ينطبق على شركات الشحن الجوي التي ستحصل على ثمانية مليارات دولار.

ويوفّر قطاع الطيران التجاري في الولايات المتحدة الأميركية 11.5 مليون وظيفة، إضافة إلى 10 ملايين وظيفة غير مباشرة ترتبط بخدمات قطاع الطيران، ويواجه العاملون في القطاع ضغوطاً ربما تستمر شهوراً، لذا خُصصت 50 في المئة من المساعدات الحكومية لتغطية نفقات العاملين في القطاع.

وتدخل العديد من الدول بالفعل لمساعدة شركات الطيران، إذ أعلنت سنغافورة وأستراليا دعمهما للطيران لتخفيف قواعد المنافسة. وذكرت الخطوط الجوية السنغافورية أنها ستدفع المستثمرين الحاليين إلى ضخ نحو 15 مليار دولار سنغافوري (10.5 مليارات دولار) من خلال بيع الأسهم والسندات القابلة للتحويل لتعويض الصدمة التي تلحق بأعمالها من تفشي الفيروس المستجد، كما رتبت قرضاً بقيمة 4 مليارات دولار سنغافوري.

وفي الوقت الذي اجتمع فيه قادة مجموعة الدول العشرين في قمة عبر الفيديو، طلب اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) من الحكومات توفير أو تسهيل الدعم المالي لشركات النقل الرئيسية التي تمثلها.

الشركات الأوروبية: بين الدعم والإفلاس

من المتوقع أن تبلغ خسائر قطاع الطيران الأوروبي 76 مليار دولار للعام 2020، وتوفر هذه الشركات 2.6 مليون وظيفة مباشرة و12.2 مليون وظيفة غير مباشرة، إلا أن هذه الشركات لا يمكنها أن تتوقع الحصول على دعم بسهولة في ظل قيود المفوضية الأوروبية التي هي في الأصل، لا تحبّذ استثمار الحكومات في شركات الطيران.

وفي حين تسعى الحكومات إلى الإبقاء على شركات الطيران الوطنية، إلا أن الهيئات الناظمة في الإتحاد الأوروبي ستفرض شروطاً صارمة لضمان اتخاذ إجراءات تتماشى مع معايير السوق، وقبل الأزمة الحالية كان العديد من شركات الطيران الأوروبية يعاني من أزماته الخاصة منها ما يتعلق بالدعم الحكومي غير المبرر وأخرى بالهواجس البيئية ومقاطعة الجماعات المناصرة للبيئة له في أسواق شديدة المنافسة.

 

 

المفوضية الأوروبية: الدعم المشروط

واليوم مع انتشار كوفيد – 19 فالمعادلة لم تتغير كثيراً، إذ ستكون هناك عمليات إنقاذ ودعم مدورس، مع التوجه نحو "غربلة" السوق من خلال بيع بعض الشركات أو دمجها أو  ترك البعض الآخر ليواجه الإفلاس.

وتدرك الهيئات الناظمة في الإتحاد الأوروبي أهمية الاعتدال والمرونة في مقاربة هذا الموضوع، لذلك أعلن وزراء النقل الأوروبيين الذين ناقشوا تداعيات الأزمة الحالية عن توجه لدعم القطاع ليس بأي ثمن. وقال الوزير الكرواتي أوليغ بوتكوفيش الذي ترأس المحادثات:"نحتاج إلى إعطاء الشركات الهوامش المالية التي تحتاجها للبقاء على قيد الحياة، ولكن على أن تكون الحلول شاملة وعادلة للجميع".

وتعاني شركات الطيران من مشاكل جمة قبل أزمة كورونا، فعلى سبيل المثال، لم تتمكن شركة Alitalia من تحقيق أرباح منذ العام 1998 وتجسّد حالتها الأزمة الشبه الدائمة للمفوضية الأوروبية في سعيها لإيجاد الحل للشركة التي تعتبر رمزاً وطنياً في إيطاليا.

وتجول شركة TAP Air البرتغالية منذ سنوات في منطقة الخطر حيث تمتلك الحكومة حصة كبيرة فيها، ومن بين الشركات الأخرى التي أصبحت في ذاكرة التاريخ الحديث Air Berlin وMonarch و Thomas Cook و Flybe ، ولكن تفشي كوفيد – 19 وضع حتى الشركات السليمة في وضع صعب حيث يطالب معظم الشركات بما فيها Air France – KLM و Virgin Atlantic وFin Air حكوماتها بتقديم المساعدة، ومع ذلك، فإن البعض الآخر لم يفعل ذلك، وأعلنت IAG التي تملك الخطوط الجوية البريطانية وايبيريا أنها قد لا تحتاج إلى دعم حكومي ولديها 7.5 مليارات دولار نقداً وخط ائتمان، كما إنها أبرمت صفقة لخفض رواتب الطيارين بنسبة 50 في المئة.

وتمتلك Rayan Air  إحتياطات نقدية بقيمة 4 مليارات يورو، بينما لدى Easy Jet 1.6 مليار يورو في البنك والطائرات لتقديمها كضمانات. وقالت Lufthansa إنها لن تحتاج إلى خطة إنقاذ لكنها حذّرت من "ظروف السوق غير العادلة".

البقاء للأقوى

ومن المتوقع أن تقود شركات الطيران السليمة معارضة قوية لأي دعم حكومي سخي لمنافسها الأضعف، كما فعلت في وقت مبكر من العام الحالي عندما كانت تصدت لمحاولة الحكومة البريطانية لدعم شركة Flybe، ما أدى إلى إفلاس الشركة أخيراً.

وتكمن الصعوبة التي تواجهها الحكومات والمفوضية الأوروبية في تحديد شركات الطيران التي ستبقى قابلة للإستمرار مع انتهاء هذه الأزمة، وسيكون عليهم تكييف حزم الإنقاذ الخاصة بالشركات وفقاً لذلك.

وتتمتع شركات الطيران في أوروبا بخصوصية استمرار ارتباط الحكومات بشركات النقل الوطنية مثل British Airways  و Air France وكان ذلك تقليداً درجت عليه الحكومات وهذه المرة لايبدو أنها ستتخلف عن ذلك.

دعم الشركات الوطنية حتى التأميم  

بدورها، تتجه إيطاليا إلى إعادة تأميم شركة Alitalia، وفي الوقت عينه تلقت شركة Air France – KLM بالفعل وعوداً بالدعم من وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الذي تشاور مع الحكومة الهولندية حول كيفية حماية شركة الطيران، إذ  تمتلك الحكومتان حصة تبلغ نحو 14 في المئة، وقد أبدى الوزير الفرنسي استعداد حكومة بلاده لاتخاذ أي  خطوة من شأنها حفظ هذا الإرث الوطني العريق.

على أي حال، أوضحت المفوضية الأوروبية أن شركات الطيران سيكون لها الحق في الحصول على مساعدات طارئة، كما يمكن للدول أن تقدم المنح وتدعم القروض للخروج من الأزمة، ايضاً سيتم النظر ببعض الإجراءات المتعلقة بحقوق الطيران حيث علقت اللجنة بالفعل قواعد "استخدمها أو تخسرها" لمدة أربعة أشهر والتي تفرض على شركات الطيران استخدام أماكن الهبوط في المطار أو المخاطرة بالتخلي عنها للمنافسين، لكن الأزمة سوف تؤدي أيضاً إلى تفاقم الفشل العميق في بعض شركات النقل في أوروبا، إذ لن تتم الموافقة على دعم الدولة لهذا النوع من المشكلات.

 

 

دعم الشركات العربية: دبي السبّاقة

جدّد الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا" دعوته لحكومات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى التدخل العاجل لمساعدة شركات الطيران، مشيراً إلى التوقعات الصادرة عنه، والتي تظهر انخفاض إيرادات الشركات إلى 23 مليار دولار (19 ملياراً في الشرق الأوسط، و4 مليارات في أفريقيا).

وتوقع الأمين العام للإتحاد العربي للنقل الجوي عبد الوهاب تفاحة ان تدعم الحكومات العربية القطاع في نهاية المطاف وإعادة النظر ببعض الأولويات  لتنشيط الدورة الاقتصادية، فالكثير من الحكومات العربية يعتمد على السياحة كمساهم رئيسي في النمو الاقتصادي وإيجاد فرص عمل، ويساهم قطاع النقل الجوي والقطاعات المعتمدة عليه كالسياحة في العالم العربي بنحو 8.7 في المئة من الناتج القومي، كما يساهم بتوظيف نحو 7 في المئة من اليد العاملة، لذلك من الضروري أن تبادر الدول العربية إلى دعم هذا القطاع.

وكانت حكومة دبي أول من بادر إلى تقديم الدعم إلى طيران الإمارات، حيث أكّد ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم دعم حكومة دبي الكامل لطيران الإمارات في هذا الظرف الاستثنائي من خلال ضخ رأس مال جديد، وذلك انطلاقاً من التزام الحكومة تجاه الناقلة الوطنية.

ويبدو أن باقي الحكومات ستتبع المسار نفسه، وذلك لأهمية المحافظة على شركات الطيران لما لها من دور حيوي في الاقتصاد وهي الداعم الرئيسي لباقي القطاعات الانتاجية ولاسيما السياحة، كما إنها جسر العبور الأساسي نحو العالم.