كيف تحوّل التنافس على لقاح كورونا إلى صراع استراتيجي؟

  • 2020-03-25
  • 19:19

كيف تحوّل التنافس على لقاح كورونا إلى صراع استراتيجي؟

اللقاح الناجع سيكسب سوقاً بـ 7.7 مليارات مستهلك

  • رشيد حسن

بينما ينتظر ملايين الناس في العالم التوصل إلى إيجاد لقاح فعال لفيروس الكورونا تدور خلف الستار منافسة حادة حول أي من الدول المتقدمة ستكون الأولى في اكتشاف اللقاح الناجع، بل إن الجهود المحمومة للعثور على الترياق الشافي من الفيروس المميت باتت أشبه بـ "سباق تسلّح" زجت الحكومات الكبرى في خضمه بأفضل علمائها وجامعاتها ومختبراتها.


أولوية ترامب قطع الطريق على الصين

وإحباط قيام "هواوي" في المجالات الدوائية

 

ولا عجب في أن تتطور الأمور إلى هذا الحد لأن وباء الكورونا هو أكبر وباء يصيب البشرية في آن واحد وفي وقت قصير في العصر الحديث، وأي لقاح يتم اعتماده سيكون مطلوباً لتلقيح مليارات البشر صغاراً وكباراً في مختلف بلدان الأرض. الشركات الناجحة في تطوير الفيروس ستحقق أرباحاً مالية لكن الدولة التي تحقق السبق في تطوير اللقاح ستحقق مكاسب معنوية وسياسية كبيرة خصوصاً لأن هذا السبق سيسمح بإعطاء الأفضلية في استخدام الدفعات الأولى من العلاج لمواطنيها على حساب بقية الدول، وهذا لأن انتشار الوباء يخلق طلباً هائلاً لا يمكن للشركات الصانعة تلبيته منذ الأسابيع الأولى، فتقوم عندئذ وبضغط من الحكومة بتفضيل السوق المحلية أولاً. وقد حصل هذا بالفعل في العام 2009 عندما نجحت شركة أسترالية في تطوير لقاح لفيروس H1N1 في ذروة انتشاره الوبائي في العالم، ففرضت السلطات الاسترالية على الشركة توفير كميات كافية للسوق المحلية قبل البدء بتوريد كميات منه إلى الخارج. وقد أثار موقف الشركة (والحكومة الأسترالية) احتجاجات دولية انذاك.

من العولمة إلى الحمائية

وعلى الرغم من وجود معدل جيد من التعاون بين الشركات الصانعة فإن التوترات التي كانت قائمة في المجال التجاري والسياسي بين إدارة الرئيس ترامب وبين كل من الصين والدول الأوروبية وروسيا وغيرها تُلقي الآن بظلالها على الجهود الدولية المشتركة لإنتاج المضاد الناجح للفيروس. فالجائزة الكبيرة المنتظرة حفّزت مشاعر المنافسة و"المصالح الوطنية" بين الدول الكبيرة المتقدمة في المجال الدوائي والبحثي وهي ألمانيا وفرنسا والصين والولايات المتحدة. وما بدأ كسباق تجاري بين شركات تحول بعد مدة قصيرة إلى موضوع أوسع يتعلق بالأمن القومي، وهناك تجارب مخبرية مكثفة على أكثر من 20 لقاحاً تتم حالياً في الولايات المتحدة والصين ودول أوروبية.

أسرار الدولة

ومن الواضح أن وباء الكورونا فتح أعين الدول الكبرى في العالم على الأهمية الاستراتيجية للصناعة البيوكيماوية في الصراع الأوسع لكسب النفوذ والمكانة في العالم، وبات من الممكن عقد المقارنة بين حرص هذه الدول على تحقيق أسبقية في الصناعة البيوكيماوية وبين سعي الدول نفسها لتطوير تقنيات الطيران والفضاء، مثل الطائرات المسيّرة عن بعد Drones أو مقاتلات "الشبح" Stealth أو الأسلحة السيبرانية أو غيرها والقاعدة الأساسية في كل هذه المجالات أنها باتت ضمن أسرار الدولة.

وقد أظهرت إدارة الرئيس الأميركي ترامب حساسية كبيرة لهذا الموضوع من خلال حملة منهجية يقودها الأخير منذ انتخابه لاستئصال التسلل الصيني إلى المؤسسات العلمية والجامعات والمختبرات الأميركية والذي يتم الكثير منه عبر علماء صينيين درسوا في الولايات المتحدة وحصلوا على الجنسية الأميركية. وعلى سبيل المثال، فقد حظر ترامب على المؤسسات والصناديق الاستثمارية الصينية الاستثمار في شركات "سيليكون فالي" وكشفت أجهزة الأمن الأميركية في مطلع السنة ما اعتبرته شبكات عدة للتجسس الصناعي او العلمي وتم في حملة واحدة إحباط 180 حالة لتسريب معلومات ووثائق علمية من المختبرات الأميركية إلى الصين. 

مخاوف واشنطن

وتتخوف الولايات المتحدة من أن تتمكن الصين من تحقيق اختراقات تكنولوجية في مجال مقاومة الأوبئة والصناعة البيوكيماوية ما يستعيد نجاحها الكبير في مجال تقنيات الاتصالات عبر شركة "هواوي" والتي سعت بيجين بسرعة إلى توظيفه لكسب مواطئ قدم وقواعد في الأسواق الغربية والأسواق العالمية، وذلك انطلاقاً من فعالية النظام وأسعاره التنافسية، إذ قد تقوم الصين باستثمار أي نجاح تحققه في تطوير لقاح مضاد للكورونا ليس في المجال التجاري فحسب بل في مجال توسيع النفوذ السياسي عبر اتفاقات تعاون أو تقديم مساعدات أو الاستثمار الدوائي في بلدان عدة خصوصاً النامية.

وفي موازاة النهج الحمائي الذي دشنه الرئيس ترامب فقد حصل وبطلب من الإدارة الأميركية الجديدة تبدل كبير في موقف الولايات المتحدة (والدول الغربية) والتي باتت تعارض قيام الشركات الدوائية أو البيوكيماوية الأميركية أو الأوروبية بتلزيم تصنيع منتجاتها لمصانع في الصين أو في الهند بهدف خفض التكلفة، وبات التفضيل الموصى به من الحكومات هو الإبقاء على هذه الصناعات في البلد وبالقرب من السوق الذي قد يحتاج إلى منتجاتها.