استراتيجية السعودية الطويلة الأمد لإنهاض العراق وتعزيز التكامل الاقتصادي

  • 2023-05-30
  • 10:33

استراتيجية السعودية الطويلة الأمد لإنهاض العراق وتعزيز التكامل الاقتصادي

خلفيات تفعيل الشراكة الشاملة بين البلدين

  • رشيد حسن

مثلت اجتماعات الدورة الخامسة لمجلس التنسيق السعودي العراقي في جدة منعطفاً مهماً في مسار التعاون المتنامي بين البلدين، وظهر ذلك في مستوى وحجم الوفود المشاركة من الجانبين كما في النطاق الواسع للاتفاقات ومبادرات الشراكة التي تم التوصل اليها، وأخيراً في الاهتمام غير المسبوق بآليات المتابعة والتي تستهدف ترجمة هذه الاتفاقات بتقدم حقيقي على الأرض.

 

قد يهمك:

رشا عثمان: "المركز" يبتكر أدوات استثمارية جديدة

     

     

    ويظهر البيان الختامي لاجتماعات جدة، النطاق الكبير للتعاون السعودي العراقي وشموله وتوزعه عبر لجان سياسية وأمنية واقتصادية ومالية، كما يظهر حجم التقدم الذي يتم إحرازه في عدد من المجالات ذات الأولوية مثل التجارة البينية والقطاع المالي والاستثمار. ويمكن تلخيص اهم المجالات التي شهدت تقدماً فعلياً في التعاون بين البلدين بالتالي:

    1. إطلاق شركة الاستثمار السعودية العراقية التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي والتي ستباشر بالتنسيق مع الجانب العراقي استكشاف فرص الاستثمار وإطلاق المشاريع المشتركة.
    2. ترقية التعاون في القطاع المالي عبر الاستعداد لإطلاق البنك العربي-العراق الذي يساهم فيه البنك العربي الوطني بحصة 20 في المئة ليكون بمثابة محرك اساسي للنمو المتوقع في المبادلات التجارية السعودية العراقية، كما اتفق الجانبان السعودي والعراقي على أن يسهم فرع البنك الأهلي العراقي في السعودية بتسهيل عملية التجارة البينية بين البلدين وكذلك فرع المصرف العراقي للتجارة حين بدء أعماله. ويذكر أن صندوق الاستثمارات العامة اشترى في العام الماضي حصة في كابيتال بنك الأردني الذي يملك حصة الأغلبية في البنك الاهلي العراقي.
    3. تم تحقيق تقدم ملموس في مجال تطوير التجارة البينية بين البلدين والتي وصل حجمها الى حدود 1.5 مليار دولار العام الماضي وذلك من خلال تفعيل معبر عرعر الحدودي والتوجه لافتتاح معبر جميمة الحدودي والتخطيط لإنشاء مناطق اقتصادية بين البلدين توفر إطاراً للاستثمارات والشراكات الاستراتيجية. ويمكن للسعودية تصدير مروحة كبيرة من المنتجات السعودية إلى العراق وبالتالي زيادة المبادلات التجارية بصورة كبيرة عن ما هي عليه الآن.
    4. جرى الاتفاق على تطوير حركة النقل والخدمات اللوجيستية بين البلدين، وتسهيل الانتقال عبر المنافذ البرية والجوية والبحرية وإجراءات السفر ونقل البضائع بين البلدين، علماً أنه تم استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين. 
    5. تلعب الملحقية التجارية السعودية ومركز الشركات السعودية في بغداد دوراً فاعلاً في تنمية التجارة البينية بين البلدين والاستثمارات من خلال تمكين الشركات السعودية من فتح فروع لها في العراق وتسهيل الوصول إلى الفرص والمشاريع استثمارية. ويعتمد العراق حالياً وبقوة على الواردات الغذائية الإيرانية في وقت يمكن للسعودية عبر صيغة الشراكات مساعدة العراق الذي يمتلك مساحات زراعية كبيرة غير مستغلة على تحقيق نسبة مرضية من الاكتفاء الذاتي بمصادر الغذاء الأساسية.
    6. الربط الكهربائي من أهم المشاريع التي يتم العمل عليها في المدى القريب مشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق بطاقة 1000 ميغاواط، علماً أن العراق يستورد هذه الكمية من الطاقة سنوياً من إيران.
    7. دور متوقع لـ "أرامكو": تتطلع السعودية إلى استخدام الخبرات الضخمة لشركة أرامكو السعودية للتعاون مع العراق في مجال تطوير القطاع النفطي وربما مساعدة العراق على تطوير عمليات احتجاز النفط المرافق وتحويله إلى ثروة حقيقية للاقتصاد بينما هو يحرق الآن من دون أي جدوى. كما تتطلع إلى فرص الاستثمار في الغاز الطبيعي الذي يمتلك العراق منه احتياطات ضخمة. ويحتاج العراق أيضاً إلى تطوير صناعة البتروكيماويات والمنتجات الأخرى الضرورية للاقتصاد، كما يحتاج إلى إطلاق خطة جادة لتطوير الصناعات المتصلة بالقطاع النفطي مثل الصناعات الأساسية التي تمتلك السعودية خبرة طويلة في تطويرها.
    8. التعاون النفطي: تضمنت نتائج اللقاءات التنسيقية في جدة موضوع تنسيق السياسة النفطية بين السعودية والعراق وكان لافتاً تأكيد الجانب العراقي على الدعم التام لمجموعة أوبك+ التي تقودها السعودية بالتعاون مع روسيا وبقية المنتجين المستقلين، كما تضمن البيان المشترك السعودي العراقي إشارة غير مباشرة إلى الانفراج في العلاقات السعودية الإيرانية وذلك من خلال التأكيد على "ضرورة إبعاد المنطقة عن التوترات والسعي لإرساء الأمن المستدام".
    9.  

    خلاصة: بين الطموح والواقع

     

    من نافل القول إن المملكة العربية السعودية تضع في رأس أهدافها مساعدة العراق على الخروج من الدوامة التي يدور فيها منذ الغزو الأميركي قبل 11 عاماً. وتملك السعودية حالياً أضخم اقتصاد عربي وأكثر اقتصادات المنطقة حيوية وقدرة على النمو والتكامل مع الفرص الهائلة المتوفرة في الدول المحيطة بها، كما تتمتع المملكة بقدرات مالية ضخمة تتمثل خصوصاً في صندوق الاستثمارات العامة الذي لا تنحصر أهميته فقط في قدراته المالية بل أصبحت في الخبرات الكبيرة التي اكتسبها في إدارة أكبر تجربة للنهضة الاقتصادية يشهدها العالم من عقود طويلة والتي يمكن للعراق أن يعول على بعض منها في خططه لاستعادة قوته ومكانته. وقد قام الصندوق في نوفمبر من العام الماضي بتأسيس شركة الاستثمار السعودية العراقية من ضمن مبادرة تضمنت إطلاق خمس شركات للاستثمارات المشتركة في كل من الأردن والبحرين والسودان والعراق وسلطنة عُمان وأعلن الصندوق يومها عن نيته استثمار نحو 24 مليار دولار عبر هذه الشركات في عمليات تملك أو استثمارات مشتركة أو جديدة في هذه الأسواق.

     

     

    يمكنك متابعة:

    "هواوي" في مؤتمر "موبايل 360 - أوراسيا": الأمن السيبراني مسؤولية عالمية مشتركة

       

      وتتابع المملكة بصبر ومنذ سنوات الوضع العراقي على أمل أن يؤدي أي تقدم فعلي في العملية السياسية وفي ترشيد الإدارات الحكومية والشفافية في المعاملات إلى فتح الفرص الاستثمارية وقنوات التعاون والتواصل الرسمية والشعبية مع العراق.

       

      استراتيجية المدى الطويل

       

      يعتبر الاجتماع الأخير للجنة التنسيق السعودية العراقية في جدة مؤشراً مهماً على توافر قناعة راسخة لدى البلدين بالتكامل الطبيعي بين مصالحهما الاقتصادية والتجارية والسياسية، وهذه القناعة هي ربما الأساس الذي يسير عليه قطار التعاون والتكامل السعودي العراقي، لأن السعودية باقتصادها القوي وقطاعها الخاص الضخم وخبراتها المتزايدة في التعامل مع الأسواق المختلفة تمثل الشريك الاستراتيجي الأول الذي يمكنه إنهاض العراق ورعاية العملية الطويلة الأمد لتعافي الدولة العراقية والفصل التدريجي بين مصالح الدولة والمجتمع وبين ضغوط المحاصصة السياسية.

       

       

      يمكن الإطلاع:

      وزير الصناعة السعودية يفتتح أعمال مشروع الخرائط الجيولوجية التفصيلية للدرع العربي

       

       

       

      وتعتمد السعودية استراتيجية النفس الطويل ورعاية سياسات مرنة ومبتكرة هدفها تطوير نواة القطاع الخاص العراقي وتعزيز دور القطاع المالي وزيادة حيز المشاريع المشتركة والاستثمارات الجديدة على أمل أن تنمو هذه النواة تدريجياً لتشكل قاعدة حقيقية للاقتصاد العراقي الجديد وعاملاً أساسياً في دفع عجلة الإصلاح والازدهار الاقتصادي.