العالم بين الطاقة الأحفورية والمتجددة لا يحتمل شائعة

2023-03-05
11:31

العالم بين الطاقة الأحفورية والمتجددة لا يحتمل شائعة

أحمد عياش

بعد مضي أسبوع على الذكرى الأولى لمرور عام على اندلاع حرب أوكرانيا، لم تكن هناك من ظروف مشابهة لتلك التي عرفها العالم في مثل هذه الأيام من العام الماضي. وبالعودة الى سجل الاحداث قبل سنة يتبيّن كيف كان العالم مشغولاً بتداعيات الحرب ومدى تأثيرها على أسواق الطاقة، ما أطلق العنان لكل مشاريع الطاقة، وذلك خارج الاهتمام ولو مؤقتاً بمخططات خفض الانبعاثات من مصادر الطاقة الاحفورية على أنواعها.

لكن اليوم، بدأت أسواق الطاقة تتلمس طريقها مجدداً الى ما كانت عليه سابقاً لجهة زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، مقابل خفض انتاج الطاقة الاحفورية. لكن الى أي مدى يمكن الذهاب في الاتجاه الأول؟

إقرأ أيضاً:

العام 2050 سيكون تاريخاً مشهوداً للطاقة النظيفة

الجواب المبكر على هذا السؤال ظهر في الثالث من آذار/مارس الحالي عندما تراجعت أسعار النفط في هذا اليوم، بعدما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الإمارات العربية المتحدة أجرت نقاشاً داخلياً بشأن مغادرة أوبك، وضخ المزيد من النفط، لكن هذه الأسعار تراجعت عن بعض الخسائر، بعد أن قال مصدر لـ "رويترز" إن النبأ حول الامارات غير صحيح. وأضاف المصدر الذي وصفته الوكالة بأنه على دراية مباشرة بالأمر أن التقرير الذي يفيد بأن الإمارات تدرس مغادرة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) "بعيد كل البعد عن الحقيقة"، علماً ان أسعار النفط تعززت أخيراً بفعل بيانات اقتصادية صينية قوية، ما عزز الآمال في نمو الطلب على النفط، لكن هذه المكاسب تلاشت بسبب ما وصف، بأنه شائعة احتمال خروج الامارات من اوبك.

ما خلفية الشائعة؟

هل من خلفية لقصة الشائعة هذه؟ في غياب جواب حاسم، قال المحلل في UBS جيوفاني ستاونوفو لـ "رويترز": "كان المحرك هو قصة وول ستريت جورنال، مع مخاوف من أن هذا قد يؤثر على صفقة (خفض) إنتاج أوبك +. الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هما الدولتان اللتان تتمتعان بطاقة فائضة كبيرة".

قد يهمك:

حدثان كبيران في عالم الطاقة : هل هناك من سيصرخ أولاً؟

في المقلب الآخر من الكرة الأرضية، تجاهل السوق على نطاق واسع الأسبوع العاشر على التوالي من بناء مخزون النفط الخام (USOILC = ECI) في الولايات المتحدة، حيث حققت الصادرات القياسية من الخام الأميركي زيادة أقل مما كانت عليه في الأسابيع الأخيرة. وفي الوقت نفسه، يتوقع محللون أن يضعف الدولار في الأشهر الـ 12 المقبلة، ما سيجعل النفط المقوم بالدولار أرخص لحاملي العملات الأخرى.

شركات الطاقة البديلة توسع دائرة التوظيف

في الصورة الكبيرة، سلطت النيويورك تايمز على جانب يبدو انه يقف وراء هذا التحرّك مجدداً لزيادة الاستثمارات في الطاقة البديلة حيث لفت تقرير أعدّه كليفورد كراوس الانتباه الى ان شركات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والبطاريات وغيرها من شركات الطاقة البديلة بدأت توظف عمالاً من شركات الوقود الأحفوري، حيث انخفضت فرص العمل. وجاء في التقرير: "سرّحت شركات النفط والغاز ما يقرب من 160،000 عامل في العام 2020، وحافظت على ميزانيات ضيقة ووظفت بحذر على مدار العامين الماضيين. لكن العديد من شركات الطاقة المتجددة توسعت بسرعة بعد أن تلاشت الصدمة المبكرة لوباء كورونا، ما أدى إلى اقتناص الجيولوجيين والمهندسين وغيرهم من العمال من أمثال "إكسون" و"شيفرون". ويقول المسؤولون التنفيذيون والعاملون في مراكز الطاقة في هيوستن ودالاس وأماكن أخرى إن تدفقات ثابتة من الناس تنتقل من الوقود الأحفوري إلى وظائف الطاقة المتجددة. من الصعب تتبع مثل هذه الحركات في إحصاءات التوظيف، لكن الأرقام الإجمالية تشير إلى أن مثل هذه التحركات المهنية أصبحت أكثر شيوعاً. لم تتعاف العمالة في مجال النفط والغاز والفحم إلى مستويات ما قبل الجائحة، لكن عدد الوظائف في مجال الطاقة المتجددة، بما في ذلك شركات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والبطاريات، آخذ في الارتفاع".

اهتمام متزايد بالطاقة البديلة

ليست الولايات المتحدة وحدها من تستعيد الاهتمام بالطاقة البديلة، فقد نشرت قبل أيام دراسة سعودية-يابانية لإنتاج الهيدروجين النظيف للأسواق المحلية والدولية. وذكرت الدراسة التي أوردتها صحيفة الشرق الأوسط انه بينما وقّعت شركة الزيت العربية السعودية "أرامكو"، خطاب نوايا لبحث فرص الانضمام للمساهمين بحصة الأقلية في شركة جديدة لتقنيات نقل الحركة، التي تؤسسها مجموعتا "جيلي" و"رينو" الشهيرتان في صنع السيارات العالمية، والتي تركز على تقنيات من ضمنها المحركات الهجينة، اتفقت "ماروبيني" اليابانية مع صندوق الاستثمارات العامة على دراسة جدوى لإنتاج الهيدروجين النظيف في السعودية.

السعودية وتنويع مصادر الدخل

وتسعى الحكومة السعودية التي تلعب الدور الرائد في إنتاج وتصدير النفط على المستوى العالمي إلى تنويع مصادر الدخل، وإضافة أنواع أخرى من مصادر الطاقة كالمتجددة والوقود المعدوم الانبعاثات، وتكثف المملكة تحركاتها للوصول إلى مستهدفاتها في هذا الملف خلال المرحلة المقبلة. وبحسب "رويترز"، فإن الاتفاق بين صندوق الاستثمارات العامة و"ماروبيني" هو أمر أساسي لتحقيق مستهدفات المملكة لخفض الاعتماد على النفط، وبالتالي إجراء دراسة جدوى لإنتاج الهيدروجين النظيف للأسواق المحلية والدولية.

يمكنك المتابعة:

الانباء السارة أيضاً من الدول المنتجة للنفط: أرامكو نموذجاً

وتأتي هذه الخطوة استغلالاً لموارد المملكة الهيدروكربونية المنخفضة التكلفة، وموقعها الاستراتيجي لمصادر الطاقة المتجددة، حيث تعمل على تحفيز اقتصاد الهيدروجين من خلال مستهدفاتها في أن تكون في مصاف الدول المنتجة الرئيسية في العالم. وفي الوقت ذاته، تعمل السعودية للحفاظ على مكانتها بوصفها لاعباً رئيسياً في قطاع الطاقة، وجزءاً من جهود «نيوم» ورؤيتها الطموحة لتطوير حلول مستدامة ومبتكرة، لمواجهة التحديات العالمية الرئيسية، وعلى رأسها تغير المناخ.

ما الجديد في أسواق الطاقة التقليدية؟

ما هو جديد التطورات في أسواق الطاقة التقليدية؟ البداية من العراق الذي أعلن أن وارداته من الطاقة من إيران قد تنتهي. وبحسب ما كتبه سيمون واتكينز في موقع "أويل برايس" الالكتروني، فإن إعلان العراق الأخير بإنهاء استيرادها للغاز في غضون السنوات الثلاث المقبلة ستراقبه واشنطن بعناية، لأنه سيعني أيضاً نهاية اعتماد العراق الطويل الأمد على إيران للحصول على إمدادات الغاز. وكان العراق يعتمد تاريخياً على إيران في نحو 40 في المئة من احتياجاته من الطاقة.

في الواقع، يمكن للعراق إنهاء اعتماده على الغاز على إيران بسهولة نسبية إذا أراد ذلك حقاً، إذ يبلغ إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة في العراق نحو 131 تريليون قدم مكعب ، وهي المرتبة 12 الأكبر في العالم، وقد يكون هناك الكثير لأن معدل التنقيب عن احتياطات الغاز لا يضاهي معدل النفط. ترتبط معظم احتياطات الغاز الطبيعي في العراق بالنفط في حقول النفط الكبيرة في جنوب البلاد. وكانت هناك تحركات مشجعة من حين لآخر نحو استخراج واستخدام هذا الغاز، بدلاً من مجرد حرقه في آبار النفط.

مطورو مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال

قد يطلقون مصانع جديدة

في سياق متصل، ذكر موقع "أويل برايس" أيضاً انه يمكن لمطوري مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة إطلاق مصانع جديدة بقيمة 100 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة حيث إن الأسعار المرتفعة والحاجة إلى أمن الطاقة تخلقان زخماً قوياً للطلب والعقود الطويلة الأجل على الغاز الطبيعي المسال.

من المقرر أن تتفوق الولايات المتحدة على قطر وأستراليا كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم هذا العام بعد أن تستأنف فريبورت للغاز الطبيعي المسال عملياتها في الربيع، حسبما ذكرت شركة وود ماكنزي لاستشارات الطاقة في تقرير حديث. ويبدو ان أوروبا، التي كانت مترددة في السابق في الالتزام بصفقات الغاز الطبيعي الطويلة الأجل بسبب الأهداف المناخية واعتبارات الانبعاثات، تقوم الآن بتركيب وحدات إعادة تحويل التخزين العائمة (FSRUs) للترحيب بشحنات الغاز الطبيعي المسال التي تحل محل إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية.

وإلى أن تحل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح محل الكثير من توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز، ستكون هناك حاجة إلى الغاز الطبيعي في أوروبا وفي قارات أخرى للحفاظ على الأضواء والتدفئة، وستكون إمدادات الغاز الطبيعي المتنوعة أمراً حيوياً للبلدان التي تتطلع إلى التخلص من الاعتماد على مورد واحد كبير.

في الخلاصة، لا يزال العالم يسير فوق حبل مشدود بين الطاقة الاحفورية والطاقة المتجددة. ولأنه في هذا الوضع الدقيق، لا يحتمل أي تغيير في التوازنات بين العرض والطلب، كما ظهر في شائعة خروج الامارات من منظمة أوبك.