حدثان كبيران في عالم الطاقة : هل هناك من سيصرخ أولاً؟

  • 2022-09-08
  • 15:00

حدثان كبيران في عالم الطاقة : هل هناك من سيصرخ أولاً؟

  • أحمد عياش

في وقت واحد، كان العالم خلال الأيام الماضية على موعد مع حدثيّن كبيريّن هما: توقف تدفق الغاز الروسي على أوروبا، وقرار منظمة "أوبك بلس" خفض 100 ألف برميل نفط يومياً في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وعلى الرغم من أن روسيا موجودة في الحدثيّن، فإنها تأخذ الأول منهما في اتجاه تصعيد المواجهة مع الغرب عموماً، وأوروبا خصوصاً على خلفية الحرب في أوكرانيا. أما الحدث الثاني فقراره لا شبهة لأي حرب فيه، وإنما موصول بتنظيم أسواق النفط بعيداً عن التوتر الذي سادها أخيراً.

البداية من حرب الغاز التي أشعلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما جعل وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن تتوقع أن تتجاوز فواتير الطاقة في أوروبا مستويات ما قبل جائحة "كوفيد–19" بأكثر من تريليون يورو، بسبب تضييق الخناق على إمدادات الغاز الروسية. واقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على الدول الأعضاء في الكتلة الموافقة على تحديد سقف على أسعار واردات الغاز الروسي، كجزء من الإجراءات العقابية لموسكو على خلفية غزوها لأوكرانيا. في المقابل، هدّد الرئيس بوتين بوقف شحنات الغاز والنفط للدول التي تحدّد سقفاً للأسعار، كما يستعد الرئيس الروسي للقاء نظيره الصيني شي جينبينغ الأسبوع المقبل في أوزبكستان على هامش قمة إقليمية، كما أعلنت الخارجية الروسية. ويأتي الإعلان عن اللقاء عقب ساعات من إعلان آخر لفت أنظار العالم حول اتفاق بين موسكو وبكين على بيع منتجات طاقة روسية إلى الصين باستخدام العملات المحلية، في خطوة تمثل تمرّداً على الدولار.

وعلى مسار مواز لتوفير الطاقة، قالت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إنها اطلعت على مقترح مقدم من مفوضية الاتحاد الأوروبي إلى حكومات دول الاتحاد توصي فيه المفوضية بوضع سقف سعري للكهرباء المنتجة من المصادر التي لا تعتمد على الغاز، مثل محطات طاقة الرياح والمحطات النووية والمحطات التي تعمل بالفحم الذي لا يتجاوز في حده الأقصى 200 يورو لكل ميغاواط/ساعة، معتبرةً أن هذا السقف الأقصى يحقق معادلة الربح واتزان سوق الطاقة معاً.

في سياق متصل، وتحت عنوان "أوروبا تقول إن قوة بوتين الغازية تضعف"، كتبت "النيويورك تايمز" تقول: "في ألمانيا وأماكن أخرى، يزداد القادة ثقة في أن شهوراً من العمل على تخزين مصادر الطاقة البديلة واصطفافها قد تساعدهم على إضعاف توظيف روسيا للصادرات"، وأضافت الصحيفة:" بدأت برلين بعد فترة وجيزة من غزو القوات الروسية لأوكرانيا، بتعبئة أخرى. وبدأ وزراء الطاقة والدبلوماسيون الأوروبيون في التنقيب عن الغاز في جميع أنحاء العالم وإبرام صفقات للطاقة في سباق للاستعداد لشتاء قاس إذا اختارت روسيا قطع غازها الرخيص ردّاً على العقوبات الغربية." ورأت "النيويورك تايمز" انه منذ ذلك الحين، "تلاعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصنبور الغاز إلى أوروبا مراراً وتكراراً. ومن خلال شركة غازبروم، احتكار الغاز الذي يسيطر عليه الكرملين، خفضت روسيا الإمدادات بشكل كبير أو علقت هذه الإمدادات لأيام عدة في كل مرة – حتى الأسبوع الماضي، عندما أعلنت أنها ستوقف إلى أجل غير مسمى التدفقات عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 الذي يزود ألمانيا، ومن خلاله، الكثير من أوروبا".

وخلصت الصحيفة الأميركية إلى القول: "عندما جاءت الضربة أخيراً، أثارت سخرية أكثر من الغضب بين القادة الأوروبيين، الذين يقولون إنهم الآن لن يتوقعوا شيئاً أقل من السيد بوتين، وأنهم قبلوا بأن عصر الغاز الروسي الرخيص قد انتهى، وهو أمر لا يمكن تصوره كما كان يبدو قبل أشهر فقط".

في المقابل، قال وزير الطاقة الروسي، نيكولاي شولغينوف، في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية الحكومية "تاس": "أعتقد أن الشتاء المقبل سيظهر مدى إيمانهم الحقيقي بإمكانية رفض الغاز الروسي. ستكون هذه حياة جديدة تماماً للأوروبيين. أعتقد أنهم، على الأرجح، لن يكونوا قادرين على الرفض". وتمتلئ وسائل الإعلام الحكومية الروسية بتقارير عن احتجاجات في أوروبا. وذكرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية أنه يطلب من الإيطاليين غلي المعكرونة لمدة دقيقتين فقط قبل إطفاء الحرارة، بينما يتخلى الألمان عن الاستحمام.

وفي رأي سيرغي فاكولينكو، المحلل في بون بألمانيا، الذي عمل لسنوات في صناعة الطاقة الروسية، إنه على مدى العقدين الماضيين رأى المسؤولون الروس القوة الجيوسياسية التي تستمدها الولايات المتحدة من نفوذها على النظام المالي العالمي، وسعوا إلى تسخير مكانة روسيا كمصدر رئيسي للطاقة بطريقة مماثلة. وقال: "كانت هناك رغبة كبيرة، كقوة عظمى، في الحصول على شيء مماثل". كان هناك شعور بأن النفط والغاز هما الحل".

ماذا عن الحدث الثاني، المتعلق وبقرار منظمة "أوبك بلس" خفض 100 ألف برميل نفط يومياً في تشرين الأول/أكتوبر المقبل؟

قبل أن تتفاعل الأسواق مع هذا القرار، تذبذبت أسعار النفط بعنف، حيث افتتحت الجلسة على تراجع مع أنباء عن تباطؤ صيني، ثم صعدت لاحقاً نحو 1 في المئة على خلفية تهديدات روسية بأن تنسحب من عقود إمدادات الطاقة. لكنها عادت للهبوط بقوة بنحو 3.5 في المئة مع تخبط الأسواق وسط المعركة الناشبة بين أوروبا وروسيا. ويتوقع المحللون أن تكون إمدادات النفط شحيحة بالفعل في الربع الأخير من العام. وما أضاف المزيد من الدعم للأسعار صباحاً التوقعات بانخفاض مخزونات النفط في الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع أولي أجرته "رويترز" يوم الثلاثاء الماضي أن مخزونات الخام الأميركية من المتوقع أن تنخفض للأسبوع الرابع على التوالي، لتتراجع بما يقدر بنحو 733 ألف برميل في الأسبوع المنتهي في الثاني من أيلول/سبتمبر الحالي.

كي لا يجري الخلط بين المواجهة الروسية الغربية وبين قرار "أوبك بلس"، أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن منظمة الدول المصدّرة للنفط، لا تستهدف أسعاراً أو نطاقات سعرية معينة، وإنما هدفها دعم استقرار السوق وتوازن العرض والطلب لصالح المشاركين في السوق والصناعة البترولية. وقال الأمير عبد العزيز، وهو رئيس اللجنة الوزارية في "أوبك بلس"، في مقابلة له مع "إنرجي إنتلجنس"،  إن "القرار بخفض 100 ألف برميل نفط يومياً لتشرين الأول/اكتوبر المقبل هو تعبير عن الاستعداد لاستخدام كل الأدوات التي لدينا"، مضيفاً:" يُظهر التعديل اليسير أننا متيقظون واستباقيون ومبادرون عندما يتعلق الأمر بدعم استقرار الأسواق وكفاءة أدائها لمصلحة المشاركين في السوق والصناعة النفطية".
وزاد، أن الخفض هو إجراء لإعادة مستوى الإنتاج إلى ما كان عليه في آب/أغسطس الماضي، حيث إن الزيادة بمقدار 100 ألف برميل يومياً كان مخطط لها لشهر أيلول/سبتمبر فقط.

بدورها، كتبت تسفيتانا باراسكوفا في موقع "أويل برايس" تحت عنوان "المزيد من تخفيضات إنتاج أوبك + قد تلوح في الأفق"، تقول :"إنها رسالة إلى السوق يفسرها المحللون إلى حد كبير على أنها تصميم التحالف وزعيمه الفعلي، المملكة العربية السعودية، على مواصلة التدخل في السوق وعدم السماح للأسعار بالانخفاض الشديد عن المستويات الحالية. ومن خلال منح رئيس التحالف، وزير الطاقة السعودي، سلطة الدعوة إلى عقد اجتماع في أي وقت إذا لزم الأمر، بعثت أوبك+ برسالة قوية إلى سوق النفط: يمكن أن تأتي التخفيضات في غضون مهلة قصيرة، "بأي شكل من الأشكال"، مما قد يعني أن التخفيضات الأحادية الجانب قد لا تكون خارج الطاولة أيضاً.

وفي تحليل نشرته "رويترز"، قال كلايد راسل :"من المغري استبعاد قرار مجموعة أوبك+ بخفض إنتاج النفط الخام بمقدار 100 ألف برميل يومياً في تشرين الاول/أكتوبر باعتباره تقصيراً إحصائياً من المرجّح ألا يكون له أي تأثير حقيقي على السوق، في حين أنه من الصحيح أن التعديل الضئيل على أهداف إنتاج مجموعة المنتجين لن يحدث فرقاً كبيراً في توازن العرض والطلب العالمي، إلا أن إعلان يوم الاثنين له أهمية: فهو يشير إلى نية أوبك + للدفاع عن أسعار النفط الخام".

بعد هذا العرض لما يجري على صعيد الغاز الروسي ونفط "أوبك بلس"، بات واضحاً ان زعيم الكرملين يريد مواجهة من نوع "من يصرخ أولاً"، في حين ان الرياض تريد ان يكون خفض 100 ألف برميل نفط يومياً في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، هو لمعالجة أي صراخ قد يتصاعد من فوضى أسواق الطاقة.