هل تفتح الحكومة اللبنانية باب المواجهة مع "الضمان"؟

  • 2020-05-07
  • 23:30

هل تفتح الحكومة اللبنانية باب المواجهة مع "الضمان"؟

كركي رداً على الخطة الاقتصادية: التقديمات الصحية قد تتوقف إذا لم تجد الدولة طرقاً لتمويل الصندوق

  • أدهم جابر

لا يكاد "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" يغيب عن واجهة القضايا اللبنانية حتى يعود إليها مجدداً. أخيراً ذكرت الحكومة اللبنانية "الصندوق" في خطتها الاقتصادية، لكن ليس بـ "الخير". لا من باب دفع المستحقات المتوجبة عليها لمصلحته ولا من قبيل دعمه، بل من بوابة التفاوض من أجل الإمعان في "الهروب" من واجباتها تجاهه، ومن منطلق الاستمرار في "سياسة اليد الطويلة" على أمواله.

فالخطة تنص على الشروع في محادثات مع إدارة "الصندوق" لتمديد فترة تسديد ديون الدولة وتخفيض الفائدة، ومساندة الشركات والمؤسسات في تأخير دفع اشتراكاتها والسماح لها بتخفيض رواتب العمال والموظفين حتى نهاية السنة وبالتالي تخفيض اشتراكات الصندوق، ورسوم المضمونين حديثاً ممن هم دون سن الثلاثين. فماذا تعني هذه البنود وكيف تقرأها إدارة الصندوق؟

لا تمانع إدارة "الضمان" في دراسة ما يعنيها من بنود في خطة الحكومة، كما لا تمانع مساعدة الشركات والمؤسسات كي تحافظ على بقائها وعلى عمّالها، وإذ تقدّر الأوضاع المالية والاقتصادية للدولة، إلا أنها تدور في فلك السؤال: ماذا بالنسبة لنا؟

ما يبدو واضحاً أن "الضمان" هو إلى اليوم خارج حسابات الدولة وخططها ومشاريعها وخارج منظومة الدعم، وأكثر هو خارج دائرة أصحاب الحق ممن لديهم أموالاً محتجزة لدى دولة تضرب عرض الحائط كل القوانين التي أصدرتها بنفسها وتعترف فيها بأن للصندوق ديوناً مستحقة السداد بلغت حتى نهاية العام 2019 نحو 3600 مليار ليرة.

 

إلى أين يتجه "الصندوق"

في ظل خطة الحكومة؟

 

وإذا كانت القراءة الأولى للبنود توحي بما لا يقبل الشك بأن للحكومة نوايا مبيتة تجاه "الضمان"، فإن للمدير العام لـ "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" محمد كركي، رأي في ما يجري يستند فيه إلى حقيقة مرة، فالحكومة عندما صاغت خطتها لم تعتمد مبدأ "التنسيق"، وهنا فإن الإطلالة على المستقبل هي تحت عنوان: "اتجاه الضمان إلى المجهول"، يضيف كركي: "الضمان" يقوم بواجبه تجاه الدولة والشركات والمؤسسات، وترجم دعمه للأخيرة من خلال إجراءات تمثلت بتمديد مدة براءة الذمة وتأخير تسديد الاشتراكات الشهرية منها والفصلية لـ 6 اشهر، وفي هذا حرص على أداء الشركات واستمرارها ودعمها للاحتفاظ بعمالها، بل ومساعدتها على القيام بعمليات توظيف جديدة، كذلك قام بواجبه تجاه الدولة عندما وافق على تقسيط ديونها على عشر سنوات. وكل ذلك يُقابَل ببنود الغرض منها تجفيف سيولة الصندوق من خلال تخفيض رواتب الموظفين وترجمة ذلك تخفيضاً في اشتراكات "الضمان" مع ما لذلك من انعكاسات خطيرة على الاستدامة المالية للصندوق، مؤكداً: لا يجوز للدولة أن تفكر في تخفيف أعبائها وأعباء أصحاب العمل، في الوقت الذي يُترك فيه "الضمان" لمواجهة مصيره منفرداً، ذلك أن الإجراءات التي قمنا بها ستحرم الصندوق من السيولة، وحدوث هذا الأمر من دون أن يتزامن مع آلية دفع خاصة تقرها الدولة لتسديد ديونها، يعني أننا نتجه إلى عجز إضافي في فرع المرض والأمومة على وجه الخصوص وسينعكس بطبيعة الحال نزيفاً أكبر في أموال فرع تعويض نهاية الخدمة، وبالتالي سيكون "الصندوق" في وضع مالي محرج.. فكيف ذلك؟

يرد كركي من خلال استعراض واقع فروع الضمان، منطلقاً من مشكلة العجز في فرع المرض والأمومة، والتي كان يمكن حلها تدريجياً لو قامت الدولة بتسديد ديونها، أو على الأقل التزمت بمساهماتها السنوية البالغة 350 مليار ليرة، وأضافت عليها 500 مليار أخرى عن المتأخرات السابقة، فنحن نقدر أوضاع الدولة وظروفها ولا نريد أن نكبدها المزيد من النفقات، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب "الصندوق" الذي يعاني أيضاً من مشكلة أخرى تتعلق بالضمان الاختياري، إذ إن هناك 11 ألف مضمون اختياري هم في الواقع 30 الفاً مع الذين على عاتقهم، وبين هؤلاء من هم بحاجة إلى أدوية تتعلق بأمراض مستعصية وهم لم يتقاضوا فواتيرهم من الضمان منذ أشهر، لأن الصندوق الخاص بهم يمول من الاشتراكات ومن مساهمة الدولة، وبما أن هذه الأخيرة لا تدفع، على الرغم من وجود نحو 135 مليار ليرة مرصودة للضمان الاختياري، فإن هناك شريحة واسعة من المواطنين باتت مهددة في صحتها.

 

التقديمات الصحية قد تتوقف

نهاية العام الحالي

 

يدق كركي ناقوس الخطر مشيراً إلى أننا نرفع الصوت الآن حتى لا يفاجئن أحداً بالخطوات التي قد نضطر إلى اتخاذها مستقبلاً، فنحن اليوم أمام مرحلة صعبة تهدد استمرارية عمل "الضمان" الاجتماعي، وفي مطلق الأحوال إذا لم يتم تمويل فرع المرض والأمومة كما يجب، سنتجه في نهاية العام الحالي إلى وقف التقديمات الصحية، مع ما يرتب ذلك من انعكاسات خطيرة على صحة شريحة ضخمة من المواطنين اللبنانيين، وقد قمنا بذلك سابقاً في سنوات (2005، 2006، و 2007)، كوسيلة ضغط لإجبار الدولة على دفع المستحقات المتوجبة عليها، ويستطرد: نحن لا نريد افتعال أزمة في ظل الأوضاع الصعبة الحالية، ونبحث في كيفية مساعدة الدولة، لكننا لن نستمر بالاستدانة من فرع تعويض نهاية الخدمة لأن ذلك سيؤدي إلى استنزاف أمواله التي باتت على المحك. لكن على الرغم من هذا الواقع يطمئن كركي بأن دفع التعويضات جار ويتم خلال ثلاثة أيام في الأسبوع (الإثنين والثلاثاء والجمعة)، وبعد التواصل مع وزيرة العمل لميا يمين التي طلبت تسريع هذا الأمر نظراً إلى الأوضاع الصعبة للذين بلغوا سن التقاعد أو الذين انقطعوا عن العمل وبهدف مساعدتهم على مواجهة الظروف القاسية، فإننا سنقوم بإصدار مذكرة جديدة قريباً بهدف تسريع وتيرة دفع التعويضات.

 

ماذا عن الحلول؟

 

يحدد كركي مجموعة من الحلول تنطلق أوّلاً من تغيير الدولة لطريقة تعاملها مع "الضمان"، فمثلما تهتم لنفسها ولدعم أصحاب العمل، عليها أن تعمل على إيجاد طرق لتمويل "الصندوق" كما تموّل الكهرباء والمستشفيات وقطاعات أخرى.. متسائلاً: لماذا لا تقوم بذلك علماً أن لنا حقوقاً لديها؟ ولماذا يتم دائماً استهداف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ ويستغرب كيف أن الخطة حددت بنوداً تتعلق بالدولة وأخرى بالشركات والمؤسسات لكنها لم تشر إلى الطريقة التي سيتم فيها تمويل "الضمان، ويضيف: "على الدولة أن تحدد التمويل، هبات، مساعدات، لا فرق لأن ما يهمنا هو تكريس مبدأ الدفع والشروع في ذلك، فازدهار الشركات يعني نمو الضمان، وكما نحرص على الشركات وعلى الأجراء، على الحكومة أن تبدي الحرص اللازم تجاه "الصندوق" حتى يحافظ على دوره ورسالته. وهذا بطبيعة الحال كان يفرض على من وضع الخطة الاقتصادية أن يضمنها إشارة واضحة وصريحة حول ضرورة مباشرة الدولة لسداد ديون الضمان وكيف سيتم تقسيطها، علماً أن ذلك، منصوص عليه في أكثر من قانون.

أمّا في ما يتعلق بتخفيض الاشتراكات، فإن هذا الأمر مرفوض بالمطلق، والحلول وفقاً لكركي، هي عند الدولة التي عليها أن تعمل بموجب آلية تقوم عبرها بمساعدة الشركات في تسديد جزء من الاشتراكات، عبر وزارة العمل أو وزارة الشؤون الاجتماعية، تحديداً للمضمونين الجدد تحت سن الثلاثين، وذلك بالاستناد إلى إيصالات خاصة تحصل عليها الشركات من "الضمان".

ويخلص كركي إلى القول بأن "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" ليس في صدد المواجهة حالياً، فما بين أيدينا هو طرح يجب أن يخضع للبحث والمناقشة، مشدداً في المقابل، على أن أي محادثات أو مفاوضات يجب أن تنطلق من الاعتراف بحقوق الضمان، بأمواله وفوائدها، فكما ندفع فوائد تصل قيمتها إلى نحو 160 مليار ليرة سنوياً ونقوم بتعجيز فرع المرض والأمومة من أجل دفع الديون إلى فرع تعويض نهاية الخدمة كذلك على الدولة أن تدفع فائدة، وغير هذه المعادلة: نحن الخاسرون، لأن بقاء الحال على ما هي عليه سيؤدي إلى نتيجة واحدة هي شل قدرة الصندوق على الاستمرار.

 

.. ولموظفي الضمان رأي:

إلى المواجهة

 

لأن الخطة لم تتم بالتنسيق مع المعنيين في هذا الشأن تحديداً، بحسب نقيب مستخدمي "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" حسن حوماني، فإن ما تمّ إقراره هو ضربة لـ "الصندوق" ولحقوق المضمونين فالخطة تفيد الدولة إلى جانب أصحاب العمل فيما المتضرر منها 650 ألف مضمون يصلون إلى مليون و 600 الف مع الذين على عاتقهم، إذ كان الواجب على الدولة أن تعيد ديونها إلى "الضمان" وأن تساعده على استرجاع أمواله لدى الشركات المتخلفة عن سداد المستحقات المتوجبة عليها لا أن تقوم بتقليص نسبة اشتراكات "الصندوق" لأن هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى استنزاف أموال فرع تعويض نهاية الخدمة، الذي يعتمد عليه الصندوق في تسديد عجز فرع المرض والأمومة، ويتساءل حوماني: "لماذا لا تؤمن الدولة الطبابة والاستشفاء للمواطنين بدلاً من أن تمد يدها إلى أموال تعويضات نهاية الخدمة التي هي من حق الموظفين؟"، محذراً من أن بقاء الخطة في هذه الصورة يعني "اننا ذاهبون إلى المواجهة في الشارع، فهذه القضية معنية بها كل النقابات والاتحاد العمالي العام باعتبار أن ما أقرته الحكومة هو تعد واضح على حقوق عمّال لبنان وهذا ما لن نقبل به على الإطلاق".