الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان: ما له وما عليه

  • 2020-04-28
  • 21:30

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في لبنان: ما له وما عليه

هكذا تبخّر جزء من أموال فرع تعويض نهاية الخدمة.. فمن المسؤول؟

  • أدهم جابر

"يحكى أنّ".. عبارة تختصر الطريقة التي تدار فيها لعبة الأرقام في لبنان.

وفق هذا "المنوال"، يتمّ التعامل مع "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"، الكيان الذي ولد بقانون خاص، وعمل لسنوات بمقتضاه، قبل أن تُمعِنُ التدخلات السياسية في أدائه تبديلاً.

منذ مدة يجري الحديث عن"الضمان"، تارة بالإشارة إلى "مليارات" تبخّرت من أموال فرع تعويض نهاية الخدمة، وأخرى بأن فساداً هناك له وجوه ومظاهر مختلفة، وهنا، أن ننكر الخلل في أداء "الضمان" وننفيه كلياً فذلك مجانبة للحقيقة والواقع، لكن أن نتعاطى معه وكأنه جزيرة معزولة عن محيطها، فهذا نوع من "الخَرَف" لا أكثر، ذلك أن المؤسسة تعمل في محيط فساد تتلاطم أمواجه بفعل حكومات متعاقبة، وفي ظل ظروف اقتصادية ومالية وصحية أكبر بكثير من أن تقوى على مواجهتها منفردة، فكانت النتيجة خللاً في عدّاد أرقام فروع الضمان الثلاثة: ضمان المرض والأمومة، التقديمات العائلية، وتعويض نهاية الخدمة، المتوقّف أصلاً منذ العام 2011 (توقف التدقيق المالي الخارجي)، فبات واجباً أن تخضع الأرقام لـ UPDATE، يخرجها من جمودها...

 

 

المدير المالي للصندوق شوقي أبو ناصيف إلى "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال":

2068 مليار ليرة ما تمّ سحبه من فرع تعويضات نهاية الخدمة حتى 2018

 

لا ينكر مسؤولو "الضمان" بأن اليد امتدت إلى أموال فرع تعويض نهاية الخدمة، فالرقمان السابقان يؤكد وجودهما المدير المالي لـ "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" شوقي أبو ناصيف، لكن مع توضيح بأن ما تمّ سحبه من الفرع لمصلحة فرع ضمان المرض والأمومة حتّى 31/12/2018  هو 2068 مليار ليرة، يضاف إليه عجز الفرع الاخير في العام 2019، (وهي أرقام أولية لأن قطع الحساب لم ينجز بعد)، بنحو 198 مليار ليرة تقريباً، وهذا الرقم لا يتضمن رصيد السلف التي أعطيت للمستشفيات، وبالتالي ستزداد نسبة العجز بعد تصفية معاملات الاستشفاء وإدخالها في حسابات فرع المرض والأمومة. وبذلك تكون الصورة:

 

موجودات فرع نهاية الخدمة وفقاً لنتائج قطع حساب الصندوق للعام 2018 تعادل 14454 مليار (ليرة لبنانية)
 
أموال موظفة في سندات الخزينة وودائع في المصارف وحسابات جارية
 
إمدادات لفرع المرض والأمومة  
 
إمدادات لفرع التقديمات العائلية  
 
سلف المستشفيات وموجودات أخرى
 
11151 ملياراً 2068 ملياراً 163 ملياراً 1072 ملياراً

 

فمن أين جاء الرقم الذي تحدثت عنه اللجنة المالية في الصندوق، ومن يتحمّل المسؤولية؟

يجيب أبو ناصيف في لقاء مع "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن الدولة هي المسؤول الأساسي عمّا وصلت إليه الأمور، فهي شريك، لكنها شريك لا يلتزم بالاتفاقات والقوانين ولا يفي بوعوده، فالسبب الرئيسي لاضطرار الضمان إلى الإنفاق من فرع تعويض نهاية الخدمة، هو العجز في فرع ضمان المرض والأمومة الذي ما كان ليقع لو قامت الدولة بتسديد ديونها التي وصلت إلى 3236 ملياراً حتى العام 2018، ومن ضمنها 2380 ملياراً لفرع المرض والأمومة فقط، أي أن هناك مبالغ أخرى ستضاف إلى المبلغ، خصوصاً في السنتين الحالية والماضية، أمّا بالنسبة إلى الرقم الذي ذكر في تقرير اللجنة أي 3642 ملياراً فهو يتضمن العجز المذكور بالإضافة إلى رصيد السلف التي دفعت إلى المستشفيات ولم يتم احتسابها ضمن العجز، لأن هذه النفقات لم يتم تصفيتها وفقاً للأصول وسوف تحتسب فور تصفيتها.

ويوضح أبو ناصيف أن الدولة تعترف بديونها  تجاه الصندوق، فقد نصّت المادة 71 من القانون الرقم 144 (قانون الموازنة العامة للعام 2019) على تقسيط هذه الديون على 10 دفعات وكان من المفترض أن تسدد الدفعة الأولى قبل أيلول/سبتمبر 2019، ومجدداً الدولة لم تلتزم، كما لم تدفع الاعتمادات المرصودة عن 2019، ومنذ نحو 5 سنوات هي على هذه الحال، والمبلغ الوحيد الذي وصل منها هو 70 مليار ليرة فقط (دفعت في 2016)، "وقد أرسلنا كتباً عدة إلى وزير المالية ومجلس الوزراء نطالب فيها بتسديد مستحقاتنا ولم نتلق أي جواب، وهذا ما دفعنا إلى الاستعانة بتعويضات نهاية الخدمة، للاستمرار في تقديمات المرض والأمومة".

 

 

ماذا عن الشركات المتخلفة

والمضمونين الوهميين؟

 

لكن ماذا عن الشركاء الآخرين للضمان؟ هنا يطلّ وجه آخر للذين يأخذون من الضمان "مجاناً"، هم شركات لم تسدد المستحقات المتوجبة عليها لسنوات خلت، وهذه مبالغ محرومة منها المؤسسة وحق يجب استرجاعه، غير إن مراقبة كل الشركات المُتهرّبة، بحسب أبو ناصيف، تحتاج إلى عدد كبير من المفتشين لإجراء مسح شامل ودوري للمؤسسات المسجلة وغير المسجلة في الصندوق، فضبط عملية التهرب من التصريح عن الأجور الحقيقية وعن الأجراء الفعليين في المؤسسات وتسديد الاشتراكات عنهم،  يتطلب فريق عمل خاصاً وكبيراً، والضمان يعاني من نقص كبير في عدد المستخدمين يصل إلى أكثر من نصف الكوادر الوظيفية للصندوق، والتوظيف ممنوع في الدولة في الوقت الحالي، وبالتالي لا يمكن أن نعرف قيمة الاشتراكات المستحقة على الشركات إلا إذا قامت بالتصريح وتقديم الجداول الخاصة بالأجراء والأجور أو تمّ ضبطها من قبل جهاز التفتيش. واستناداً، ألا تتحمّل هذه الشركات مسؤولية كبيرة، إذ تتمنّع عن دفع المتوجب عليها من ديون لـ "الضمان"؟ فمن يحاسبها؟ يقول أبو ناصيف: "نحن نرسل مفتشينا إلى الشركات والمؤسسات، ونمارس دورنا الرقابي وفق الإمكانات المتوفرة، كما نرسل إنذارات دورية عن الفترات غير المسددة للمؤسسات، ونلاحق قضائياً المتخلفة عن التسديد، لكن هذا لا يكفي ما لم يكن هناك التزام طوعي للمؤسسات بتسديد الاشتراكات والتصريح بشكل صحيح، فموجب تسديد الاشتراكات هو موجب اجتماعي بالدرجة الأولى قبل أن يكون قانونياً أو حسابياً". ويضيف: "هناك أيضاً الأجراء الوهميين الذين تصرح عنهم الشركات من أجل الاستفادة من تقديمات الضمان من دون وجه حق، وقد اكتشفنا عدداً كبيراً منهم و أحلناهم الى القضاء، ولن نتهاون بحق أي شركة أو مؤسسة  يتبين لنا أنها  تستخدم أجراء وهميين، وذلك  فضلاً عن الفواتير الوهمية التي ينظمها بعض المضمونين بالاشتراك مع بعض الأطباء والصيادلة والمختبرات من أجل الاستفادة من تقديمات الصندوق من دون وجه حق أيضاً، إذ اكتشفنا عدداً كبيراً منهم وأحلناهم إلى القضاء وطلبنا استرداد الأموال التي استفادوا منها، ولن نرحم من يثبت تورطه بمثل هذه الأفعال الشائنة".

 

كيف يتم توظيف موجودات

فرع تعويض نهاية الخدمة؟

 

وعن الطريقة التي توظف فيها موجودات فرع  تعويض نهاية الخدمة، يوضح أبو ناصيف "أنه في العام 2012 أقرّ مجلس الإدارة، بناءً على اقتراح اللجنة المالية في الضمان نظاماً لتوظيف أموال وموجودات تعويضات نهاية الخدمة في سندات الخزينة بنسبة لا تقل عن 50 في المئة من قيمة الأموال، والباقي في ودائع لقاء فوائد في المصارف لمدة أقصاها سنة تحدد هذه الفوائد وفقاً لاستدراج عروض شهرية، ونلتزم بالتوظيف لقاء الفائدة الأعلى التي نحصل عليها، وهذه الأموال موزعة على جميع المصارف العاملة ضمن نسب محددة تتعلق برأس مال المصرف وذلك من أجل توزيع المخاطر وهذا النظام ما زال يطبق حتى تاريخه"، وهنا مشكلة أخرى تنطلق من سؤال مشروع حول مصير السندات والودائع خصوصاً في ظل الأزمة المالية التي يعيشها لبنان والتي تأثرت فيها المصارف بشكل خاص؟

إنها معادلة ثلاثية الفروع لصندوق يكابد من أجل البقاء، الأرقام فيها غير خاضعة للضبط بإحكام، ولا نهائية إذ إن هناك مبالغ "حائرة" ناجمة عن عدم انتهاء عملية التصفية، وفيما تقدّر تلك المبالغ بنحو 800 مليار إلا أنها لا تصنّف، أقله من الناحية "الحسابية" في خانة العجز، لأنها تقابل اشتراكات هي من حق الصندوق لم يتمّ استيفاؤها حتّى الآن.

 

"الضمان" يرد على الحكومة:

لا مشكلة مع المستشفيات الخاصة

 

في ظل هذا الواقع، كان مستهجناً أن تطالب الحكومة "الضمان" بتسديد المستحقات المتوجبة عليه للمستشفيات الخاصة من دون أن تكلف نفسها عناء الاعتراف بفسادها تجاهه والمتمثل بديونها الكبيرة، وعلى هذا يردّ أبو ناصيف: لا مشكلة بين الصندوق والمستشفيات فهو يدفع شهرياً سلفاً إلى المستشفيات، تعادل كلفة المضمونين خلال شهر ونظام السلف هذا معمول به منذ العام 2011.

 بعيداً عن لعبة الأرقام وحقيقتها، وبعيداً عن صفتها وتصنيفاتها، فإن الخاتمة لن تكون سعيدة، ذلك أن الأموال المسحوبة من فرع تعويضات نهاية الخدمة قد تكون في طريقها إلى غير رجعة، كما إن هناك مبالغ أخرى على طريق التبخّر، إذ كيف سيسدد الضمان مستحقات فرع تعويض نهاية الخدمة، في ظل استهتار الدولة، فيما يكافح عجزاً مالياً في فرع، بتعجيز فرع آخر؟

ليس سهلاً التسديد، لذلك لن يكون مستغرباً أن عملية "هيركات" من نوع خاص بدأت تنال من "شقا عمر اللبنانيين"، وهنا لـ أبو ناصيف جواب واحد يكرره: لو قامت الدولة بواجباتها لما وصلنا إلى هنا، ديونها كبيرة ووفاؤها معدوم.

في النهاية، لا يحاول أهل "الضمان" رمي الكرة إلى ملعب السلطة، لأنها هناك أصلاً فالدولة هي المسؤولة أولاً وآخراً، هي تشارك ولا تلتزم ببنود الشراكة، تأخذ ولا تعطي، تستدين ولا تسدد، وفي النهاية هي رابح أوحد في مقابل خاسرين كثر...