عن الوباء والجوع وشعب لبنان "العظيم" ..

  • 2021-01-17
  • 10:55

عن الوباء والجوع وشعب لبنان "العظيم" ..

  • علي زين الدين

​ 

 أيقظت العاصفة الوبائية التي تضرب خبط عشواء جميع المقيمين على أرض البلاد، الدولة اللبنانية من سباتها الشتوي العميق والمتصل بسكون صيفي وخريفي مثيرين أعقبا كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس من العام الماضي.

فقد استجاب مجلس النواب لمقتضيات تشريعية أوجبها تحوط شركات الأدوية المنتجة للقاحات الواقية من " كورونا "، وأفتى في الوقت عينه، بمرجعية وزارة الصحة لتوسيع الدائرة عبر تشريع الأبواب أمام مبادرات مأمولة من القطاع الخاص لتأمين اللقاح "غير المجاني ".

 

قد يهمك:
لبنان يلتزم وصفة صندوق النقد الدولي ويؤخر العلاج!

 

المبادرة في زمن تفشي الوباء حدت قليلاً من هواجس الأمن الصحي بعد ان ارتقى لبنان الى صفوف المقدمة للائحة الدول الأعلى خطراً "كورونياً"، وفقاً لنسب تفشي الاصابات وأعداد المتوفين ونفاد القدرات الاستيعابية للمستشفيات وغرف العناية ذات الخصوصية وأجهزة التنفس والأدوية الضرورية للحالات المتدهورة والخطرة.

ومن الممكن "توسيع" طاقة الأمل البعيد الانطلاق الفعلي لحملات التلقيح الموعودة بدءاً من النصف الثاني للشهر المقبل، والمسبوقة بترقبات معقودة على ايجابيات نتائج شبه الإقفال التام الساري حالياً وحتى بداية شهر شباط/فبراير المقبل، علماً أن الاحباطات تنافس هذه النتائج المرجوة بفعل كثرة "الاستثناءات" من جهة، واستلشاق بعض الناس والسلوكيات الشاذة للبعض الآخر من جهة موازية.

لكن الأهم الموجب للاستدراك العاجل، أن "الصحوة" التي يؤمل ان "تفرمل" انهيار المنظومة الصحية والاستشفائية، وتنتج تحولات جدية، ولو متأخرة، في سياسات احتواء الوباء القاتل، لم تتمدد الى الأمن المعيشي الرازح تحت سيف قرب نفاد المبالغ القابلة للاستخدام من احتياط مصرف لبنان لتمويل استيراد المواد الاستراتيجية والاساسية، والتي تضمن اسعارها المدعومة حتى الآن عدم انفجار قنابل التضخم المفرط الذي يتناسق حكماً مع فقدان الليرة لأكثر من 80 في المئة من قيمتها إزاء العملات الصعبة.

 

للمزيد:
البنوك اللبنانية تغادر الأسواق الإقليمية
 

ولعله لم يعد مستغرباً أن يحتفي بعض أهل الدولة بموافقة مجلس المديرين في البنك الدولي على منح فقراء لبنان برنامجاً اغاثياً لمدة سنة، يقدم مساعدات نقدية واجتماعية مباشرة لنحو 147 الف أسرة ( نحو 786 ألف نسمة ) بقيمة اجمالية تصل الى 246 مليون دولار.

وفات المهللون لهذه المبادرة، انها وعلى أهميتها الاستثنائية في الحد الأدنى من كبح سرعة حتمية توغل الجوع وانفلاته الى مستوى التسبب بتفشي الأمراض والموت لدى الشرائح الأكثر فقراً، انما "فضحت" في معطياتها ومدلولاتها عقم المنهجية المتّبعة في حماية الأمن المعيشي لأكثر من نصف المقيمين الذين صنّفهم البنك الدولي ايضاً "تحت خط الفقر".

فوفقاً للبيانات الاحصائية المجمعة، تمّ انفاق نحو 5.5 مليارات دولار من احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي لتمويل استيراد السلع الأساسية بسعر 1515 ليرة للدولار (محروقات، قمح ودواء) وبسعر 3900 ليرة لتمويل مواد أولية وسلع غذائية (يصدف أن يكون الكاجو من بينها)، وذلك لتغطية 15 شهراً تبدأ من تشرين الأول العام 2019 (انطلاق الثورة) وحتى نهاية العام 2020، أي بمعدل شهري يقارب 367 مليون دولار.

وبمعزل عن التقييم الأشمل لمسألة الدعم الذي سيرد في موضوع مستقل لاحق، يتبين حسابياً ان الانفاق الشهري للدعم يكفي لتوفير بطاقات تمويلية لنحو 220 الف عائلة لمدة سنة كاملة وفقاً للمحددات والمقاييس التي سيعتمدها البنك الدولي. ولو شاءت الدولة دعم مواطنيها حقاً لأمكنها ايصال التمويل النقدي المباشر لنحو 500 ألف عائلة، أي مجمل الرازحين تحت خط الفقر، بأقل من 850 مليون دولار سنوياً، وخفض مبالغ الدعم الاجمالية الى النصف مما يمكنها من التحكم نسبياً بمسارات التضخم ويمكّن البنك المركزي من دور أفعل في لجم التدهور النقدي الذي يتغذى من شبه غيابه التام عن أسواق الصرف وادارة سيولة الدولار.

لمزيد من التوضيح، سيقدم مشروع البنك الدولي تحويلات نقدية إلى 147 ألف أسرة لبنانية ترزح تحت خط الفقر المدقع (ما يقارب الـ 786 ألف فرد) لمدة عام واحد. وستتلقى الأسر المؤهلة مساعدةَ شهرية قدرها 100 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد، بالإضافة إلى مبلغ ثابت قدره 200 ألف ليرة للأسرة الواحدة.

وسيتم تحويل قيمة المساعدة النقدية للأسرة الواحدة إلى بطاقة مسبقة الدفع يصدرها مقدم خدمات مالية، وتوزَّع على الأسر المستفيدة التي يمكنها الحصول على المبلغ نقداً عبر ماكينات الصرف الآلي أو استخدامها إلكترونياً لسداد ثمن مشترياتها في شبكة من متاجر المواد الغذائية.

علاوة على ذلك، سيتلقَى 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 13 و18 عاماً تحويلات إضافية لتغطية النفقات المباشرة للتعليم، ومنها رسوم التسجيل في المدرسة، ورسوم مجالس الأهل، وتكاليف الكتب المدرسية، ومصاريف الانتقال والزي المدرسي، ومعدات الحاسوب و/أو التفقات المرتبطة بشبكة الإنترنت لتسهيل التعلم عن بعد، وستُدفع الرسوم المدرسية بشكل مباشر إلى المدارس المعنية.

وللتذكير، فإن اجمالي المبلغ لكل هذه التقديمات هو 246 مليون دولار. أليس محقاً السؤال لماذا تصرّ الدولة على منهجية دعم المستوردات بكل ما تحتويه من هدر ومنافع وتهريب واحتكارات، خصوصاً لجهة بند المحروقات الذي استنزف وحده نحو 3.3 مليارات دولار في 15 شهراً، وتبخل باعتماد برنامج اغاثي يحاكي برنامج البنك الدولي ويوصل الدعم النقدي المباشر والواقي من العوز والجوع الى مستحقيه الذين تعدت اعدادهم نصف الشعب اللبناني "العظيم"؟!