لبنان يلتزم وصفة صندوق النقد الدولي ويؤخر العلاج!

  • 2021-01-10
  • 09:39

لبنان يلتزم وصفة صندوق النقد الدولي ويؤخر العلاج!

الحاكم يربط تعويم الليرة بإنجاز الاتفاق

  • علي زين الدين

رمى رياض سلامة حجراً في المياه الداخلية الراكدة، ولم يمش. رسمياً، "سيجري تعويم سعر الليرة ضمن سياق اتفاق إنقاذي موعود مع صندوق النقد الدولي". الربط الزمني يعني تلقائياً أن السلطة النقدية تشهر استجابتها المسبقة لحزمة الشروط التي يضعها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، لإعادة وضع لبنان على خريطة طريق الخروج من النفق المظلم.

ومن قبل، كانت حكومة تصريف الأعمال برئاسة د. حسان دياب شرعت بإعداد خطة "ترشيد الدعم"، وبلّغت اللّجان الوزارية التقرير المجمّع لاقتراحات الحلول البديلة، بما يشمل ركيزتها المتمثلة باعتماد "البطاقة التمويلية" بديلاً من دعم أسعار السلع الاساسية واستهدافاً لوصول الدعم إلى مستحقّيه خارج منظومة التهريب المتحكمة والاحتكار المبرمج على توقيت تعذر تواصل الدعم، فضلاً عن التعميم "المدعوم" لكل المقيمين في البلد ومن مقتدرين ومحتاجين، بحيث أجمعت التقديرات بأن النذر اليسير وبما لا يتعدى 10 في المئة من مبالغه يصل فعلاً إلى مستحقيه.

ولا يقع خارج السياق إقدام مجلس النواب على إقرار قانون تعليق مواد قانون السرية المصرفية ومثلها الواردة في قانون النقد والتسليف المعوّقة لانطلاق التدقيق المالي والمركز في حسابات الدولة والبنك المركزي. فممارسة هذه الشفافية المطلوبة بإلحاح لا تستوي مع توجّهات الاستهداف الجنائي و"الانتقائية" في تحديد المؤسسات والملفات، طالما أن الفجوات تنتشر كالفطر السام على كامل حواف خزّان المالية العامة للدولة.

لذا، وبمنأى عن شبهات "التنصل" وتبرئة الذّمم في زمن الفقر والوباء، يشير مسؤول مالي إلى أن جمع هذه الإشارات المهمة في بوتقة واحدة يفضي إلى استنتاج بأن الدولة اللبنانية تحقّق تقدماً، من دون إعلان مشترك وربما من غير قصد أو تنسيق ضروريان، باتجاه الاستجابة التامة لمطالب صندوق النقد الدولي. بحيث لم يتبقّ من جدول الالتزامات العاجلة سوى القبول بإعادة هيكلة القطاع العام وإقرار مشروع قانون التنظيم الطارىء للعمليات المصرفية والنقدية في الجهاز المصرفي (الكابيتال كونترول)، إضافة طبعاً الى التزام بنود المبادرة الفرنسية الاصلاحية في المرحلة اللاحقة لانطلاق حكومة "المهمة"، وهو ما التزمه مسبقاً الرئيس المكلف.

إقرأ: 
البنوك اللبنانية تغادر الأسواق الإقليمية

لم يفت الأوان للتحرّك صوب تصويب الانحرافات الحادة التي بلغها لبنان وأوضاعه. يقرأ المسؤول المالي، "لقد أضعنا أوقاتاً ثمينة، وليس صائباً أن لبنان دولة مفلسة، إنما المؤكّد أنه دولة اختارت "الفشل" المالي. ومع ذلك، فلو تحقّقت "اليقظة" قبل عام لوفّرنا نحو 6 مليارات دولار من احتياط العملات الصعبة التي تشرف على النضوب التام قريباً، مما سيعرّض ما بقي من احتياطات الودائع تحت بند الاحتياطي الالزامي لخطر التبديد والإنفاق على وهم الدعم العشوائي. وكلما كان الاستيقاظ أبكر كلما كانت التكلفة أقل هدراً. نحن نحتاج عاجلاً الى تحديد مستوى القعر الذي بلغناه، والتوجّه كفريق منسجم الى صندوق النقد الدولي متسلحين بالتزامات ننفذها قسراً، فعلّنا نكون من المتأخرين بالوصول بعدما صنفنا حقاً بالممتنعين إرادياً، عن أي فعل نافع ومؤثر في كبح المخاطر الكبيرة المحدقة بالبلد وناسه واقتصاده".

في المجال النقدي، يعتبر المسؤول المالي أن الحاكم يحمل بحكم موقعه وصلاحياته الجزء الأكبر من مسؤولية استراتيجية الاستقرار النقدي التي رافقته في ولاياته المجدّدة، وجذب اليها اجماعاً داخلياً استثنائياً وفريداً، وتأييداً صريحاً من قبل أغلب القوى السياسية الفاعلة، ومنحت هذه السياسة البلد والاقتصاد مزايا استثمارية ومصرفية على مدى 25 عاماً متواصلاً منذ العام 1993، كما زوّدت المداخيل المقيمة كافة بقدرات شرائية أعلى من قيمتها الفعلية وساهمت بتمكين نحو 135 ألف أسرة من تملك منازلهم الخاصة، ذلك قبل انقلاب فعاليتها، في السنتين الاخيرتين، إلى الدفّة المؤذية بفضل الفراغات الدستورية المتمادية والعوامل الداخلية المتشنجة وسوء ادارة مالية الدولة ومؤسساتها وحجم القطاع العام.

 ومع بلوغ هذه السياسة النقدية الحائط المسدود والدخول في مرحلة التفكك السوقي المتدحرج مع سعر يلامس عتبة 9 آلاف ليرة لكل دولار، أي ما يوازي 6 أضعاف السعر الرسمي الموصد قسراً عند 1515 ليرة، يبدو أن "ممانعة" التجاوب مع الوصفة التقليدية لتدخل صندوق النقد سقطت بدورها في أتون القعر المؤلم الذي انحدرت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وارتسمت في الأمد القريب مشهدية المخاطر الأعلى سقوفاً وتداعيات جراء الانسياق السريع الى توسيع دوامتي الفقر والبطالة وضياع ما تبقى من مدخرات.

إقرأ أيضاً:
رياض سلامة ليس مسؤولاً عن فشل الأداء الحكومي

في المطلق، ينبّه مسؤول معني الى خطورة الاصطدام الذي سينتجه جفاف احتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة، وربما أيقظت سرعة الانحدار معززة بالتفشي الهائل لوباء كورونا المخاوف الجدية من سلوك وجهة الفوضى العارمة وتعريض الأمن الاجتماعي والمعيشي لتخريب واسع النطاق يضاهي بأضراره ما أصاب الأمن الصحي من سقوط مريع في مربع العجز ليس فقط عن تأمين سرير في مستشفى، بل لتأمين حتى حبة "البنادول" للقابعين قسراً في منازلهم والقانعين بخبز كفاف ايامهم السوداء.

ويؤمل ان تفضي هذه الوقائع المؤلمة، وفقاً لقراءة المسؤول، الى "صحوة" سياسية تسير في وجهة اخراج الحكومة من شرنقة المصالح الآجلة ضناً بمصالح الناس والبلد العاجلة. وثمة إشارات يمكن البناء عليها لترقّب إعادة تحريك عجلة المشاورات وإنضاج الاقتراحات المسهلة للتأليف واستثمار الوقت الاضافي المتاح في فترة انشغال العالم باستحقاقات دولية واقليمية سيكون للبنان حتماً نصيب من تحولاتها في المرحلة المقبلة.