أدوات الكتابة تقاوم عصر الرقمنة

  • 2020-03-09
  • 08:59

أدوات الكتابة تقاوم عصر الرقمنة

  • برت دكاش

منذ آلاف السنين، أظهر الإنسان ميلاً إلى الكتابة، مدفوعاً ربما بالنزعة إلى تخليد ذكرى عبوره في الحياة، وقد استخدم في الكتابة أدوات مختلفة تطورت على مر العصور، مثلما تطورت الكتابة نفسها وتقنياتها.

نبذة تاريخية

استخدم السومريون والبابليون بداية الـ"ستيلوس" Stylus، وهو أداة معدنية مثلثة الشكل، للكتابة على ألواح من الطين الرطب قبل خبزها، فيما استخدمه الرومان للكتابة على ألواح من الشمع. وفي مصر القديمة، استخدمت أقلام من القصب للتدوين على ورق البردى، قبل الانتقال إلى استعمال ريش الطيور التي استمر استخدامها لغاية القرن التاسع عشر، تاريخ ظهور الأقلام ذات الرؤوس المعدنية. وتوالت بعد ذالك الإختراعات في مجال أدوات الكتابة حتى انتشرت أقلام الحبر على أنواعها، والرصاص والستيلوس المستخدم حالياً للكتابة على شاشات اللمس. كما برزت أسماء كبرى في صناعة أدوات كتابة راقية، تحولت مع مرور الوقت إلى قطع، بعضها نادر ومحدود، يسعى هواة الجمع إلى اقتنائها.

نظرة على الواقع

لكن في عصر الكتابة الرقمية حيث تتشابه الأرقام وحروف الكلمات، أين أصبحت صناعة أدوات الكتابة اليدوية التقليدية؟ وفي زمن تفتقد فيه الرسائل التي قال فيها المفكر الألماني يوهان ولفغانغ فون غوتيه "إنها من أهم التذكارات التي يمكن أن يتركها الإنسان بعد رحيله"، ماذا يقول المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لدى دار مون بلان Montblanc فرانك جوهيل لموقع "أولاً- الإقتصاد والأعمال" عن واقع هذه الصناعة عموماً وعن ابتكارات الدار التي تعد من الأشهر في صناعة أدوات الكتابة الراقية؟ وهل تتهدد الرقمنة فعلاً هذه الصناعة التقليدية والحرفية؟ وماذا عن زبائن هذه الأدوات؟

الحماسة مستمرة

يقر جوهيل بتهديد يشكّله العصر الرقمي لصناعة أدوات الكتابة، لكنه ينطلق من تركيز الرقمنة على قيمة الكلمة المكتوبة ليقول إن "العملاء لا يزالون متحمسين لاقتناء أدوات الكتابة التقليدية، حيث تواصل مبيعاتنا من الأقلام نمواً سنوياً مضطرداً على مستوى العالم". ويضيف موضحاً أن "الدار، وإدراكاً منها لحقيقة أن العالم الرقمي أصبح واقعاً ملموساً، أرست مفهوماً جديداً للكتابة يربط بين الكتابتين اليدوية والرقمية لتعزيز تجربة الكتابة التقليدية ودمجها، في الوقت نفسه، بالمنصات الرقمية من خلال منتجات متصلة بالإنترنت مثل ورق Montblanc المعزز، وهو عبارة عن أجندة جلدية مع لوحة وأداة للكتابة تتيح للمستخدم، بواسطة زر ضغط زودت بها اللوحة، إرسال ما دوّنه إلى أي جهاز متصل بالشبكة".

 

 

إرث من الابتكار

يبحث عشاق أدوات الكتابة وهواة جمعها، كما جميع هواة الجمع عن تاريخ وإرث العلامة التي يسعون لاقتناء قطعة من تصميمها. ويقول جوهيل إن "عملاء Montblanc يبحثون عن إرث الدار في صناعة الأقلام الراقية والذي يمتاز بالإبتكار منذ تاريخ تأسيسها في العام 1906، وطرحها أول قلم حبر مانع للتسرب. بالإضافة إلى العمل الحرفي اليدوي حيث تصنع جميع أدوات الكتابة يدوياً في مشاغلنا في هامبورغ منذ أكثر من 110 أعوام".

ويتابع: "إلى ذلك، يسعى عملاؤنا خلف الفرادة والحصرية. ففي ظل انتشار ظاهرة "التخصيص" في عالم الرفاهية، وهي منح القطعة طابعاً شخصياً فريداً، تحظى خدمة تخصيص "سن" القلم باهتمام العملاء على نطاق واسع، لاسيما من قبل عملائنا في الشرق الأوسط. وتقوم هذه الخدمة المتوفرة في عدد من متاجرنا في المنطقة على استخدام آلة خاصة تلتقط نمط كتابة العميل اليدوية، ثم يرسل إلى مقرنا الرئيسي في هامبورغ ليبتكر حرفيو العلامة، على إثرها، سناً للقلم مصمماً حصرياً ليناسب أسلوب كتابة العميل".

ويكمل جوهيل عن المنطقة الموجودة فيها الدار منذ نحو 25 عاماً، مؤكداً أن أسواق المنطقة أسواق أساسية لأدوات الكتابة التي تقدمها العلامة. ويكشف عن "وجود قاعدة كبيرة من العملاء الأوفياء لاسيما من هواة جمع أدوات الكتابة والساعات، بمن فيهم أفراد من الأسر الحاكمة في مختلف بلدان الشرق الأوسط، وعلى امتداد الأجيال، إلى جانب شخصيات مرموقة". ويوضح أن "عملاء الدار يختلفون من ناحية العمر والمهنة، لكن جميعهم يجمعون على ما تمثله من قيم، ومن منتجات أنيقة وراقية ومستدامة ابتكرها حرفيون متمرّسون".

 


 

مخاطبة الأجيال الشابة

لكن كيف تتم مخاطبة أجيال شابة كل ما حولها رقمي؟ يفيد جوهيل أن "العلامات الفاخرة انتهجت أساليب تسويق مختلفة عن تلك التقليدية، حيث لجأت مثلاً إلى التسويق الرقمي التي لا تقتصر فقط على التسوق عبر الإنترنت والهواتف المحمولة، إنما تتمحور حول التجارب الملموسة والقصص التي ترويها الدور الراقية، وهو ما تقوم به Montblanc".

يتابع شارحاً: "يبثّ سرد القصص الحياة في أدوات الكتابة من خلال تفاصيل التصميم الدقيقة، والألوان، والمواد التي تجعل من هذه الأدوات قطعاً استثنائية تجذب هواة وعشاق الأقلام وتدفعهم لاقتنائها. ويؤثر العامل العاطفي غالباً على خيارات العملاء، إضافة إلى كونه يناسب شخصياتهم، وطموحاتهم، وشغفهم واهتماماتهم. وانطلاقاً من إلتزامنا بالفنون منذ 27 عاماً، تعتمد الدار على أسلوب سرد القصص تقديراً لعالم الفنون والثقافة. ولعل أحد أبرز الأمثلة على ذلك أحدث مجموعاتنا التي تضم مجموعة Disney Characters الخاصة التي نكرّم من خلالها حياة وأرث راوي القصص والحكايات، ومبدع شخصية ميكي ماوس الشهيرة". ويضيف: "كما نستقي إلهامنا من المؤسسين حيث تجسّد مجموعة StarWalker الحديثة روح المؤسسين والتي رفعت عالياً جداً سقف الإبداع من خلال مظهرها العصري والمواد المبتكرة المستخدمة فيها".

 

 

"الفن الرفيع"

وعن أكثر ابتكارات الدار رواجاً في الشرق الأوسط، يلفت جوهيل إلى أن "مجموعة High Artistry  تجذب هواة جمع جدداً عاماً بعد عام، كونها تحظى باهتمام فئة عمرية من العملاء أصغر سناً. إضافة إلى وجود طلب كبير على القطع النادرة والحديثة في الشرق الأوسط أكثر من مناطق أخرى في العالم. وتواكب الدار هذا الاهتمام المتزايد باقتناء منتجاتنا من خلال عرض واحدة من أكبر مجموعات أدوات الكتابة High Artistry في العالم في متجرنا في دبي مول. ويتابع: "كما لا تزال مجموعة Meistertück الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء العالم، وأكثرها شهرة كذلك. فهذا القلم الذي تم ابتكاره في العام 1924، تسعى الشخصيات القيادية البارزة والمشاهير في جميع أنحاء العالم لاقتنائه، ويعد هدية مثالية للمناسبات الخاصة، وينقل من جيل إلى آخر".

ويختم جوهيل رداً على سؤال عن أهم أسواق الدار في المنطقة مشيراً إلى أن "لكل سوق في المنطقة قاعدة من عملاء أدوات الكتابة، إلى جانب قاعدة هواة الجمع في كل من الكويت والسعودية والإمارات". ويلفت إلى أن "دبي تبقى سوقاً إستراتيجية بالنسبة إلى الدار، حيث يضم متجرنا فيها أكبر مجموعة من القطع الفنية رفيعة المستوى، والاستثنائية، وذات الإصدار المحدود والخاص، إلى جانب الإصدارات الفريدة المؤلفة من قطعة واحدة أو اثنتين فقط على مستوى العالم".