خطة التعافي اللبنانية: عودة حكمية الى بيت "المؤسسات" واقتراحات بديلة لنحر المودعين والمصارف

  • 2022-06-04
  • 12:58

خطة التعافي اللبنانية: عودة حكمية الى بيت "المؤسسات" واقتراحات بديلة لنحر المودعين والمصارف

  • علي زين الدين

اختارت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في آخر جلساتها الدستورية، "أن لا تأتي متأخرة" في المصادقة على خطة التعافي الاقتصادي والمالي قبل تقييد حركتها بمفهوم "تصريف الأعمال" بالنطاق الضيق، إنما هي استعجلت في الوقت عينه، إغفال الشروط المبدئية لإعداد صياغة مكتملة تحظى بتوافق داخلي عريض بمكوّناته السياسية والاقتصادية والنقابية والاجتماعية، بصفتهم المعنيين دون غيرهم بالمقاربات العلاجية والنتائج المصاحبة والمحصلة بنهاية المطاف.

والأنكى أن الفريق الاقتصادي الحكومي غاب تماماً عن المشهد المطلوب في طرح التوجّهات الأساسية في ميدان النقاش المجتمعي، مكتفياً بإطلالات، أفاضت بإشارات وتلميحات أثارت الهلع في محطة كلام ملتبس عن إفلاس الدولة ومصرفها المركزي، ما استدعى تفسيرات لاحقة لتبيان القصد بين السيولة والملاءة، ثم انكشف لاحقاً أن القصد الحقيقي والذي يكمن في تبرير تنصّل الدولة وكامل القطاع العام الشامل لمصرف لبنان من أي مسؤوليات قانونية أو مادية أو محاسبية أو رقابية عن الفجوة المالية المقدرة من الفريق عينه بنحو 73 مليار دولار.

ومع اقتضاء التنويه، بأن الالتباس الكبير وتعثر إدارة الملف سبقا تبنّي الخطة رسمياً، وتكرّسا بعد مرورها بما يشبه الخلسة غير المنظمة. وحتى لم تتجشم الحكومة عناء تبرير الفشل المحقّق في التزام إقرار الشروط المسبقة، ولاسيما التنسيق المباشر مع الكتل الوازنة في المجلس النيابي السابق بهدف إقرار مجموعة مشاريع قوانين مالية ومصرفية ذات أولوية وفي مقدّمها مشروع موازنة 2022، ومشروع وضع ضوابط على حركة التحويلات ومشروع التعديلات على قانون السرية المصرفية وسواها.

ولم يكن مفاجئاً، ان تتلقى الخطة العصي الأولى من بيت أبيها، حيث ظهرت اعتراضات صريحة من قبل أطراف محورية في تشكيلة مجلس الوزراء، ثم تطوّر الموقف عينه تصعيداً لاحقاً بإضافة هالة "القدسية" على حقوق المودعين في المصارف، إثر انكشاف زيف الادعاء بالتوجّه لحماية 90 في المئة منها، بينما الحقيقة الساطعة أن الوعد يطال 90 في المئة من أعداد المودعين ولا يقدم أي ضمانات لحقوقهم البالغة نحو 34 مليار دولار، لقاء تعريض نحو 70 مليار دولار من الحقوق للتبخير المصطنع على مذبح تنصل الدولة من مسؤوليات عجوزات الموازنات والهدر والمحاصصة والفساد والاستدانة، وفي المقدمة قطاع الكهرباء وحشو القطاع العام والمحسوبيات والمجالس على مدى كل السنوات السابقة.

ما هو واضح ويتأكّد مجراه يوماً بعد يوم بالمعطيات والمواقف، أن رحلة الخطة "تجمّدت" على صيغة المصادقة الملتبسة. وما من إشارة إلى انسيابها مجدداً ضمن المسار المحدد من حكومة "منتهية الصلاحيات" في مرحلة متخمة بالاستحقات الدستورية التي تشمل السلطات المركزية كافةً، بدءاً من المجلس النيابي الجديد وانتهاءً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبينهما بحث منتظر النتيجة في امكانية تأليف حكومة جديدة او إقرانها بانطلاقة عهد جديد بعيد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون بنهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

في الترقبات الأقرب إلى الموضوعية وإلى احترام نتائج الاستحقاقات التي تعبق بتحولات جدية في المشهد الداخلي العام، ستسلك خطة التعافي الاقتصادي والمالي التي "تشاطرت" حكومة ميقاتي في تمريرها، خطّ الرجوع  إلى مؤسسات القرار الرسمي وإلى دائرة الضوء والتشريح، بعدما احتدّت الخشية من منهجيتها الانكارية للحقائق والمسؤوليات وتوسعت دائرة الاعتراض والرفض للمقاربات وللاقتراحات الواردة في متنها لتشمل الشريحة الأعظم من مكوّنات البلد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتؤكد مراجع مالية ومصرفية معنية ومتابعة، أن "التهريبة" تلقّت أساساً صدمة استثنائية مع التغيير النوعي الذي أفرزته نتائج الانتخابات النيابية، ووقعت بالتالي في "مصيدة" الحكومة عينها التي حاولت عبثاً استباق النتائج والزمن معاً. وبذلك، فمن المتعذّر إفلاتها طالما لم تقترن بموافقات حكمية من قبل مجلس النواب المولج بإقرار مشاريع قوانين تشكّل شروطاً مسبقة وضعتها المؤسسة الدولية، وتغطية توافقية عريضة من مكوّنات المجتمع وقطاعاته الحيوية من السلطة، مع توقع علو صوت وكعب النفس التغييري والاعتراضي داخل المجلس الجديد، ولو كانت أكثريته التصويتية خاضعة لاعتبارات لم تنضج بعد.

واذ سبق للهيئات التمثيلية للقطاع الخاص عموماً ولجمعيتي المصارف والتجار خصوصاً الإدلاء بمواقف حازمة بيّنت في جانب منها حقيقة الانحرافات التي تتضمنتها الخطة. بدت الصورة أوضح مع انكشاف توق الفريق اللبناني الى "الانصياع" المسبق لرغبات الصندوق ووصفاته التقليدية، بل إن خطة التوغل أكثر في "التخفّي" وصمّ الآذان والترويج لمعادلة ان "ما كتب قد كتب"، فضحتها الصيغة النهائية وما حفلت به من سياقات يغلب عليها الطابع الانشائي، وصحّة التسريبات بأنها "شبه" الترجمة بواسطة "غوغل " لملاحظات ومداخلات وردت كتابياً وشفهياً من قبل أعضاء فريق الصندوق المفاوض مع الجانب اللبناني.

في المستجد التصويبي الذي رصده موقع "أولاً – الاقتصاد والأعمال"، تحدّث مصرفي كبير عن اقتراحات مبنية ومستخلصة من منهجيات علمية وموضوعية يمكن أن تتم بلورتها وحشد التأييد لها من كل المرجعيات والمكونات المعنية. والأصل فيها التخلّي تماماً ونهائياً عن "الشغف" بتقديم المودعين والجهاز المصرفي كبش فداء على مذبح اتفاقية البرنامج الموعود مع صندوق النقد الدولي، واستبداله بأصل توزيع عادل للمسؤوليات وللاعباء وبتهيئة افضل المناخات لتضامن منتج بين المعنيين كسبيل لشراكة ضرورية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع عموماً الواقع بأغلبيته تحت خط الفقر.

وبرزت في هذا السياق مداخلة نوعية حملت توقيع أمين عام جمعية المصارف د. فادي خلف، ومذكرة طوعية بادر إلى ترتيبها وزراء سابقون واقتصاديون وخبراء. وفي المحطتين يتجلّى بُعد نظر من أهملت الحكومة محاورتهم ومناقشتهم فيما استخلصت من نصوص مشوّهة يغلب فيها طابع الانشاء والتمنيات على التفكير المنهجي والابداعي المطلوب بقوة في حال الأزمة، فكيف بحالة الانهيارات الشاملة في البلد المنكوب.

مداخلة المصارف

في المقاربة المنسوبة الى مصرفي كبير وموقعة باسم خلف، "هناك طريقتان لحل العقد، إمّا بقطعها أو باجتراح الحلول ولو ببعض العناء. ذلك إن استسهال شطب الودائع لم ولن يكون يوماً هو الحل الأنجح. إن الاقتطاع من مدّخرات المواطنين عبر خطة تشطب ما يزيد على 75 في المئة من الودائع وذلك لتغطية فجوة 60 مليار دولار في مصرف لبنان، والتي هي من مسؤولية الدولة أصلاً، لن تلقى إلا الرفض من قبل المودعين والمصارف في آن معاً".

المقترح

- تتعهد الدولة منذ الآن بتخصيص 20 في المئة من صافي المداخيل من الغاز والنفط لتغذية صندوق يُنشأ خصيصاً لهذه الغاية Special Purpose Vehicle (SPV).

- يُعطى لكل مودع حصص في هذا الصندوق بنسبة مئوية تتناسب مع حجم وديعته المصرفية.

إيجابيات هذا الطرح

- عدم إعدام الودائع بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

- عدم تحميل الدولة أية مصاريف هي عاجزة عن تحمّلها في الوقت الحاضر.

- تحصين 20 في المئة من مداخيل الغاز والنفط ضد سطوة المحسوبيات والفساد السياسي.

- إبقاء الأمل للمودع ليس فقط باحتمال استعادة مدّخراته إنما بتحقيق أرباح في حال اكتشاف كميات تفوق تلك المتوقعة حالياً أو في حال ارتفاع سعر الغاز والنفط عالمياً.

- إفساح المجال لكل اللبنانيين للمشاركة والاستثمار في ثروتهم النفطية.

- السماح لمَن هو مستعد للتخارج من وديعته عبر الأسواق المالية أن يُسيِّل حصته مع حسم تحدده السوق.

- تشجيع الاستثمارات الأجنبية والتدفقات المالية بالعملات الأجنبية إلى لبنان في حال قررت صناديق الاستثمار العالمية شراء الحصص في هذا الصندوق.

- تنشيط الأسواق المالية اللبنانية في حال تداول هذه الحصص عليها.

- الإبقاء على 80 في المئة من مداخيل الثروة النفطية لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية.

وفي الخلفية، "الأمل كبير باكتشاف الغاز على شواطئنا وإلا لَما كان هذا النزاع على مياهنا دولياً وإقليمياً. كما إن مُسوحات عدة قامت بها شركات متخصصة من ضمنها شركة Spectrum  النروجية تُقَدِّر احتياطي الغاز في مياه لبنان الإقليمية ما بين 25 إلى 96 تريليون قدم مكعب ما عدا المخزون النفطي المتوقع أيضاً. وبالتالي، إن الثروة من غاز ونفط قد تتراوح ما بين 300 إلى 1000 مليار دولار. ومع احتساب حصة لبنان الصافية بنحو 50 في المئة من الإنتاج العام، هذا يعني أنّ المداخيل الصافية المتوقعة للبنان قد تتراوح ما بين 150 إلى 500 مليار دولار".

وفي الخلاصة، مهما كانت نتائج هذا الطرح، أقلّه هو يساعد على حماية 20 في المئة من مداخيل النفط وان كان يترك 80 في المئة منها عرضة للفساد المستقبلي في حال لم تصطلح الأمور في هذا البلد. فأنقذوا مداخيل النفط والغاز عوضَ شطب مدّخرات الأجيال الحالية والمقبلة. فاللبنانيون لم ينسوا بعد خسارة مدّخراتهم خلال أزمة الدولار في الثمانينات، ولا تكلمونا بعد عن استعادة الثقة في حال أُعيدت الكرّة مرّة ثانية.

مذكرة الوزراء والخبراء

بالتوازي، توجّه وزراء سابقون وأكاديميّون واقتصاديون، من بينهم الوزير السابق للاقتصاد التجارة سمير المقدسي، والوزير السابق للمالية جورج قرم، ولينا التنّير أستاذة إدارة الأعمال، وسواهم، بكتاب مفتوح إلى أعضاء المجلس النيابي الجديد، حول خطة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي التي أقرّها مجلس الوزراء بتاريخ 20 أيار/مايو 2022، وضمنوها استراتيجية الحكومة للنهوض بالقطاع المالي.

وفي الخلاصات المقترحة: "إن الطريق الأسلم والأفضل لصيانة حقوق المدّخرين والحفاظ على مستقبل النظام الاقتصادي اللبناني، يكمن في اعتراف مصرف لبنان بديونه بالعملات الأجنبية والالتزام بتسديدها بالعملة نفسها في آجال محدّدة خلال السنوات المقبلة، ضمن جدول زمني معلن وذي صدقية، ويمكن إعادة النظر بهذا الجدول الزمني تباعاً في ضوء تطوّر الوضعية المالية لمصرف لبنان.

مقابل ذلك، وبالتوازي مع الإصلاح المصرفي، ينبغي على المصارف وضع جدول زمني مواز لتسديد ودائع زبائنها بالعملات الأجنبية، بما يحافظ على مصداقية نظامنا المصرفي وثقة المدّخرين اللبنانيين وغير اللبنانيين بمؤسّساته.

إضافة إلى ذلك، تم اقتراح اعتماد بعض أو كل الإجراءات التالية:

- فرض ضريبة تصاعدية استثنائية على الفوائد المقبوضة خلال فترة 2017-2019، عندما أدّت سياسة مصرف لبنان إلى رفع الفوائد على الودائع في لبنان إلى مستويات تفوق كثيراً مستويات الفوائد في الأسواق العالمية.

- خلق صندوق للتضامن تديره مجموعة مستقلة ذات خبرة، يتولّى إدارة بعض موجودات الدولة (لا بيعها)، وتساهم عائداته جزئياً في تسديد ديون مصرف لبنان للمصارف، بما يمكّن المصارف من برمجة تسديد ودائع زبائنها. ويمكن الاعتماد على مصادر أخرى كالهبات لتعزيز مالية هذا الصندوق.

- تحديد فترة معينة لتسديد الودائع خلال سنوات عدة، على أن يعاد النظر بهذه المدّة بعد سنة من بدء تنفيذ خطّة التعافي. إن هذه الخطوات كفيلة بجعل برنامج الإصلاح المالي أشدّ وضوحاً وأكثر قدرة على تحقيق أهدافه، وإقناع المودعين بالعملات الأجنبية في المصارف بأن ودائعهم موضع رعاية واهتمام، وأن بمقدورهم استعادتها خلال فترة زمنية محدّدة.