ميزانيات دول الخليج 2020: التركيز على تنويع الاقتصاد وكفاءة الانفاق

  • 2020-01-19
  • 05:24

ميزانيات دول الخليج 2020: التركيز على تنويع الاقتصاد وكفاءة الانفاق

  • دائرة الأبحاث

"ميزانية قياسية"، بهذا الوصف سبغت حكومات الدول الخليجية ميزانياتها للعام 2020.  

في الظروف المنظورة لأسواق النفط -وما لم يحدث أي تطور أمني يؤثر على الإمدادات -فإن الدول الست تبدو ميالة إلى زيادة الإنفاق الاستثماري بهدف الحفاظ على معدلات نمو مقبولة وتحريك الاقتصاد وتوفير فرص العمل للمواطنين.

في المقابل، يلاحظ توجه معظم الحكومات إلى  التزام الحيطة في الإنفاق على المصاريف التشغيلية بهدف خفض العجز ومتابعة الإصلاحات المالية والاقتصادية الجارية على قدم وساق.

ومع الاستمرارية في السياسات المالية، هناك تعديلات ظاهرة بحسب وضع كل بلد كما في تحول الإمارات بوضوح إلى الإنفاق على الشأن الاجتماعي، أو توجّه عمان للاقتراض الخارجي لدعم برنامج تخفيف الاعتماد على النفط في نهاية العام 2020 أو تحول المملكة إلى خلق صندوق سيادي عملاق توكل إليه مهمة القيادة المالية لخطط التحول الاقتصادي والاجتماعي في المملكة. 

وبصورة عامة فقد تحوّل اهتمام الحكومات في الخليج في السنوات الأخيرة من الإنفاق التقليدي أو الكمي إلى الاعتناء بمعايير الأداء والإنتاجية وتطوير نوعية الحياة للمواطنين والاهتمام بالتعليم وتأهيل العمالة المحلية، وبالتأكيد تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد التقليدي على النفط.  وهذه الرؤية يتم متابعتها بصورة حثيثة في المملكة السعودية وفي إمارة دبي وسلطنة عمان والبحرين وهي انعكست بتبديل شامل لوظيفة الميزانية الحكومية وإصلاح جذري لبيئة الأعمال وأسواق المال واستكمالا للتشريعات الأساسية في مجالات الإقراض السكني بالرهن والسوق المالية وسوق العمل.

هنا بعض الملاحظات الجديرة بالتسجيل عند التمعن في ميزانيات دول الخليج للعام 2020:

المملكة العربية السعودية: بالنظر إلى حجمها وضخامة مواردها وكذلك برامج التحول الاقتصادي الطموحة التي التزمت بها فإن المملكة العربية السعودية تتصدر دول الخليج في حجم الاستثمارات والإنفاق العام مستأثرة بالحصة الأكبر بقيمة 47 مليار دولار. وتسعى السعودية إلى ضخ استثمارات ضخمة في القطاعات الاقتصادية الحديثة مثل الترفيه والسياحة وغيرها من مبادرات رؤية 2030 بما في ذلك تطوير المدن الجديدة والصناعة السياحية وقطاع النقل واللوجستية مع تخصيص دعم كبير لقطاع الإسكان.

سلطنة عمان: تسير سلطنة عمان على الخطى نفسها لتنويع الاقتصاد وهي كانت أصدرت تشريعات عدة تستهدف حفز القطاع الخاص على الاستثمار وجذب الاستثمار الاجنبي وتحسين بيئة الاعمال. واعتمدت السلطنة ميزانية توسعية تمثلت بمضاعفة القيمة المخصصة للمشاريع الاستثمارية إلى 14 مليار دولار في العام 2020 إلا أن الخطة العمانية بنيت على تمويل جزئي للاستثمارات الحكومية عبر قروض خارجية قد تصل إلى 5.2 مليار دولار. وتعتمد السلطنة خطة تقضي بخفض الاعتماد على النفط والغاز من 44% إلى 22% في العام 2020.

دولة الإمارات: أعلنت دولة الإمارات عن ميزانية قياسية للاتحاد بلغت نحو 61.5 مليار درهم (نحو 16.7 مليار دولار) لكن خصص القسم الأكبر منها (37.5 % من إجمالي الإنفاق) للخدمات والمنافع الاجتماعية و14 % للاستثمارات في البنى التحتية ويشير هذا التخصيص إلى درجة عالية من النضج والتشبع النسبي في العديد من قطاعات الاقتصاد وخصوصا البنى التحتية، والتفات الدولة بالتالي إلى إعطاء الأولوية لرفع مستوى المعيشة والخدمات المقدمة للمواطنين في السنوات المقبلة.

دولة الكويت: أعلنت الحكومة الكويتية عن ميزانية العام المالي الجديد الممتد من أبريل 2020 وحتى نهاية مارس 2021 والتي تتضمن زيادة الانفاق الاستثماري بنسبة 10 في المئة لتلامس 11 مليار دولار أميركي وهو ما يمثل نحو 16 في المئة من مجموع النفقات. وتهدف الحكومة من خلال هذا الاجراء إلى دعم النمو الاقتصادي وبدء تطبيق مشاريع رؤية 2035.  

إلى ذلك، تشير البيانات التقديرية لكل من البحرين وقطر توجه هذه البلدان للحفاظ على نفس مستوى الانفاق الاستثماري للعام السابق في الوقت الذي يتطلع فيه المستثمرون إلى تسريع وتيرة تلزيم المشاريع الحكومية والتي تعتبر المحرك الأبرز للاقتصاد الوطني.

من ناحية النفقات التشغيلية، تستمر الدول الخليجية بالعمل على رفع كفاءة الخدمات الحكومية وترشيد الانفاق العام وتطوير نظام وآليات المشتريات الحكومية، وتتجه بعضها إلى تحديد أسقف النفقات للجهات المعنية دون المس بالنفقات الأساسية. ومن المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى خفض النفقات التشغيلية بنحو 2 في المئة إلى 383 مليار دولار مدعومة بتراجع الانفاق التشغيلي في السعودية وعمان.

وعلى الجهة المقابلة، تتوقع التقديرات الرسمية انخفاض إيرادات الدول الست بنحو 4 في المئة إلى 404 مليار دولار نتيجة تراجع الإيرادات النفطية. وتواصل هذه الدول سعيها إلى تنويع مصادر الإيرادات وخفض الاعتماد على الموارد النفطية. مثلاً من المتوقع أن تنخفض مساهمة الإيرادات النفطية إلى 61.5 في المئة من 65.6 في المئة في السعودية، وإلى 71.9 في المئة من 73.7 في المئة في عمان.

وتم إعداد جميع الميزانيات استناداً على أسعار نفط أقل من الأسعار الحالية. وفي حين لم تفصح جميع الدول عن أسعار النفط المعتمدة في ميزانياتها، بنَت عمان تقديراتها على أسعار نفط 58 دولار للبرميل، أما قطر فقد اعتمدت على متوسط 55 دولار.

وبالتالي، تظهر البيانات المجمعة لدول مجلس التعاون الخليجي ارتفاع العجز المتوقع في ميزانيات العام 2020 بنحو 23 في المئة ليبلغ 81 مليار دولار أميركي. ولكن مع ارتفاع أسعار النفط في بداية 2020 نتيجة التوترات الجيوسياسية، قد تنخفض قيمة العجز الفعلي في ميزانيات 2020. وسيتم تغطية العجز من خلال السحب من الإحتياطي العام وإصدار المزيد من الصكوك والسندات الحكومية.