الكويت تدعم مناخ الشفافية بمنظومة فاعلة لردع الفساد

  • 2020-08-06
  • 16:17

الكويت تدعم مناخ الشفافية بمنظومة فاعلة لردع الفساد

محاسبة أسماء كبيرة ومسؤولين

  • رشيد حسن

يشكل ما يجري في الكويت لجهة محاسبة شخصيات مهمة بتهم الفساد تطوراً كبيراً يؤسس لإرساء تقاليد حكم ومحاسبة أكثر شفافية، تضع حداً لشعور الحصانة أو الاحتماء بالمواقع السياسية أو المكانة الاجتماعية للتهرب من الحساب. وقد يكون النظام الكويتي المتميز بحرية التعبير وبالدور الرقابي لمجلس الأمة، ساهم في تسليط الضوء على بعض المخالفات الجسيمة وأعمال التعدي على المال العام، لكن الذي لفت الانتباه في المدة الأخيرة هو تحرك الدولة على أعلى المستويات السياسية بدءاً بأمير البلاد ومروراً بالحكومة وانتهاء بالقضاء والهيئة العامة لمكافحة الفساد، وذلك في جهد غير مسبوق لوضع قضية مكافحة الفساد المساءلة القانونية في رأس جدول الأعمال. وتم في ذلك السياق وللمرة الأولى استهداف شخصيات بارزة في النظام وإسقاط حكومة وحجب الثقة عن وزير للداخلية وتوقيف شخصيات والحجز على أموالها أو منعها من السفر، كما تم في السياق نفسه، تفعيل الهيئة العامة لمكافحة الفساد التي تأسست مطلع العام 2016 (نتيجة لانضمام الكويت الى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد) لكن لم تباشر أعمالها فعلياً إلا في سياق التطورات الأخيرة.

 

توالي الأنباء عن تورط بعض المسؤولين

يساهم في تسريع قيادة جديدة لـ "نزاهة"

 

وساهم توالي الأنباء عن تورط بعض المسؤولين وتصاعد الانتقادات الإعلامية والبرلمانية لظاهرة الفساد في تسريع تعيين قيادة جديدة للهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة)، كما حفز القضاء الكويتي، وخصوصاً النيابة العامة لتكثيف التحريات والتحقيقات، وصدرت بيانات من مختلف المصادر الحكومية تشدد على الشفافية وعلى التزام الدولة متابعة الحملة على الفساد من دون هوادة.

في حزيران/يونيو الماضي أصدر المدعي العام الكويتي قراراً بمنع سفر الشيخ صباح جابر المبارك إبن رئيس الوزراء السابق وأولاده القصّر مع الحجز على أموالهم، كما بدأت الجهات القضائية الكويتية في 14 تموز/يوليو الملاحقة القانونية لعدد من نجوم وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة تبييض الأموال وذلك بعد أن تلقت تلك الجهات بلاغات من المصارف بتضخم غير واضح الأسباب لحساباتهم البنكية.

وتمّ قبل ذلك، توقيف النائب البنغلادشي محمد شهيد إسلام بتهمة الاتجار بالبشر بالاتفاق مع بعض المسؤولين، ولفت الانتباه في هذا السياق، صدور تصريحات من أعلى المستويات تشدد على جدية الحكومة الكويتية في ملاحقة أعمال الفساد، من ذلك تصريح لرئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح أعلن فيه أنه لن يسمح لأي كويتي بالاحتماء بمركزه للإفلات من العقاب في قضايا الفساد والاعتداء على المال العام. وكشف وزير العدل الكويتي فهد العفاسي أن الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت (نزاهة) تلقت نحو 280 شكوى أو بلاغاً حول قضايا فساد، وإن 59 من هذه الشكاوى يتم التحقيق فيها من قبل السلطات الرقابية بينما تم تحويل 38 منها إلى النيابة العامة.

 

دور المصارف في كشف الفساد

من الأمور التي لفتت النظر في ملف مكافحة الفساد في الكويت، الدور الذي لعبته البنوك الكويتية نفسها إلى جانب فروع البنوك الأجنبية التي استخدمت في تحويلات الأموال غير الشرعية في الإبلاغ عن الحركة المشبوهة للتحويلات، وهو أمر ساهم في تتبع العمليات المالية والتأكد من طبيعتها وتوفير الأدلة على مصدرها، وأظهرت ملابسات فضيحة الصندوق الماليزي وكذلك الارتكابات المالية الاخرى الصعوبة المتزايدة التي باتت تواجهها الجهات المتورطة بالفساد في تحويل الأموال وتداولها عبر النظام المصرفي العالمي.

 

دور متزايد لـ "نزاهة"

قامت الكويت بتأسيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) في مطلع العام 2016 كهيئة مستقلة وكاستجابة لمتطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي نصت في المادة السادسة على أن "تكفل كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وجود هيئة أو هيئات تتمتع باستقلالية وتعطى الصلاحيات لرصد عمليات الفساد والتدخل لمنع حصولها. لكن رغم استكمال متطلبات العمل في الهيئة فإنها لم تشهد تفعيل عملها إلا في خضم الضجة الواسعة التي أثارتها أنباء تورط مسؤولين في عمليات اختلاس كبيرة للمال العام أو في المساعدة على تبييض الأموال الناجمة عن قضية اختلاسات الصندوق الماليزي، وبذلك، صدر في يونيو الماضي مرسوم أميري بتعيين رئيس وأعضاء الهيئة، وجرى اختيار عبدالعزيز عبداللطيف الإبراهيم رئيساً لها وبدأت الهيئة بصورة نشطة تلقي البلاغات والشكاوى في حالات الفساد والتحقيق فيها أو تحويل بعضها إلى النيابة العامة.

آليات عمل "نزاهة"

وتم تصميم "نزاهة" بما يضمن استقلاليتها والوقت الكافي لها للعمل وملاحقة الشكاوى واتخاذ الإجراءات المناسبة، وعلى سبيل المثال يفترض في أعضاء ورئيس الهيئة أن يكونوا متفرغين للعمل وأن لا يقل عمل الواحد منهم عن 40 عاماً وأن لا تكون لهم أعمال أخرى أو مداخيل أو مصالح خاصّة.

وتتولى الهيئة رسم السياسة العامة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها كما إنها ترفع إلى مجلس الأمة ومجلس الوزراء تقارير دورية حول النشاطات ذات الصلة بمكافحة الفساد تشرح العقبات وتقترح الإجراءات الآلية لتحسين مناخ الشفافية.

لكن أحد أهم البنود الخاصة بعمل "نزاهة" هو تكليفها بنشر تقرير نصف سنوي يتضمن المعلومات والبيانات الخاصة كافة بجرائم الفساد بعد ثبوتها بحكم قضائي. والبند الأخير لافت من الناحية السياسية لأنه يتضمن دفع الشفافية في تحقيقات الفساد إلى حد وضع تفاصيل الحالات التي يصدر فيها حكم قضائي في تصرف الرأي العام وهذا في حدّ ذاته بدل على المدى التي تريد دولة الكويت الذهاب إليه في توفير الإجراءات التي تردع الفساد وتعاقب المتورطين فيه.