هل ينجح رهان السعودية على القطاع السياحي؟

  • 2020-07-02
  • 10:27

هل ينجح رهان السعودية على القطاع السياحي؟

حزمة من الإجراءات تكلّلت بصندوق خاص للتنمية السياحية

  • خطار زيدان

يعتبر قطاع السياحة من أبرز مصادر تنويع الدخل، التي تعوّل عليها المملكة العربية السعودية في الفترة المقبلة، تماشياً مع أهداف رؤية المملكة 2030، وتعمل المملكة على تحقيق تنمية سياحية مميزة ذات منافع ثقافية، اجتماعية، بيئية، واقتصادية، انطلاقاً من قيمها الإسلامية، وأصالة تراثها العريق وضيافتها التقليدية، كما تسعى المملكة إلى رفع مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني من نحو 3 في المئة حالياً إلى نحو 10 في المئة في حلول العام 2030، وقد جاء أخيراً  الإعلان عن تأسيس "صندوق التنمية السياحي"، بموجب مرسوم ملكي، برأس مال 15 مليار ريال (مع إمكانية زيادته بقرار من مجلس الوزراء، وبناء على اقتراح صندوق التنمية الوطني، الذي يرتبط تنظيمياً به)، ليؤكد هذا الاتجاه ويضعه على السكّة الصحيحة.

ولا شك أن توقيت الإعلان عن تأسيس الصندوق مع بدء الخروج من أزمة كورونا (كوفيد- 19) وتداعياتها، ومع انخفاض أسعار النفط وانعكاسه السلبي المرتقب على الاقتصاد السعودي، والتحديات العالمية الكبيرة، جاء ليبعث برسالة اطمئنان بغد أفضل لقطاع شُلّت قدراته خلال الفترة الماضية، وهو يدلّ أيضاً، كما قال وزير السياحة أحمد الخطيب، الذي يرأس أيضاً مجلس إدارة الصندوق، على ثقة المستثمر والقطاع الخاص بالنظرة المستقبلية الطويلة الأمد للسياحة في السعودية، كما اعتبر المتخصصون والخبراء في هذا القطاع أن الصندوق سيسهم في تأمين التمويل الحكومي للمستثمرين كما سيساعد على استكمال القطاعات السياحية المهمة التي ستحقق لهم العوائد المجزية، إضافة إلى تحقيق أهداف التنمية السياحية والاقتصادية والخدمية.

سيبدأ الصندوق مهامه في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وهو يهدف إلى دعم التنمية السياحية في المملكة، وسيكون له جميع الصلاحيات اللازمة لتحقيق أغراضه، وفق ما تقضي به الأنظمة، مثل الاستثمار، وتملّك الأصول والتصرف فيها، والاستثمار في الأوراق المالية، والمساهمة في تطوير المناطق السياحية في المواقع التي يستهدفها بشكل مباشر، أو من خلال عقد شراكات مع القطاع العام أو القطاع الخاص. ويقدم الصندوق التمويل إلى المنشآت التي تعمل في مجال السياحة، أو في الخدمات المساندة، أو في تطوير التقنية والبنى التحتية التي تخدم الأنشطة السياحية المختلفة، ويقدم الضمانات إلى الجهات المرخّصة من "مؤسسة النقد العربي السعودي"، وفق ضوابط يضعها المجلس.

 

من هيئة إلى وزارة للسياحة.. وباقة من المشاريع العملاقة

 

كان قد سبق تأسيس المجلس تحويل "الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني" إلى وزارة سياحة في نهاية شباط/فبراير 2020 بهدف تسهيل تنمية مستدامة وناجحة لصناعة السياحة في المملكة وتوفير توجه واضح لها، والعمل من خلال الشراكة الوثيقة مع رواد الصناعة والشركاء لإيجاد وتهيئة مناخ تستطيع هذه الصناعة الناشئة من النمو والتطور، إضافة إلى دورها في تعزيز قدرة قطاع الآثار والتراث الوطني والمتاحف وحماية تلك الآثار، وتسجيلها، واستكشافها، والتنقيب عنها ودراستها، وتطوير المتاحف والتراث العمراني، وزيادة المعرفة بعناصر التراث الثقافي في المملكة، وإدارة التراث الوطني والآثار والمتاحف بشكل فعّال، وتهيئة الموارد الثقافية ليتم تطويرها وعرضها على أفراد المجتمع في إطار تعزيز السياحة الثقافية، وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في مشاريع الآثار والمتاحف.

ويعتبر تأسيس "الهيئة العامة للترفيه" في شهر أيار/مايو من العام 2016، باكورة لأهم المبادرات المنبثقة من رؤية 2030، والتي تهدف إلى تنظيم وتطوير وتنمية قطاع الترفيه ودعم بنيته التحتية بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ما ينعكس إيجاباً على القطاع السياحي بشكل عام.

كما إن "صندوق الاستثمارات العامة" كان قد باشر في تنفيذ وتطوير مجموعة من المشاريع العملاقة في قطاع السياحة والضيافة، التي أطلقها ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود في العام 2017، وأبرز هذه المشاريع، مشروع نيوم (بقيمة 500 مليار دولار أميركي، يمتد على مساحة 26,500 كيلومتر مربع)، ومشروع البحر الأحمر (مشروع سياحي ترفيهي وتجاري، يمتد على مساحة 28 ألف كيلومتر مربع)، ومشروع القدية (على مساحة 334 كيلومتراً مربعاً، ويعتبر أكبر مشروع ترفيهي ثقافي ورياضي في العالم)، ومشروع داون تاون جدة، إضافة إلى إطلاق الصندوق في العام 2018 لمشروع "أمالا" السياحي على البحر الأحمر (يمتد على مساحة 3,800 كيلومتر مربع، بقيمة مليار دولار أميركي)، ومشروع "العلا" (يتوقع أن يستقطب أكثر من مليوني زائر في حلول 2035 ويمتد على مساحة 925 كيلومتراً مربعاً)، وغيره....

 

نشاطات ترفيهية تتزامن مع تأشيرة سياحية الكترونية لمواطني 49 دولة

 

إضافة إلى هذه المشاريع العملاقة في البنى التحتية والمرافق السياحية والثقافية والرياضية، فإن مجموعة من النشاطات الترفيهية والثقافية كانت قد بدأت تعم مختلف مناطق المملكة قبل أزمة كورونا، وساهمت في رفع نسبة الإشغال في الفنادق الى معدلات قياسية وصلت إلى 100 في المئة، كما تبذل المملكة جهوداً كبيرة للحفاظ على التراث المادي والمعنوي، وتضم أرضها مئات المواقع الثقافية والتراثية من بينها 5 مواقع مدرجة ضمن قائمة منظمة اليونسكو العالمية، والتي تعدّ المملكة عضواً مؤسساً فيها، وعضواً في مجلسها التنفيذي المنتخب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

ومن بين أهم الإجراءات الجديدة التي اتخذتها حكومة المملكة في وقت سابق، منح تأشيرة إلكترونية سياحية لمواطني 49 دولة من الذين يرغبون في زيارة المملكة، وعُبّر رسمياً عن الترحيب في استقطاب المستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار في الفرص الكبرى في قطاع السياحة.

 وتشير أرقام "المجلس العالمي للسفر والسياحة" أن عدد الزوار الأجانب إلى المملكة بلغ 7.17 ملايين زائر خلال العام 2018، بينما بلغت المساهمة الكلية لقطاعي السفر والسياحة في إجمالي الناتج المحلي 251 مليار ريال سعودي، ومن المتوقع أن يصل عدد الزوار إلى 30 مليوناً في حلول العام 2028، كما يتوقع أن تصل المساهمة في إجمالي الناتج المحلي إلى 400 مليار ريال سعودي.

 

التحديات

 

لا شك في أن المملكة العربية السعودية كثفت جهودها خلال السنوات الأخيرة واتخذت اجراءات مهمة وبادرت إلى الانفتاح بشكل واضح وبدأت في تطوير مشاريع عملاقة، كل ذلك بهدف وضعها في مصاف أبرز الوجهات السياحية والترفيهية والثقافية في العالم، وتنمية السياحة الداخلية، والاحتفاظ بالإنفاق على السياحة داخل المملكة، وخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، لكن أزمة كورونا جعلت من نتائج هذه الجهود في وضعية الانتظار، ولا أحد يعلم بعد متى يمكن الخروج نهائياً من نفق هذه الأزمة، ومتى سيتم القضاء كلياً على هذه الجائحة التي شلّت اقتصادات العالم بقطاعاتها كافة، وقد يكون قطاع السياحة والسفر من أكثر المتضررين، بسبب التوقف الكلي لرحلات الطيران وإقفال المطارات لفترة أربعة أشهر الماضية، غير إن الأمل كبير مع عودة تسيير الرحلات الداخلية بشكل تدريجي بين مطارات المملكة، منذ منتصف أيار/مايو الماضي، ما يبشّر بسياحة داخلية نشطة، خصوصاً أن الرحلات الدولية من وإلى مطارات المملكة الرئيسية لن تبدأ قبل منتصف الشهر الحالي وإلى جهات محدودة في البداية وستكون خاضعة لبروتوكولات معيّنة، كما إن عدداً  من التحديات التي لا بدّ من التنبه لها، والتي تتمثل بالمنافسة القوية من وجهات سياحية إقليمية، وضرورة تسريع وتيرة تطبيق الإصلاحات التنظيمية والاجتماعية وتدريب وتحضير عدد كاف من الكفاءات السعودية للعمل في هذا القطاع ومواكبة النمو المرتقب (في ظل قرار وزارة العمل في حصر بعض وظائف قطاع السياحة على السعوديين فقط) وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب والجاذب للقطاع الخاص، ولا شك أن القيادة السعودية مدركة لهذه التحديات وسبل معالجتها، لضمان استمرار النمو في قطاع السياحة في المملكة، وتحقيق الهدف المنشود في تنويع مصادر الدخل وتأمين الرخاء لأبناء الوطن.