جامعة الحكمة في لبنان: التعليم عن بُعد "دعسة ناقصة"

  • 2020-06-27
  • 11:12

جامعة الحكمة في لبنان: التعليم عن بُعد "دعسة ناقصة"

رئيس الجامعة إلى"أوّلاً- الاقتصاد والاعمال": تم اقتطاع 20 في المئة من رواتب الموظفين

  • كريستي قهوجي

 

تركت الأزمة الاقتصادية والمالية وأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد آثاراً سلبية هائلة على قطاع التعليم العالي في لبنان وخصوصاً على الجامعات الخاصة، كـ الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية وجامعة القديس يوسف، والتي عانت من تراجع كبير في مواردها المالية بالإضافة إلى تراجع نشاطها الأكاديمي وتسريحها لعدد كبير من موظفيها.

وعانت جامعة الحكمة خلال السنة الدراسية الحالية لناحية تأمين استمرارية التعليم لطلابها من جهة والمحافظة على مواردها المالية وأساتذتها وموظفيها من جهة ثانية، في ظل تراجع قدرة الطلاب وأهاليهم على دفع الأقساط الجامعية وعدم قدرة إدارة الجامعة على دفع رواتب أساتذتها وموظفيها بشكل كامل.

كما شكّل إغلاق الجامعة لأبوابها نتيجة إجراءات التعبئة العامة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية بسبب جائحة كورونا أزمة إضافية مع اعتماد مبدأ التعليم عن بُعد والتي اعتبرت إدارتها أنه أتى كدعسة ناقصة من حيث إعداد المعلّمين والطلاب لا على إتقان التكنولوجيا الحديثة وحسب، بل على الطرق التربوية الخاصة بهذا التعليم.

 

تداعيات كبيرة

 

عانت جامعة الحكمة كما باقي الجامعات الخاصة ومؤسسات التعليم العالي من أزمات لبنان المتتالية طيلة السنوات الماضية إلا أن الأزمتين الأخيرتين أثّرتا بشكل كبير على عمل الجامعة الأكاديمي. وفي هذا الإطار، يوضح رئيس جامعة الحكمة الأب خليل شلفون في حديث إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن هذه التأثيرات تمثّلت بعجز الطلاب وعائلاتهم عن دفع المستحقات المالية للأقساط الجامعية حيث إن الطالب الذي كان يعمل ويدفع قسط جامعته لم يعد يستطيع ذلك بعد أن فقد عمله أو نصف راتبه، مشيراً إلى أن الأمر يشمل أيضاً بعض الأهالي الذين فقدوا أعمالهم أو نصف رواتبهم ولم يعد بمقدورهم تسديد المتوجبات للجامعة.

ويضيف الأب شلفون أن من بين الآثار أيضاً عجز الجامعة عن شراء تجهيزات أكاديمية ضرورية للتعليم والتعلّم إن في المختبرات، أو في التكنولوجيا الحديثة للتعليم، أو في مكتبتها، أو في مشاريع التطوير الأكاديمي إلى غيرها من المشاريع والموارد الضرورية لتطوير الجامعة على الصعيد المؤسساتي والأكاديمي، مشيراً إلى عجز الجامعة  في الحفاظ على كلّ العاملين فيها إن من أساتذة متعاقدين أو من موظفين كانت تستخدمهم لتوسيع نطاق خدماتها، بالإضافة إلى اقتطاع نسبة 20 في المئة من رواتب كلّ العاملين من مدراء وأساتذة وموظفين، لأن عجز الأهالي والتلامذة الذين اعتادوا العمل والمساهمة في دفع الأقساط انسحب على ميزانية الجامعة.

 

 

الأب شلفون: جامعة الحكمة مستمرة بدعم طلابها

 

الإجراءات مستمرة

 

كانت جامعة الحكمة، ومنذ سنوات، تقوم بمساعدة الطلاب في تسديد أقساطهم بطرق مدروسة وبتقديم مساعدات مالية على شكل حسومات على الأقساط لكل الطلاب الذين ينتمون إلى عائلات من ذوي الدخل المحدود، بالإضافة إلى تقديمها حسومات إضافيّة للمؤسسات التربوية التابعة للحكمة (أبرشية بيروت المارونية)، وللمؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنيّة. ويؤكّد الأب شلفون أن الجامعة ستستمر بهذه الإجراءات لتؤمّن لكل طلابها الحق في التعلّم وفي شق طريق المستقبل ولو كان في الوقت الحاضر ضبابياً على كلّ الأصعدة، مضيفاً أنها سمحت لطلابها وبشكل استثنائي دفع 70 في المئة من قسطي الفصل الثاني وفصل الصيف.

وعلى صعيد الإجراءات التي ستقوم بها إدارة الجامعة تجاه الموظفين، يشير الأب شلفون إلى أن الجامعة تقوم سنوياً بتقييم شامل لعملهم، مؤكداً أنه سيضاف إلى هذا التقييم خلال هذه السنة ما ستفرضه المرحلة المقبلة إن من حيث عدد الطلاب المسجلين أو من حيت الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها حيث إنها قد تستمر في اقتطاع نسبة 20 في المئة شهرياً من رواتبهم، مشيراً إلى أنها ستبقي على الموظفين بقدر ما تستطيع الميزانية أن تتحمّله.

 

التعليم عن بُعد

 

مع دخول لبنان في دوّامة جائحة كورونا، اعتمدت وزارة التربية والتعليم العالي مبدأ التعليم عن بُعد لكل المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية بشكل عام مع ما رافقتها من تداعيات وظروف تقنية بسبب الانترنت من جهة وقدرة الطلاب على الاستيعاب وقدرة المعلمين على شرح دروسهم من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، يعتبر الأب شلفون أن نظام التعليم عن بُعد في لبنان لم يكن ضمن رؤية تربوية أكاديمية جماعية، بل أتى أمراً واقعاً بدأ مع أحداث ما يسمّى "ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر" ثم جائحة كورونا، مشيراً إلى أنه أتى كـ "دعسة ناقصة" إن من حيث إعداد المعلّمين أو الطلاب لا على إتقان التكنولوجيا الحديثة وحسب بل على الطرق التربوية الخاصة بهذا التعليم.

ويضيف إن غياب الاستراتيجية الوطنيّة للتعليم عن بُعد وغياب الضوابط الخاصة به لا تزال عالقة في السجالات والدراسات في حين إن هناك إجحافاً كبيراً بين الجامعات المعترف بها فعلياً وتلك التي حصلت على رخصة بشكل غير قانوني، مشيراً إلى أنها أقل ما يقال عنها إنها "دكان" تجاري رخيص ساهم  وللأسف في تدني مستوى التعليم العالي في لبنان، وبمباركة بعض الجهات الرسميّة وشراكتها في خنق هذا القطاع التربوي الحيوي الذي يؤمّن للبنان خيرة موارده البشرية للمستقبل.

ويكشف أنه لا يمكن لجامعة الحكمة أن تعتمد نظام التعليم عن بعد من دون المطالبة بتشريعات قانونية تربوية له ومن دون الأخذ في الاعتبار ما تقوم به الجامعات العريقة مثلها، معتبراً أنها ليست "جزيرة" منفردة ونائية، بل انها عضو أساسي في اتحاد رابطة جامعات لبنان، وهي تطبّق ما استطاعت إليه سبيلاً كل التشريعات والقوانين الخاصة بالتعليم العالي، بغية الحفاظ على "الجودة في التعليم".

 

ترسيخ ثقافة الجودة

 

وحول الخطط المستقبلية للجامعة، يشير الأب شلفون إلى العمل على ترسيخ ثقافة الجودة فيها وتأمين الظروف الملائمة لتدريب كوادرها الإدارية والأكاديمية للتعليم المزدوج (Blended Education) أي التعليم بين الحضوري والتعليم عن بعد وتطوير ذاتها على كل الأصعدة.


إنشاء الهيئة الوطنية لضمان الجودة

 

ويطالب الأب شلفون الدولة اللبنانية بتشريع القوانين الخاصة بإنشاء الهيئة الوطنية لضمان الجودة، ثم المطالبة بإعداد استراتيجية وطنية للتعليم العالي مع ضوابط لتأمين ضمان جودة التعليم أكان حضورياً أم عن بعد، والمطالبة بتشريع  نظام التعليم عن بُعد استثنائياً وبداعي الضرورة بعد أن تكون قد حُلّت قضيّة تزوير الشهادات وتوقيف "الجامعات التجارية" كي لا تستفيد هذه الأخيرة من التعليم عن بُعد لإصدار شهادات لا قيمة لها وهي تساهم أكثر فأكثر في تدنّي مستوى التعليم العالي وخسارة المستوى الأكاديمي المطلوب لسوق العمل الحالي والمتطلبات الحديثة لتطويره وازدهاره.

 

من ملف: التعليم العالي في لبنان والأزمة الاقتصادية: قصة معاناة مفتوحة