هل يُهدد اليوان الرقمي الدولار الأميركي؟

  • 2020-05-27
  • 13:50

هل يُهدد اليوان الرقمي الدولار الأميركي؟

هل تستخدم الصين اليوان الرقمي في مواجهتها الاقتصادية الشرسة مع الولايات المتحدة؟

  • إياد ديراني

في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلاً بجائحة كورونا، وفي عزّ الحرب الاقتصادية التي تخوضها مع الولايات المتحدة، قرّرت الصين لسبب ما، الاندفاع بكامل قوتها لإطلاق أول عملة رقمية وطنية في العالم، مع أن المشروع المتعلق بها لم يكن من ضمن الأولويات على مدى السنوات الست الماضية، أي منذ إطلاقه العام 2014، وذكرت الصحف الصينية الحكومية أن نظام العملة الرقمية الجديدة جرت تجربته بنجاح في أربع من المدن الرئيسية، وسيتم نشره إلى باقي المدن تدريجياً خلال السنة الحالية، وألحقت الصين الإعلان عن إطلاق العملة التي لم يُعلن عن اسمها بعد، بتصريح لمحافظ البنك المركزي يي غانغ أمس الثلاثاء، قال فيه إن إطلاق "عملة المصرف المركزي الرقمية الجديدة" جاء بهدف "تلبية طلب الشعب لعملة رقمية قانونية في ظل الاقتصاد الرقمي". إذاً، الصين استمعت إلى صوت الشعب؟ فهل هذا هو سبب الاستعجال في إطلاق العملة الرقمية؟ وما هي تفاصيل هذه الخطوة، وهل تشكل فعلاً تهديداً مُحتملاً لهيمنة الدولار، كما يقول بعض الخبراء؟ 

الناتج المحلي الصيني نحو 14.14 تريليون دولار  

قبل استعراض بعض من انعكاسات هذه الخطوة، لنلق نظرة سريعة على ثلاثة مؤشرات بالغة الأهمية من الصين، تساعد على رسم مشهد أكثر وضوحاً في بلد يبلغ ناتجه المحلي 14.14 تريليون دولار (ناسداك - 2020). أولاً، في العام 2019 تخطت قيمة مبيعات التجزئة الرقمية (عبر الانترنت) في الصين 1.5 تريليون دولار، ما شكل 25 في المئة من مجمل مبيعات التجزئة الصينية، وأكثر من إجمالي قيمة المبيعات لدى البلدان العشرة، التي حلّت بعد الصين في ترتيب البلدان الأولى عالمياً من حيث مبيعات التجزئة الرقمية (ماكينزي-2020). ثانياً، بلغت قيمة إجمالي المدفوعات الرقمية عبر النقال في الصين نحو 17 تريليون دولار في العام 2019، 90 في المئة منها كانت عبر منصتي شركتين صينيتين، الأولى هي "علي باي" Alipay التابعة لعملاق التجارة الالكترونية العالمي "علي بابا" Alibaba والثانية هي تطبيق "ويتشات" WeChat (مماثل لنموذج فايسبوك الأميركية) التابع لشركة الألعاب الرقمية "تينسينت" Tencent. ثالثاً، بلغ عدد اشتراكات الهاتف النقال في الصين نحو 1.6 مليار الشهر الماضي (Statista, CGAP, Foreign Affairs)، من بينهم نحو 896.9 مليون يستخدمون الانترنت عبر النقال، ونحو 600 مليون يستخدمون هاتفهم في المدفوعات الرقمية. 

قيمة المدفوعات الرقمي الصينية في العام 2019 نحو 17 تريليون دولار

يقول رئيس مؤسسة أبحاث العملات الرقمية في البنك المركزي الصيني مو تشانغتشون إن العملة الرقمية الجديدة التي يُرمز إليها باسم "العملة الرقمية-الدفع الإلكتروني" (DC/EP (Digital Currency/Electronic Payment، لن تكون نسخة رقمية لليوان، كما لن تكون قيمتها خاضعة للعرض والطلب، وبحسب صحيفة "شنغهاي سيكيوريتيز" لن تحتاج العملة الرقمية الجديدة إلى دعم من سلّة عملات، ويضيف مو تشانغتشون أن العملة الجديدة ستكون مختلفة عن "البتكوين" Bitcoin و"التوكينز المستقرة" Stable Tokens المدعومة بالذهب أو الفضة أو الدولار. 

هل الولايات المتحدة مستعدة؟

يروّج البعض في الإعلام الأوروبي والأميركي أن إطلاق عملة رقمية مدعومة من البنك المركزي الصيني سيعدّ تهديداً للدولار الأميركي، خصوصاً إذا استخدمت الصين عملتها الرقمية لتسوية المعاملات التجارية ضمن استراتيجية لتسويق لعملتها. من الواضح أن اليوان الصيني بات من العملات التي تمتلك مصادر قوة تجعله نظرياً قادراً على منافسة الدولار، كذلك يمكن لعوامل مثل حجم الاقتصاد الصيني وتوقعات النمو المستقبلية واندماج الصين أكثر في الاقتصاد العالمي أن تجعل من اليوان ذي طابع دولي أكثر من أي يوم مضى، وهذه العوامل مجتمعة قد تساهم في توسيع انتشار العملة الرقمية الصينية، علماً أن هذه الخطوة تتطلّب مشروعاً سياسياً – اقتصادياً، وليست أمراً تقنياً البتة.  

هل يكون اليوان الرقمي قارب نجاة لإيران؟

وتطرح "فورين أفيرز" Foreign Affairs سيناريو تعتبره "سوداوياً" لاستخدام هذه العملة، لأنها يمكن أن تشكل قارب نجاة لإيران الواقعة تحت سيف العقوبات الأميركية. وتقول ماذا لو انضمت إيران إلى نظام تجاري دولي يعتمد على اليوان الرقمي؟ ألن يسمح لها هذا النظام بتفادي استخدام الدولار والالتفاف على العقوبات المالية الأميركية وبيع النفط للهند والصين وحتى أوروبا؟ وتقول إن هذا السيناريو سيوفر للنظام الإيراني وسائل تتيح له البقاء بعيداً عن أعين المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، ويضيف كاتبان في "فورين أفيرز" أديتي كومار واريك روزنباخ، أن المشرّعين في الولايات المتحدة غير مستعدين لعواقب انتشار اليوان الصيني، الذي قد يجعلها غير قادرة على مواجهة التحديات لا من إيران فحسب، بل أيضاً من كوريا الشمالية وروسيا وغيرهما.    

خطوة غير مؤثرة

لكن ثمة أوساط تقلّل من قيمة الخطوة الصينية وتعتبرها غير مؤثرة، وتُجمع على أن نجاحات الصين في مجال التكنولوجيا المالية لا تؤهّلها للتأثير على مكانة الدولار، وأنه قبل أن تتمكن الصين من جعل اليوان الرقمي أو التقليدي عملة احتياطية عالمية رئيسية، عليها الانتقال أولاً إلى تحقيق المزيد من التقدم باتجاه اقتصاد تحرّكه السوق وتطوير أسواق مالية منظّمة جيداً وأن تحظى باحترام المستثمرين الدوليين، كي تتمكن تالياً من إلغاء الضوابط الرأسمالية وتحويل اليوان رقمياً كان أم غير رقمي إلى عملة تحدد السوق قيمتها. 

من جهة ثانية، ثمة من يعتقد أن على الولايات المتحدة أن تحافظ على الظروف التي خلقت هيمنة الدولار في المقام الأول، كالإبتكار والإبداع والتقدم التكنولوجي والعسكري، لمواجهة تهديد اليوان الرقمي أو غيره من العملات، ومع أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر مُنفق على الحروب والتسلّح في العالم، إلا أنها لم تعد صاحبة المركز الأول في الابتكار حيث تتعرّض لمنافسة شرسة من الصين في ميدان التكنولوجيا عموماً والاتصالات خصوصاً، كما هي الحال في تكنولوجيا الجيل الخامس على سبيل المثال لا الحصر، ولم يكن أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب سوى لغة العقوبات والمنع واللوائح السوداء بحق هواوي، للردّ على التقدم الصيني في هذا المجال، كما إنها لم تعد تحتل المركز الأول في الابتكار المالي – التكنولوجي، حيث تسجّل الصين أيضاً تقدماً متواصلاً خصوصاً على مستوى البنية التحتية التقنية والتشريعات وبراءات الاختراع وتبنّي المستخدمين.  

التطلعات الاقتصادية الصينية معبّدة بالأزمات والصراعات

ليس واضحاً بعد كيف ستتطور التجربة الصينية مع عملتها الرقمية، خصوصاً أنها لا تزال تُحيط هذا المشروع برمّته بسريّة تامة، وتمتنع حتى الآن عن إطلاق تسمية على عملتها الجديدة. لكن الواضح، أنه على الرغم من كل القلق الذي أثاره إعلان الصين عن عملتها الرقمية، لا يزال الدولار سيد العملات، وعلى أساسه يتم تسعير النفط والسلع حول العالم، وسيكون أمام الصين طريق طويلة ربما معبّدة بالأزمات والصراعات، قبل أن تُحقق تقدماً كبيراً في هذا المجال.