الصين تحاصر فيروس كورونا.. والعالم يحاصرها

  • 2020-02-01
  • 15:00

الصين تحاصر فيروس كورونا.. والعالم يحاصرها

  • سليمان عوده

اختُتم الشهر الأول من العام الجاري على وقع إعلان إيطاليا وبريطانيا والسويد وروسيا بلوغ فيروس كورونا القاتل أراضيها، الأمر الذي ضاعف المخاوف من خروج الفيروس عن السيطرة عالمياً، بالرغم من التدابير بالغة القسوة التي تتخذها الصين، الموطن الأساسي للفيروس الفتاك، لوقف انتشاره. وأودى كورونا حتى صباح اليوم السبت بحياة ٢٥٩ شخصاً، فيما تخطى عدد المصابين به ١١٣٥٠ شخصاً، معظمهم في ووهان، عاصمة مقاطعة توبي الصينية. 

وفي غياب أي علاج فعال، يواصل الفيروس الفتك بضحاياه، وبمعنويات المستثمرين أيضاً، في حين أن خسائر الاقتصاد الحقيقي بدأت تتفاقم وتظهر إلى العلن، في ظل إقفال المصانع والشركات وعزل مناطق شاسعة في وسط الصين عن الاقتصاد العالمي. وفيما تواصل الصين فرض حظر شبه كامل على ووهان ومقاطعة توبي، لتعزل أكثر من ٦٠ مليون صيني عن باقي مناطق البر الصيني، بدأ العالم يفرض حظراً حقيقياً على الصين نفسها، من خلال تعليق معظم الناقلات العالمية رحلاتها إلى الصين، ووقف الشركات المتعددة الجنسيات عمل فروعها في هذا البلد الآسيوي الشاسع المساحة، وإجلاء الرعايا الأجانب من ووهان خصوصاً، ومنع الصينيين من الحصول على تأشيرات سفر إلى العديد من البلدان، فضلاً عن غلق الحدود البرية مع الصين، وبالتحديد الشمالية منها التي تجمعها بروسيا ومنغوليا. 

اقتصاد الصين أبرز الخاسرين 

وبات كورونا يمثل تهديداً حقيقياً لنمو الاقتصاد العالمي. ويقدر بنك الاستثمار “غولدمان ساكس” أن يقتطع فيروس كورونا 0.4 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي في الصين في السنة الجارية، ومن المحتمل أن يخلف تأثيراً سلبياً، وإن بدرجة أقل، على نمو الاقتصاد الأميركي، ليتراجع بواقع 0.4 نقطة مئوية في الربع الأول. لكن البنك يتوقع أن يتعافى الاقتصاد الأميركي في الربع التاني، "وهو ما سيؤدي إلى تراجع صاف صغير للنمو في أميركا في العام 2020 بكامله". وأجرى “غولدمان ساكس” مراجعة أمس الجمعة لتوقعاته بشأن معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي في الصين هذا العام، ليخفضها إلى 5.5 بالمئة، نزولاً من 5.9 بالمئة.

النفط مهدداً

ويعني تراجع النمو الصيني تراجعاً شبه مؤكد في الطلب على إمدادات النفط الخام. وتوقعت “بلومبرغ” أن يتسبب تفشي فيروس كورونا في الصين بخفض الطلب على النفط بأكثر من 250 ألف برميل يومياً في الربع الأول من العام الجاري، ما سيؤدي حكماً إلى انخفاض أسعار النفط المحاصر بالفعل بفائض من الإمدادات. وقالت “بلومبرغ” إن الطلب على وقود الطائرات في الصين سيتلقى ضربة موجعة، لا سيما أن الصين هي المستورد الأول للنفط في العالم، في حين أن سوق الطيران فيها هي من بين أسرع أسواق الطيران نمواً في العالم. ويمكن رد التباطؤ الشديد المحتمل في الطلب على وقود الطيران في الصين إلى القيود الصارمة المفروضة على السفر حالياً، والتي خفضت عدد الرحلات المحلية إلى حدها الأدنى، في حين علقت معظم شركات الطيران الدولية رحلاتها إلى البر الصيني.

في السياق نفسه، نقلت “رويترز” عن يوجياو لي من شركة “وود ماكنزي” لاستشارات الطاقة أنه ”في الوقت الذي تركز فيه الإجراءات الوقائية بشكل أساسي على الطيران والنقل العام للركاب، سيكون وقود الطائرات الأكثر تأثراً… في الربع الأول من 2020“. وخفضت “وود ماكنزي” توقعاتها للطلب على النفط بواقع نصف مليون برميل يومياً للربع الأول الجاري. وأضافت: ”سيكون الانتشار الحالي لفيروس كورونا على الأرجح حدثاً استثنائياً، إذ أن تأثيره على طلب النفط يتركز بشكل أساسي على طلب وقود الطائرات، خصوصاً في الصين، وبدرجة أقل في شرق وجنوب شرق آسيا“. 

بدورها، قدرت “إف.جي.إي” للطاقة التراجع في الطلب على النفط بما يصل إلى 840 ألف برميل يومياً في شباط/فبراير، في حين قالت شركة الاستشارات “جيه.إل.سي” إن نشاط المصافي الصينية هوى بنسبة 15 بالمئة في الأسبوع الماضي. وفي مؤشر يدل على التأثير العميق لتحولات السوق الصيني على أسواق النفط،  أكدت “رويترز” تراجع أسعار الطلب على أصناف من النفط الخام من مصادر بعيدة مثل أنجولا، التي كانت يوماً مرغوبة في السوق الصينية، لأدنى مستوياتها في حوالى عام. 

الأسعار تتذبذب

في ظل هذه المخاوف، تراجعت أسعار النفط بواقع أربعة بالمئة تقريباً حتى مساء يوم الخميس الفائت من هذا الأسبوع، لتبلغ أدنى مستوى لها في ثلاثة أشهر، مدفوعة بقلق المستثمرين والمتعاملين من كيفية تأثير انتشار الفيروس على الطلب على النفط ومنتجاته، قبل أن تتعافى الأسعار نسبياً يوم أمس الجمعة. وجاء التأثير الأبرز لانتعاش أمس من تمنع منظمة الصحة العالمية عن فرض قيود على السفر والتجارة، وإن كانت المنظمة الأممية قد أعلنت حالة طوارئ عالمية بشأن تفشي فيروس كورونا. ونقلت “رويترز” عن مارغريت ياغ، محللة السوق لدى "سي.إم.سي ماركتس" أن "قرار منظمة الصحة العالمية الذي يعارض فرض قيود على السفر والتجارة ضد الصين عزز ثقة السوق، حتى على الرغم من إعلان المنظمة حالة طوارئ عالمية". 

مدفوعة بهذا العامل، قفزت العقود الآجلة لخام برنت 1.16 دولار إلى 59 دولاراً للبرميل، بعد أن انخفضت 2.5 بالمئة في الجلسة السابقة. وما زال برنت منخفضا اثنين بالمئة في الأسبوع. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس، الوسيط الأميركي دولاراً واحداً إلى 53.20 دولاراً للبرميل. وتلقت الأسعار الدعم أيضاً من تقارير ذكرت أن السعودية بدأت مباحثات بشأن تقديم موعد الاجتماع القادم لبحث سياسة الإنتاج إلى أوائل فبراير من مارس، بعد هبوط أسعار النفط في الآونة الأخيرة.

لكن بالرغم من التعافي الذي شهدته الأسعار، فإن المحللين ما زالوا متحفظين ويحذرون من المزيد من المخاطر النزولية على المدى الطويل، إذا واصل الفيروس الانتشار. فقد أوقفت شركات طيران كبرى من بينها إير فرانس، وأميركان إيرلاينز، والخطوط الجوية البريطانية وشركات طيران إيطالية وإسبانية تسيير رحلات إلى مدن صينية. 

الذهب ينخفض

وتراجعت أسعار الذهب بانتهاء يوم أمس الجمعة مدفوعة بالعامل نفسه، أي تأكيد منظمة الصحة العالمية إن التدابير التي اتخذتها الصين قد تسيطر على تفشي فيروس كورونا، في وقت بدأت تظهر مؤشرات على الاستقرار في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن المعدن النفيس ارتفع 3.7 بالمئة منذ بداية الشهر الجاري، ويتجه لتسجيل أفضل مكسب شهري منذ آب/أغسطس، في الوقت الذي أجج فيه انتشار الوباء مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. وكانت منظمة الصحة العالمية قالت إن الإجراءات التي تتخذها بيجينغ كفيلة بتغيير الوضع في ما يتصل بفيروس كورونا، الذي أصاب أصاب بالشلل العديد من الأقاليم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم عبر العزل وتقييد السفر وإغلاق الشركات. ويُعتبر الذهب ملاذاً آمناً في أوقات الضبابية السياسية والاقتصادية.

الأسهم الأوروبية تتضرر

وأنهت الأسهم الأوروبية تداولات اليوم الأخير من شهر كانون الثاني/يناير على خسائر كبيرة، خصوصاً بعد أن أعلنت المملكة المتحدة وإيطاليا رصد أول حالات في البلدين للإصابة بفيروس كورونا، وذلك بالتقاطع مع حدثين هامين ألحقا أضراراً بمعنويات المستثمرين، أولهما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وثانيهما صدور بيانات اقتصادية ضعيفة من منطقة اليورو. إذ أغلق المؤشر ستوكس 600 الأوروبي بانخفاض قدره 1.1 بالمئة، مفاقماً خسائره على مدار الأسبوع لتصل إلى ثلاثة بالمئة، ليسجل بذلك أسوأ أداء أسبوعي في ستة أشهر كاملة. أما على مستوى البيانات الشهرية، فقد أنهى المؤشر تداولات الشهر منخفضاً 1.2 بالمئة، ليسجل أسوأ أداء للشهر الأول من السنة منذ أربع سنوات. في المقابل، أغلق المؤشر فايننشال تايمز البريطاني منخفضاً 1.3 بالمئة، بينما هبط المؤشر الرئيسي للأسهم في بورصة ميلانو 2.3 بالمئة مع إعلان مجلس الوزراء الإيطالي حالة طوارئ بشأن الفيروس القاتل. 

وسجل النمو الاقتصادي في منطقة العملة الأوروبية نمواً ضعيفاً في الربع الأخير من 2019، فيما يرجع بشكل رئيسي إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي في كل من فرنسا وإيطاليا. وعرض ذلك الأسهم الأوروبية إلى ضغوط بشأن مستقبل نمو اقتصاد منطقة اليورو في الربع الأول الجاري. وأغلق المؤشر فايننشال تايمز البريطاني منخفضاً 1.3 بالمئة، بينما هبط المؤشر الرئيسي للأسهم في بورصة ميلانو 2.3 بالمئة مع إعلان مجلس الوزراء الإيطالي حالة طوارئ بشأن الفيروس القاتل. وجاءت أسهم شركات التعدين في مقدمة القطاعات الخاسرة مع هبوط مؤشرها 1.6 بالمئة بفعل مخاوف من أن الصين، المستورد الأول للمواد الخام، قد تشهد ركوداً هذا العام إذا تفاقم وباء كورونا. وزادت أسهم شركات السفر والترفيه أيضاً خسائرها مع قيام المزيد من شركات الطيران بتعليق الرحلات إلى الصين.

المؤشرات الأميركية تتراجع

وأنهت مؤشرات الأسهم الرئيسية الشهر الفائت على خسائر حادة. فقد هبطت المؤشرات الثلاثة الرئيسية للأسهم الأمريكية بأكثر من واحد بالمئة يوم أمس الجمعة، وذلك في ظل ازدياد القلق بشأن تباطؤ محتمل للنمو العالمي مدفوعاً بتأثير توسع انتشار فيروس كورونا. وأنهى المؤشر داو جونز الصناعي جلسة التداول في بورصة وول ستريت منخفضاً أكثر من 600 نقطة، تعادل اثنين بالمئة، بينما هبط المؤشر ستاندرد اند بورز 500 الأوسع نطاقاً أكثر من 58 نقطة، تفوق بقليل 1.7 بالمئة. أمام المؤشر ناسداك المجمع، فأنهى التداولات منخفضاً 148 نقطة، تعادل 1.6 بالمئة تقريباً.

وبمقارنة البيانات المنشورة، يتبين أن المؤشران داو جونز وستاندرد اند بورز قد سجلا أكبر خسائرهما الأسبوعية من حيث النسبة المئوية منذ الأسبوع المنتهي في الثاني من أغسطس آب. وعلى مدار الشهر، تراجع داو جونز واحداً بالمئة وستاندرد اند بورز 0.2 بالمئة، في حين صعد ناسداك اثنين بالمئة. 

السعودية تتحسب

وأعلن وزير الصحة السعودي الدكتور توفيق الربيعة عن تطبيق إجراءات لمنع دخول فيروس "كورونا" الجديد إلى المملكة، منها فحص جميع القادمين من الصين. وأكد الربيعة عدم تسجل أي حالة إصابة في المملكة حتى الآن. وقال الربيعة عبر تويتر: "نظراً لأن فترة حضانة المرض قد تمتد لأسبوعين قبل ظهور الأعراض، فإن لدينا متابعة لكل من تظهر عليه علامات عدوى وسبق أن زار الصين حديثاً، أو خالط مريضاً مشخصاً بمرض كورونا الجديد، حيث يتم عزله إلى أن يثبت عدم إصابته بالمرض". وأضاف: "تم حالياً رفع الجاهزية للتعامل مع أي حالة تكتشف، بشكل سريع، بالتعرف على جميع المخالطين والتأكد من سلامتهم وعزلهم حتى انقضاء فترة الحضانة لضمان عدم انتقاله للآخرين". وحث الربيعة جميع المواطنين السعوديين والمقيمين على اتباع النصائح الصحية التي تصدرها وزارة الصحة، وكذلك التنبيهات من المركز الوطني للوقاية من الأمراض والجهات الرسمية الموثوقة، وعدم الالتفات للشائعات.

كورونا في قبرص

وأعلنت قبرص فجر اليوم الاشتباه بأول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد بعد ظهور أعراض المرض على شخص عائد من الصين. وأفاد بيان صادر عن وزارة الصحة "أظهر مواطن صيني يعيش في قبرص وزار الصين في الأيام القليلة الماضية عوارض شبيهة بتلك التي يسببها فيروس كورونا". وأكدت السلطات في الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي أنه تم اتباع جميع إجراءات التعامل مع كورونا في هذه الحالة، حيث يخضع المريض للعلاج في أحد مستشفيات العاصمة نيقوسيا. ولفت بيان الوزارة إلى أن "هذه حالة مشتبه بها لفيروس كورونا، لكن لم يتم تأكيدها بعد". ووفقاً ليومية "فيليلفثيروس" القبرصية، فقد أخضع المريض للحجر الصحي بعد وصوله إلى المطار، حيث أظهر الفحص إصابته بحمى شديدة.