"كوفيد-19" يهدّد صناعة السيارات العالمية

  • 2020-03-23
  • 09:28

"كوفيد-19" يهدّد صناعة السيارات العالمية

توقف شبه تام في الإنتاج والغموض عنوان المرحلة المقبلة

  • خطار زيدان

يشهد قطاع السيارات في العالم حالياً، صناعة وتسويقاً، شللاً تاماً نتيجة أزمة "كورونا" (كوفيد-19) التي كانت لتداعياتها تأثيرات كارثية طاولت معظم الاقتصادات العالمية، وقطاعاتها التشغيلية. فمنذ نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي حيث بدأ الفيروس يتفشى في الصين، لينتقل بعدها إلى البلدان الآسيوية الأخرى، ومن ثم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ومناطق أخرى من العالم، اتخذت معظم الدول إجراءات احترازية وحمائية قاسية، فانغلقت على نفسها وتوقف العمل في النشاطات التجارية والاقتصادية كافة، وتوقفت رحلات الطيران الخارجية، وبعضها وصل به الأمر إلى فرض حالات طوارئ عامة.

الانعكاسات السلبية التي طاولت قطاع السيارات نتيجة هذا الفيروس وتداعياته لم ترحم الشركات المصنّعة كافة، فأعلن العديد منها التوقف عن الإنتاج لفترة محددة، خصوصاً في الدول والمناطق التي تعتبر الأكثر تأثراً بانتشار وباء "كورونا"، بدءاً من الصين وكوريا إلى فرنسا، اسبانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة وأميركا الشمالية.

وإضافة إلى الشركات الصينية التي توقفت بشكل شبه كلي عن العمل، فإن من أبرز الشركات الأخرى، توقف "بي أم دبليو" عن الإنتاج في مصانعها في أوروبا وأفريقيا الجنوبية لغاية 19 نيسان/ أبريل، وتوقف مجموعة "دايملر" عن الإنتاج في كل مصانعها في أوروبا، ونيسان في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى، كما قررت "تويوتا" وقف العمل في مصانعها في بريطانيا، وبولندا وتشيكيا، وتركيا، وفي أميركا الشمالية، وأقفلت شركة هوندا جميع مراكز التوزيع في إيطاليا، وأعلنت "فيات كرايسلر" الأسبوع الماضي عن توقف عملياتها الإنتاجية في إيطاليا وصربيا وبولندا لفترة أسبوعين، إضافة إلى أميركا، كما قررت "فورد" إقفال مصانعها في ألمانيا وإسبانيا ورومانيا وفي أميركا الشمالية لفترة محددة، و"جنرال موتورز" في أميركا الشمالية، وأعلنت مجموعة PSA إغلاق مصانعها في أوروبا، و"فيراري" إقفال مصنعيها في إيطاليا لغاية 27 آذار/مارس، وقررت "رينو" توقيف العمل في مصانعها الـ 12 في فرنسا، والتي توظف 18 ألف شخص، واغلاق مصانعها في اسبانيا، كما أقفلت مجموعة فولسفاغن عملياتها الإنتاجية في أوروبا، والتي تشمل 72 وحدة تصنيع، منها 28 في ألمانيا، وأقفلت "فولفو" مصنعها في بلجيكا، و"جاغوار لاند روفر" مصنعها في سلوفاكيا، و"هيونداي" و"كيا" في عدد من الدول، و"تيسلا" في كاليفورنيا،.... .

هذا التوقف في وحدات الإنتاج حول العالم، كان قد سبقه في بداية الأزمة إغلاق مصانع الشركات لمكونات السيارات وقطع الغياروالتي تتمركز في دول شرق آسيا تحديداً، كما تمّ إلغاء عدد من المعارض العالمية الرئيسية للسيارات أو تأجيلها إلى إشعار آخر، مثل معرض جنيف الدولي للسيارات الذي كان مقرراً إقامته بداية شهر آذار/مارس الحالي، ومعرض بكين للسيارات الذي كان مقرراً أن ينطلق في 21 نيسان/ أبريل المقبل، وغيرها، كما إن معارض أخرى مهددة بالإلغاء أو إعادة جدولة تواريخها نتيجة الوضع القائم، وبحسب تطور مجريات الأمور.

توقعات متشائمة للمرحلة المقبلة

وعلى الرغم من أن شركات السيارات اتخذت إجراءات اغلاق المصانع لفترة محدودة، تمتد بشكل عام من أسبوعين إلى شهر، لكنها تتوقع أن تمدد إجراءاتها الى آجال جديدة، وبحسب مواقع مراكز الإنتاج وتطورات إجراءات القضاء على الفيروس، ما سينعكس نقصاً في الإنتاج يصل الى ملايين السيارات في العام الحالي. ولندرك حجم التراجع الكارثي في الإنتاج العالمي، يكفي أن نعرف أنه في الصين وحدها، تراجع الإنتاج بنحو مليوني سيارة منذ بداية العام الحالي، أي نحو 8 في المئة من حجم الإنتاج العالمي للسيارات في العام 2019 والذي بلغ نحو 25.6 مليون سيارة، كما إن مبيعات السيارات انخفضت بنسبة 44 في المئة في الصين خلال شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019، و 29 في المئة في كوريا الجنوبية في شهر كانون الثاني/ يناير، وحتى الآن لا يمكن إحصاء حجم التراجع الكلي في الإنتاج العالمي والخسائر التي ستطاول هذا القطاع خلال العام 2020، في ظل عدم توفر أي معلومات عن الفترة التي سيتطلبها الخروج من هذه الأزمة، وذلك على الرغم من أن بعض المصانع في الصين عادت لممارسة مهامها، لكنها لن تتمكن من العودة إلى قدراتها الإنتاجية قبل فترة أسابيع على الأقل، كما يتوقع أيضاً أن تؤثر هذه الأزمة على روزنامة طرح الاصدارات الجديدة التي كانت مقررة للشركات، وأن تضطر إلى إعادة جدولة عمليات الطرح او الكشف عن أي طراز جديد، لضمان وصوله إلى الأسواق في الوقت المناسب وضمان نجاحه تسويقياً.

هذا السيناريو في أحسن الأحوال، إلا أن تطورات الأمور تُنذر بما هو أسوأ، وأن هذه الأزمة ستترك آثارها السلبية على القطاعات الاقتصادية كافة، الإنتاجية، الخدماتية والاستهلاكية في مختلف دول العالم، وستؤدي إلى الاستغناء عن نسبة كبيرة من العمالة، وستؤثر على القدرة الشرائية بشكل عام، وقد يصل الأمر إلى ركود اقتصادي عالمي في ظل التراجع الكبير في أسعار النفط الخام، والذي وصل حتى اليوم إلى مستويات أقل بنحو 60 في المئة عما كانت عليه في كانون الثاني/ يناير الماضي، وذلك بعد انهيار المحادثات بين السعودية وروسيا لتخفيض نسبي في انتاج النفط ورفع أسعاره.

إذاً، وفي ظل هذا الواقع من الضبابية وغياب الرؤى الواضحة عن الفترة المقبلة، فمن المؤكد أن الأولوية للمستهلكين لن تكون في الفترة الحالية ولا حتى في الفترة المقبلة وبعد القضاء على وباء "كورونا"، لشراء سيارة جديدة، والطلب لن يعود في المدى القريب إلى ما كان متوقعاً له أن يكون قبل بدء الأزمة، وإلى المستويات التي قدرتها الشركات المصنّعة لتبني من خلالها سياساتها الإنتاجية.  وحتى لو عاد الطلب بعد الخروج من هذه الأزمة إلى مستواه الطبيعي، فإن الشركات لن تتمكن من تلبية متطلبات الأسواق العالمية لفترة قد تطول أو تقصر حسب حجم الشركات المصنًعة والانتشار الجغرافي لمراكزها الانتاجية.