كورونا يغيّر معالم كرة القدم الأوروبية

  • 2020-03-23
  • 21:03

كورونا يغيّر معالم كرة القدم الأوروبية

4.1 مليار يورو خسائر خمس بطولات ومصير الأندية على كف فيروس

  • عاصم البعيني

 

كرة القدم الأوروبية تعيش اليوم واحدة من أسوأ تجاربها، إذ إن كورونا وضع اللعبة الأكثر شعبية في العالم أمام خيارين أحلاهما مر، إما توقف النشاط في حال استمرار تفشي الفيروس، أو العودة إلى إطلاق عجلة المباريات داخل ملاعب مغلقة وخلف أبواب موصدة من دون جماهير، وهذان خياران لا يجردان اللعبة من متعتها فقط، بل يكبّدان الأندية خسائر مالية ضخمة لم تكن في الحسبان على الإطلاق.

 

4.1 مليارات يورو خسائر 

 

تدور الأندية الأوروبية في عصر كورونا في فلك من "الهواجس" وسط مخاوف وتوقعات متزايدة بارتفاع خسائرها نتيجة توقف المباريات وانتهاء الموسم، الأمر الذي يؤدي إلى حرمانها من عائدات مالية كبيرة (رعايات، إعلانات... الخ) كانت تعوّل عليها في إدارة شؤونها المالية. وفي هذا السياق، يتوقع أحد المحللين في KPMG أن تفقد الدوريات الخمس الكبرى في كل من: اسبانيا، إيطاليا، إنكلترا، فرنسا، المانيا، إيرادات بنحو 4.1 مليارات يورو نتيجة تداعيات فيروس كورونا، مشيراً إلى أن خسائر الدوري الإنكليزي الممتاز وحده قد  تبلغ نحو 1.2 مليار يورو، يليه الدوري الاسباني La Liga) ) بخسائر تتراوح ما بين 800 و900 مليون يورو على أن تبلغ خسائر الدوريات الأوروبية الأخرى ومن بينها الدوري الألماني "بوندسليغا" ، (Bundesliga) والإيطالي  (Serie A) والفرنسي ( Ligue 1) نحو 1.8 مليار يورو مجتمعة، متأثرة بثلاثة عوامل هي: إيرادات البث التلفزيوني  التي تستحوذ على حيز مهم من الإجمالي، وكذلك فقدان إيرادات حضور المباريات وزيارات الملاعب، يضاف إليها تراجع الإيرادات التجارية كالمبيعات وغيرها.

 كذلك، فإن الأندية ستكون أمام حتمية إعادة أسعار التذاكر الموسمية في حال تقرر عدم السير قدماً باستكمال الموسم، وإن كانت هذه الأندية ستسجل في المقابل، تراجعاً في نفقات الحراسة الأمنية ونفقات السفر وتنظيف الملاعب والمقرات الرياضية، غير إن أثر ذلك يبقى قليلاً في ظل الخسائر المتراكمة. 

 

 



مواعيد في مهب الريح 

قبيل تصاعد وتيرة انتشار فيروس كورونا في أنحاء إيطاليا، كانت الاتحادات الرياضية قد وضعت تواريخ افتراضية لمعاودة استئناف النشاط مع أرجحية أن يتم ذلك في صالات مغلقة، إذ تمّ تحديد 3 نيسان/ أبريل المقبل موعداً لعودة انطلاق الدوري الألماني، و30 نيسان/أبريل لانطلاق الدوري الانكليزي، فيما حدد وزير الرياضة الإيطالي فينتشنزو سبادافورا استئناف الدوري المحلي في الثالث من أيار/مايو المقبل، غير إن هذه المواعيد تبدو اليوم في مهب الريح، إذ قال الرئيس التنفيذي للدوري الألماني لكرة القدم كريستيان سيفرت إنه من غير المرجح أن تستأنف المباريات في الموعد المحدد، مشيراً إلى محادثات إضافية ستجري في 30 من الشهر الحالي، وأضاف أنه ومع فرض السلطات حظراً على التجمع، سيكون من غير الواضح القول متى ستعود كرة القدم إلى ألمانيا. وخلص سيفرت إلى القول:" إنني أدرك أن كرة القدم يُنظر إليها على أنها تجارة بمليارات الدولارات، ولكن في صميم كل شيء هناك اللعبة نفسها، إذ إن نحو 56 ألف وظيفة تعتمد عليها في كل وقت تجري فيه إقامة مباريات، ومن دون رعاية ودخل تلفزيوني، تصبح هذه الوظائف وحتى وجود الأندية في خطر".

بدوره، أثار موقع ( Calcio e Finanza) المتخصص في الجانب المالي للعبة، معضلة أخرى ناتجة عن إقامة المباريات خلف أبواب مغلقة، موضحاً أن إقامة المباريات من دون جمهور ستكبّد الأندية الإيطالية خسائر بقيمة 34 مليون دولار بين مسابقات محلية وأخرى أوروبية، إذا جرى احتساب هذه القيمة على أساس أن الأندية ستعيد قيمة التذاكر الموسمية إلى الجماهير وأن المباريات ستعاود الانطلاقة في الثالث من نيسان/أبريل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مبيعات التذاكر بلغت نحو 222 مليون دولار في الموسم الكروي 2017/2018، مشكّلة نحو 6 في المئة من إجمالي الإيرادات البالغة نحو 4.35 مليارات دولار. 


34 مليون دولار خسائر الأندية الايطالية من إقامة المباريات من دون جمهور

 

تقلص القدرة على الاستثمار

كذلك، سيكون من شأن تراجع الإيرادات أن يؤدي إلى تقليص قدرة الأندية على الاستثمار، وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "ماركا" (Marca) الإسبانية المتخصصة أن سوق "انتقالات اللاعبين" ستكون أمام معايير جديدة قد تمس أسعار اللاعبين، مشيرة إلى أن إنفاق 100 مليون يورو لضم لاعب ستتغير وتصبح من الماضي، وبالتالي لن يكون هناك تعاقدات من هذا القبيل. وذهبت الصحيفة إلى القول إن الأندية الأكثر تضرراً ستكون تلك التي أنفقت واستثمرت مبالغ ضخمة على لاعبين نجوم، كونه أصبح من الصعب استرداد العائد على هذه الأموال في المدى القريب. 

 

.. وشركات البث مهددة  

من جهة أخرى، فإن أزمة كورونا امتدت لتشمل الخدمات المساندة لكرة القدم، حيث باتت الشركات المالكة لحقوق البث الرياضي ومن بينها "سكاي" و"دي آي زي أن" (DAZN) والتي تبث المباريات عبر قنوات مشفرة مسبقة الدفع، تواجه هي الأخرى مأزقاً يهدد نموذج عملها بالكامل، إذ وجدت هذه الشركات نفسها بلا محتوى ممكن أن تبثه للعملاء الذين قاموا بشراء باقات تمكنهم من متابعة البث المباشر بشكل مسبق، وعليه صار الأمل الوحيد بالنسبة إلى هذه الشركات يتمثل بالمطالبة في ضمها إلى برامج التحفيز والدعم لا سيما تلك الموسعة التي طرحتها ألمانيا. 

 

الصفقات المليونية إلى غير رجعة في زمن كورونا؟ 


خفض الرواتب أضعف الإيمان 

في ظل هذه التطورات، بدأت الأندية الأوروبية البحث عن حلول تحد من الخسائر المتراكمة، بينها اتجاه أندية الدوري الإيطالي الممتاز "الكالشيو" إلى بحث إقرار إجراءات موحدة عبر خفض الرواتب بنحو 30 في المئة بهدف احتواء الخسائر والحد منها. وقد وسع الرئيس التنفيذي لنادي إنتر ميلان بيبي موراتا محادثاته لتشمل أندية ريال مدريد وبرشلونة وسط معلومات أوردتها صحيفة الجورنال الإيطالية بأن الناديين وافقا على المقترح بحيث يشمل الخفض رواتب أشهر آذار/مارس الحالي ونيسان/أبريل وحزيران/يونيو المقبلين.  

من جهتها، تسعى الأندية الألمانية إلى التوصل لاتفاق ودي يقضي بخفض الرواتب وفق معايير موحدة، وقد بادر لاعبو نادي بروسيا مونشغلادباخ الذي ينافس على مراكز متقدمة في الدوري، إلى التبرع برواتبهم لكي تُدفع أجور العاملين، وتعليقاً قال الرئيس التنفيذي للنادي ستيفان شيبيرز إن النادي يمر في أسوأ أزمة مالية منذ 20 عاماً نتيجة خسارة عائدات بيع التذاكر وحقوق البث والرعاية. 

أما في فرنسا فقد وضع أولمبيك ليون العاملين لديه على كشوفات أصحاب البطالة المؤقتة بما يمكنهم من الاستفادة من الإعانات التي توفرها الدولة في مواجهة فيروس كورونا. بدوره عرض نادي "هيرتس" (Hearts) الإسكتلندي على جميع لاعبيه وكل العاملين لديه الموافقة على خفض رواتبهم بنحو 50 في المئة أو خيار إنهاء التعاقد. 

  

لاعبو نادي بروسيا مونشغلادباخ تبرعوا برواتبهم لإنقاذ النادي 


معضلات إجرائية وقانونية 

في الخلاصة، يمكن القول إن كرة القدم في زمن كورونا تواجه معضلات جمّة. ذلك أنه في السيناريو القاضي بإعادة انطلاق المباريات خلف أبواب موصدة وتمديد الموسم حتى شهر تموز/يوليو كما هو مقترح، فإن الأندية ستكون أمام حتمية خيار تمديد عقود اللاعبين التي كان من المفترض انتهاؤها مع نهاية الموسم، في حين أن السيناريو الذي قد يفضي إلى إلغاء المنافسات، وهو ما سيصبح مرجحاً في حال استمرار المسار التصاعدي للإصابات بفيروس كورونا، سيضع عالم كرة القدم وإجراءاته أمام معضلات جديدة، ويطرح السؤال: كيف يمكن لهذه الأندية أن تستمر في ظل فقدانها لهذا الجزء الكبير من إيراداتها المالية؟