العالم العربي جسر يمتد بين ممرّ نيودلهي وطريق بكين

  • 2023-09-12
  • 15:00

العالم العربي جسر يمتد بين ممرّ نيودلهي وطريق بكين

  • أحمد عياش

فجأةً، استفاق العالم على ولادة مشروع "الممر الاقتصادي" لربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا. هذا المشروع الذي انبثق عن قمة "مجموعة العشرين" التي استضافتها الهند، ترك أصداءً في أرجاء المعمورة نظراً لما ينطوي عليه من تأثيرات اقتصادية وسياسية واستراتيجية في آن.

 

للاطلاع:

بوتين: قطبنا الشمالي سينتج 64 مليون طن من الغاز الطبيعي بحلول 2030

 

 

ونحن في الشرق الأوسط، أصبحنا في قلب هذا الحدث الذي وصف بأنه تاريخي. فهل تستطيع المنطقة ان تهضم هذا التطور الذي أتى بعد فترة قصيرة نسبياً على حدث مماثل تقريباً تمثل بتطور العلاقات بين العالم العربي عموماً والخليجي خصوصاً مع الصين؟ وبدا وكأن هناك حرباً باردة جديدة قد نشبت بين الولايات المتحدة الأميركية التي تمثّل حجر الرّحى في حدث قمة العشرين وبين الصين، ما يعني أن هناك عملية قد انطلقت من أجل بناء ستار عازل حول الصين عبر استخدام الهند وفييتنام والفيليبين وأستراليا إضافة إلى إغراء الدول النامية للابتعاد عن التنين الأصفر. وما زاد في الاشتباه بنشوب هذه الحرب أن الرئيس الصيني كان الغائب الأكبر عن قمة نيودلهي بالإضافة الى غياب الرئيس الروسي لأسباب ذات صلة بحرب أوكرانيا.

من أجل تكوين صورة أولية حول ما جرى في قمة العشرين، لا بدّ من الاعتراف انه ما زال في جعبة العالم أنباء اقتصادية مثيرة. ففي نيودلهي التي استضافت يوميّ 9 و10 أيلول/سبتمبر الحالي قمة دول العشرين، إستطاع هذا التجمع الاقتصادي الدولي أن يعطي مثالاً حول كيفية اتخاذ قرارات رفيعة الشأن تمثل بمشروع "الممر الاقتصادي". وفي الوقت نفسه، أرخت الحرب في أوكرانيا بثقلها الدموي على المؤتمر، ومثل ذلك، فعلت كارثة الزلزال المدمر في المغرب.

في المقابل، لم يتردّد نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي جو بايدن، جون فينر عندما سئل عن هذا الحدث الاقتصادي التاريخي في القول إن هذا المشروع "لديه إمكانات هائلة ولكن بالضبط كم من الوقت يستغرق، لا أعرف".

أين العالم العربي من هذا الحدث الاقتصادي؟ خصوصاً وأن المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة تقعان في قلبه؟

بدايةً، لا بدّ من التوقف عند الدور الذي أُنيط بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قمة نيودلهي، فكانت له الصدارة في الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم في شأن مشروع الممر الاقتصادي الدولي الجديد، وقال إن المشروع "سيسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل سككاً حديدية، وربط الموانئ، وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية"، كما يتضمن المشروع "مدّ خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين؛ لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية".

وسيشمل التفاهم حول ممرّ للشحن والنقل بالسكك الحديدية، الولايات المتحدة والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى في مجموعة العشرين، حسبما قال جون فينر. ووضع المسؤول الأميركي ثلاثة أسباب حول أهمية المشروع هي:" أولاً، إن الممر سيزيد من الرخاء بين البلدان المعنية من خلال زيادة تدفق الطاقة والاتصالات الرقمية. ثانياً، سيساعد المشروع في معالجة نقص البنية التحتية اللازمة للنمو في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. وثالثاً، إنه يمكن أن يساعد في "خفض درجة الحرارة" على الاضطرابات وانعدام الأمن الآتيين من الشرق الأوسط".

وبحسب "رويترز"، أبصر مشروع الممر الدولي "نتيجة أشهر من الدبلوماسية المتأنية والدبلوماسية الهادئة والمتأنية، على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف".

أما بحسب الأسوشسيتد برس، فإن المشروع سيشمل عبور السفن بين الهند والمملكة العربية السعودية، ثم القطارات عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الأرجح إلى الأردن، ثم عبور السفن إلى تركيا ومن هناك بالقطار، كما يمكن للقطارات الآتية من الأردن أن تعبر إلى "إسرائيل" في بيت شيعان وتصل إلى ميناء حيفا.

وكما السعودية، كذلك الامارات، إذ إن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة والهند قوية بالفعل. فالهند هي أكبر مستورد للسلع الإماراتية، والإمارات العربية المتحدة هي ثالث أكبر شريك تجاري للهند، واستثمرت الشركات الإماراتية مليارات الدولارات لإنشاء ممر الغذاء بين الهند والإمارات العربية المتحدة العام الماضي من أجل تعزيز الأمن الغذائي للبلد الخليجي، وتهدف الهند إلى أن تصبح سلة خبز الشرق الأوسط.

"لماذا تستمر مجموعة العشرين في الفشل، ولا تزال مهمة"؟ السؤال طرحته "النيويورك تايمز"، وأجابت: "بدأت G20 باجتماع لوزراء المالية بعد موجة من التخفيضات الحادة في قيمة العملة في أواخر تسعينات القرن العشرين، وأضافت اجتماعاً سنوياً لقادة العالم بعد الأزمة المالية العالمية بعد عقد من الزمان".

وضغط كبار المسؤولين (معظمهم من الألمان والكنديين والأميركيين) من أجل ما اعتبروه منتدى أكثر مرونة وشمولية من مجموعة الدول السبع التي يقودها الغرب، فقد اعتقدوا أن جمع القوى الراسخة والصاعدة من شأنه أن يحمي الاقتصاد العالمي بشكل أفضل، وتشير الأدلة المبكرة إلى أنهم كانوا على حق.

وأشاد العديد من الخبراء بالمجموعة لاستقرارها في النظام المالي في عامي 2008 و2009 من خلال الموافقة على تدابير إنفاق بقيمة 4 تريليونات دولار وإجراء إصلاحات مصرفية لإعادة بناء الثقة.

كما أظهرت قمة 2016 في الصين قوة الجمع بين القادة عندما أعلن الرئيس باراك أوباما والزعيم الصيني شي جين بينغ أن بلديهما سيوقعان على اتفاقية باريس في شأن المناخ.

وفي الآونة الأخيرة، في العام 2021، دعمت مجموعة العشرين إصلاحاً ضريبياً كبيراً شمل حدّاً أدنى عالمياً للضريبة لا يقل عن 15 في المئة لكل بلد، كما أيّدت القواعد الجديدة التي تتطلّب من الشركات العالمية الكبيرة مثل "أمازون" دفع ضرائب في البلدان التي تباع فيها منتجاتها، حتى لو كانت تفتقر إلى مكاتب هناك.

ووعدت الخطة بإضافة مليارات الدولارات من الإيرادات الحكومية وجعل الملاذات الضريبية أقلّ قوة دافعة للشركات، ولكن كما هي الحال مع الكثير من بيانات مجموعة العشرين، كانت المتابعة ضعيفة.

وأعلن صندوق النقد الدولي هذا العام أن "اتفاقية الضرائب العالمية خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنها لم تدخل حيّز التنفيذ بعد".

ماذا بعد قمة نيودلهي التي شهدت لأول مرة في مسيرة "مجموعة العشرين" غياب الصين عنها ومثلها روسيا؟ وأين العرب من هذه التحوّلات المذهلة في العلاقات الدولية من بوابة الاقتصاد؟

تحت عنوان "الصور الوافدة من قمة الـ20"، يجيب رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" غسان شربل بسؤال آخر: "الممر الصيني والممرُّ الهندي أيضاً، باطنُها مشاريعُ سياسية، فكيف للمنطقة أن تتحاشَى التورطَ في صراعِ الفيلةِ الدولية"؟

ثم يجيب: "الصورة العربية الوافدة من قمة العشرين صورة جديدة ومشرقة. لم يعد التحدي المطروح على العربي هو التكيف مع عالم يصنعه الآخرون، لقد انتزع حقَّ المشاركة في صناعة مستقبل العالم".

بدوره، يسأل عبد الرحمن الراشد الكاتب في "الشرق الأوسط": "أي الخياريّن، الصيني أم الهنديِ، أفضل لمنطقتنا"؟ ويجيب :"الاثنان معاً، ما أمكن ذلك. فالسعودية، على سبيل المثال، تبيع مليوني برميل نفط للصين، ونحو مليون برميل للهند. ويمثل البلدان اليوم، وإلى سنوات مقبلة، أكبر سوقين للرياض. فالهند ستزيد من استيرادها البترولي من 5 إلى 7 ملايين برميل يومياً في 2030، بخلاف ما يعد به رئيس الوزراء بتخفيض استيراد بلاده إلى النصف. التقديرات تقول العكس، ستزداد وارداتُها بنسبة النصف. وسيزداد تنافس القوى الصاعدة على مصادر البترول الجغرافية، والخليج تحديداً، فهي ركن أساسي في خطط السياسات العليا للدول الكبرى إلى منتصف القرن الحالي".

ويخلص الراشد الى القول :"من حيث التوقيت، السعودية في موقع قوي، آخذين في الاعتبار أنَّها تعمل منذ 6 سنوات على مشروعها الاقتصادي العملاق الذي ينسجم مع المبادرتين الصينية والهندية. وقد اتجهت لتقوية علاقاتِها الاقتصادية مع القوتين الصاعدتين. وإدارة العلاقات مع القوى الكبرى ليست بالمسألة الهيّنة؛ التنسيق النفطي مع موسكو، والتصدير لبكين ودلهي، والتعاون مع الولايات المتحدة عسكرياً".

الإيكونوميست البريطانية وفي عددها الأخير الذي صدر قبل انعقاد قمة نيودلهي، كتبت تحت عنوان "خط سكة حديد جديد سيربط أخيراً بين إيران والعراق"، ورأت المجلة أن "هذا الارتباط يمكن أن يحوّل العراق أكثر إلى أحضان إيران. وتشعر الكويت، التي اقترحت منذ فترة طويلة مد خط سكة حديد من العراق إلى موانئها، بالرفض. وفتح السعوديون خطاً قريباً من الحدود العراقية العام الماضي وينتظرون العراقيين لبناء قسمهم".

قبل مئة وأربعين عاماً، أنشئ قطار الشرق السريع لنقل المسافرين لمسافات طويلة، العام 1883. ومن أبرز المدن التي كان يربطها ذلك القطار هي باريس واسطنبول، وبقيّ قيد العمل حتى العام 1977، وقد ألهم القطار أغاثا كريستي لكتب روايتها البوليسية الشهيرة "جريمة في قطار الشرق السريع".

كم من الروايات التي سنقرأها في المستقبل حول الممر الاقتصادي العملاق الذي يعيد ربط أجزاء واسعة من العالم بعضها مع بعض؟