الغلاء يدمّر الأمن الغذائي والمعيشي في لبنان

  • 2023-03-31
  • 13:18

الغلاء يدمّر الأمن الغذائي والمعيشي في لبنان

انهيارات الليرة رفعت كلفة الاستهلاك 3000%

  • علي زين الدين

 

بات من المؤكد أن حصيلة التضخم التراكمية ستقفز فوق حاجز ثلاثة آلاف في المئة، مع صدور المؤشرات المحدثة لنهاية الفصل الأول من العام الحالي، والتي حفلت بأرقام قياسية لانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية ليصل الى نحو 145 الف ليرة لكل دولار، مقابل نحو 43 الف ليرة في نهاية العام الماضي.

ومع تواصل الضمور الحاد لسعر صرف الليرة الى حدود 1.3 في المئة فقط من قيمتها السوقية ازاء الدولار، تظهر المقارنة زيادات مفرطة في أسعار المواد الغذائيّة بنسبة 2800 في المئة حتى نهاية شهر فبراير/شباط، مقابل نحو 950 في المئة للفترة عينها من العام الماضي، اي بما يقارب ثلاثة اضعاف، علماً ان النسبة الجديدة انطلقت من مستوى الفين في المئة الموثقة، خلال الفترة الممتدّة من اندلاع الازمات في خريف العام 2019 وحتى نهاية العام الماضي.

وبرغم التهدئة "القسرية" التي فرضها التدخل الأحدث للبنك المركزي في اسواق المبادلات النقدية، تظل الترقبات قائمة الى حد الجزم، بتسجيل رقم قياسي وغير مسبوق لارتفاع مؤشر اسعار الاستهلاك، وبحصيلة من ثلاثة ارقام تبعاً للانهيارات المريعة التي اصابت سعر صرف الليرة والتقلص الحاد في قيمتها ازاء الدولار.

وقد تبدو جردة المؤشرات والأرقام "لزوم ما لا يلزم"، بالقياسات المعيشية التي تحاصر يوميات الناس في كل ابواب الإنفاق، بينما هم يحسبون الخسائر المتعاظمة واللاحقة بمداخيلهم وبمدخراتهم على مدار الساعات حيناً ومن يوم الى يوم دوماً، وبوتيرة غير مسبوقة، وذلك بعدما لحقت منظومة الاستهلاك بالصعود غير المسبوق لسعر الدولار في بلد يغطي نحو 80 في المئة من الاستهلاك وحاجات الحياة عبر الاستيراد، وبما يشمل كامل عناصر مؤشر السلع الغذائية، باستثناء نسبي للخبز المدعوم قمحه فقط بقرض من البنك الدولي. وبالمثل السلع الاساسية واكلاف الخدمات الحكومية، وحتى المصاريف المصنفة "رفاهية"، حيث اضحى ارتياد اي مطعم من "الكماليات" المدرجة ضمن قائمة "الاستغناء".

 

تحولات دراماتيكية

 

 وقد فرض التوسع التلقائي والقياسي لحجم الفجوة الكبيرة بين المداخيل المترهلة والكلفة المرتفعة لأبسط مقومات العيش، تحولات دراماتيكية في انماط الحياة لدى اغلب الشرائح الاجتماعية. وهو ما رصده باحثو مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، باستنتاج خطورة آليات التأقلم السلبية التي يتبعها السكان، لناحية اللجوء الى مواد غذائية ذات جودة ونوعية متردية، أو الإستغناء عن بعض المنتجات المفيدة للصحة، ما سيسبب أزمات صحية كثيرة في السنوات المقبلة، وستكون تبعاتها على القدرة المعيشية وعلى إنتاجية الأفراد وكذلك على فاتورة الصحة العامة كبيرة وخطيرة جداً.

وبالفعل، فإن كثيراً من الناس باتوا يستغنون عن مكونات كثيرة في طعامهم وموائدهم، إلا أنه يصعب الاستغناء عن الخضار والفواكه الأساسية. ومع عودة ارتفاع حصة كلفة الطعام من مجمل مدفوعات الأسرة، يمكن تصور التراجع الكبير في نوعية الحياة للكثير من الأسر، وخصوصاً تلك التي ما زالت رواتبها ومعاشاتها التقاعدية مقوّمة بالليرة.

 

تحت خط الفقر

 

وبينما يعيش 80 في المئة من السكّان اصلاً تحت خطّ الفقر، ويواجه 70 في المئة من السكان صعوبات في التأقلم مع النفقات المتزايدة، بحسب تقرير محدث صادر عن منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، فإنه مع مصادفة حلول شهر رمضان بدءاً من الثلث الأخير لشهر آذار/مارس، ظهر جانب مثير من النتائج المعيشية المتردية، بعدما تخطّت قيمة الإفطار اليومي للفرد مبلغ 1.2 مليون ليرة، وهي تشكل، بحسب تقرير مرصد، نحو ضعف قيمة الإفطار اليومي قبل عام بالتحديد، علماً انّ ذوي الدخل المحدود هم الأكثر تأثّراً بالأزمة، في حين أنّ شبكة الأمان الإجتماعي تعاني من قصور في التمويل.

وتظهر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي إرتفاعاً شهريّاً بنسبة 25.52 في المئة في مؤشِّر أسعار الاستهلاك في لبنان خلال شهر شباط 2023، مقارنةً بنسبة 8.43 في المئة في الشهر الذي سبقه، علماً ان متوسط سعر الدولار، والذي سيقرر فعلياً النسبة الاقرب لمؤشر اسعار الاستهلاك، بلغ نحو 85 الف ليرة في هذا الشهر، اي بزيادة قاربت مئة في المئة، لتتضاعف لاحقاً الى نحو 237 في المئة، قبل ان يلجمها البنك المركزي "مؤقتاً" عند حدود 110 آلاف ليرة لكل دولار، لتصبح نسبة الارتفاع الحالية نحو 156 في المئة.

 

ماذا عن الامن الغذائي؟

 

وتتطابق هذه المعطيات مع تحليل الأمن الغذائي للبنان الصادر حديثاً عن برنامج الغذاء العالمي للفترة الممتدّة بين شهر أيلول/سبتمبر وشهر كانون الأوّل/ديسمبر 2022، اي قبل الموجات الأعلى لارتفاع الدولار هذا العام، والذي يوثّق انعدام الأمن الغذائي لدى 37 في المئة من سكان البلد ( مواطنون ونازحون)، وان نسبة 33 في المئة من الاجمالي، اي نحو 1.29 مليون من اللبنانيّين و46 في المئة اي نحو 700 الف فرد من اللاجئين السوريّين يواجهون مصاعب في أمنهم الغذائي، كما بيّن الاستطلاع الدولي أنّ أسعار المواد الغذائيّة قد زادت بنسبة 2000 في المئة خلال الفترة الممتدّة بين شهر تشرين الأوّل/اكتوبر 2019 وشهر كانون الأوّل/ديسمبر 2022.

اما على صعيدٍ سنويٍّ، فقد سَجَّلَ مؤشِّر تضخُّم الأسعار زيادةً نسبتها 189.67 في المئة، لتقترب معه الحصيلة التراكمية لتداعيات انفجار الأزمتين المالية والنقدية إلى نحو 3 آلاف في المئة، بعدما سجلت 2784 في المئة الشهر الثاني من العام 2023، مقارنةً بمستوى بلغ 961 في المئة الفترة خلال سنة، علماً ان متوسّط الزيادة السنويّة في مؤشّر تضخّم الأسعار بلغ 156 في المئة لغاية شهر شباط/فبراير 2023.

 

مؤشر تضخم الأسعار

 

وجاء الإرتفاع السنويّ في مؤشّر تضخّم الأسعار نتيجة تسجيل جميع مكوّنات المؤشّر زيادات وازنة في أسعارها. وبالتفاصيل، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة بنسبة 260 في المئة، وهي تحوز الوزن الأعلى للتثقيل في المؤشر المجمع بنسبة 20 في المئة. ورافقها زيادة في أسعار النقل بنسبة 196.76 في المئة، وبنسبة تثقيل تبلغ 13.1 في المئة، وزيادة في أسعار المسكن الشامل لاكلاف الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى بنسبة 207 في المئة، وبنسبة تثقيل 11.8 في المئة، بتأثير اضافي من رفع تعرفة الكهرباء العامة الى 27 سنتاً بالحد الأدنى لكل "كيلوواط "\ساعة، فضلاً عن مضاعفة رسوم الاشتراك الشهرية.

وبالتتابع، برزت الارتفاعات غير المسبوقة في كلفة الصحّة بنسبة 315 في المئة، وبنسبة تثقيل تبلغ 7.7 في المئة، وفي أسعار التعليم بنسبة 192 في المئة، مع تثقيل بنسبة 6.6 في المئة، وفي أسعار الاتصالات بنسبة 380 في المئة، وبنسبة تثقيل بنسبة 4.5 في المئة، بعدما لجأت المؤسّسات التعليميّة والإستشفائيّة وشركات الإتّصالات إلى التسعير بالدولار الفريش بشكل جزئي أو كلّي للخدمات التي تقدمها.

ومن المعلوم ان القطاع الصحّي قد تضرر بشكل كبير جرّاء الأزمة بحيث يعاني من نقص في الأدوية ومن الإنقطاع في التيّار الكهربائي ومن هجرة جماعيّة للطواقم الطبيّة، ما انتج ضغطاً إضافياً على العاملين في القطاع، والأمر عينه بالنسبة للقطاع التعليمي ومعاناته من هجرة العاملين والإنقطاع في التيّار الكهربائي وخدمة الإنترنت مع الإشارة إلى أنّ المدارس الحكوميّة قد أغلقت لفترات طويلة من الوقت.