الاقتصاد العالمي يفقد زخم انتعاش ما بعد الجائحة

  • 2022-01-14
  • 13:00

الاقتصاد العالمي يفقد زخم انتعاش ما بعد الجائحة

يواجه الانتعاش الاقتصادي العالمي رياحاً معاكسة قوية في ظل موجات جديدة من إصابات "كوفيد-19" واستمرار التحديات في سوق العمل وفي سلسلة الإمدادات وتزايد ضغوط التضخم.

فبعد توسّع بنسبة 5.5 في المئة في العام 2021، يُتوقع أن ينمو الناتج العالمي بنسبة 4 في المئة فقط في العام 2022 و3.5 في المئة في العام 2023، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة عن الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم للعام 2022.

وأبرز التقرير أن الانتعاش القوي في العام 2021 سجل أعلى معدل نمو منذ أكثر من 4 عقود، مدفوعاً بإنفاق استهلاكي قوي وبعض الإقبال على الاستثمار، مع تجاوز التجارة في السلع لمستويات ما قبل الوباء. ومع ذلك، تباطأ زخم النمو بشكل كبير بحلول نهاية العام 2021 خصوصاً في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث بدأت آثار المحفّزات النقدية والمالية تتراجع فيما برزت اضطرابات رئيسية في سلسلة الإمدادات، كما تشكل ضغوط التضخم المتزايدة في العديد من الاقتصادات مخاطر إضافية على الانتعاش.

وقال الأمين العام لـ"الأمم المتحدة" أنطونيوغوتيريش، وفقاً لملخص التقرير الذي تلقى موقع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" نسخة منه، إن في هذه الفترة الهشة وغير المتكافئة من الانتعاش العالمي، تدعو الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم عام 2022 إلى سياسات وتدابير مالية مستهدفة ومنسقة بشكل أفضل على الصعيدين الوطني والدولي.

وأوضح أنه حان الوقت الآن لسد فجوات عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها، مشيراً إلى أنه إذ تمّ العمل في تضامن - كأسرة بشرية واحدة - يمكن للجميع  أن يجعل العام 2022 عاماً حقيقياً للتعافي للناس والاقتصادات على حدٍ سواء.

ومع انطلاق موجات جديدة من عدوى متحور "أوميكرون" الشديد الانتقال، يُتوقع أن تزداد الخسائر البشرية والاقتصادية للوباء مرة أخرى. وأشار وكيل الأمين العام لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة ليو زينمين إلى أنه "من دون نهج عالمي منسق ومستدام لاحتواء كوفيد 19 يشمل إتاحة اللقاحات للجميع، سيظل الوباء يشكل أكبر خطر على الانتعاش الشامل والمستدام للاقتصاد العالمي".

التعافي متباطئ

يُتوقع أن تظل مستويات التوظيف أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة خلال العامين المقبلين، وربما بعد ذلك. ولا تزال مشاركة القوى العاملة في الولايات المتحدة وأوروبا عند مستويات منخفضة تاريخياً، حيث إن الكثيرين ممن فقدوا وظائفهم أو تركوا سوق العمل أثناء الوباء لم يعودوا إليه بعد. ويضيف نقص اليد العمالة في الاقتصادات المتقدمة إلى تحديات سلسلة الإمداد وضغوط التضخم. وفي الوقت نفسه، لا يزال نمو التشغيل في البلدان النامية ضعيفاً، وسط انخفاض التقدم في التلقيح ضد "كوفيد-19" ومحدودية محفزات الإنفاق.

ومن المتوقع أن تشهد أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وغرب آسيا انتعاشاً بطيئاً في الوظائف. وفي العديد من البلدان، لا تتمكّن وتيرة خلق فرص العمل من تعويض الخسائر السابقة للعمالة وفي سياق ضعف انتعاش استعادة الوظائف، من المتوقع أن يظل عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، مع توقع زيادة الفقر في الاقتصادات الأكثر ضعفاً. وفي أفريقيا، من المتوقع أن يرتفع العدد المطلق للأشخاص الذين يعيشون في فقر حتى العام 2023.

"كوفيد-19" طويل الأمد

تبرز مستويات أعلى من عدم المساواة داخل البلدان وفي لاما بينها كأثر طويل الأمد للوباء. وفي السنوات المقبلة، سيظل الانتعاش الكامل لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بعيد المنال بالنسبة الى العديد من البلدان النامية. ومن المتوقع أن تشهد أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، على التوالي، فجوات تبلغ 5.5 و4.2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة، وستؤدي هذه الفجوات المستمرة في الإنتاج إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة وإحباط التقدم في تحقيق التنمية المستدامة وكذلك معالجة تغيّر المناخ. في المقابل، من المتوقع أن يتعافى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة، بالنسبة الى توقعات ما قبل الجائحة، بالكامل تقريباً بحلول العام 2023.

علاوة على ذلك، يؤدي التعافي غير المتكافئ للعمالة والدخل بين مختلف المجموعات السكانية إلى تفاقم تفاوت الدخل داخل البلدان. وشهدت النساء، ولاسيما في البلدان النامية، نقصاً في العمالة نتيجة لهذا الوباء وسيظل دعم العمل المنزلي غير مدفوع الأجر، بما في ذلك رعاية الأطفال، أمراً بالغ الأهمية لمساعدة النساء على العودة الى سوق العمل.

الاقتصاد الكلي

لا تزال محدودية الحيز المالي وقيود التمويل في العديد من البلدان النامية تحد من قدرة الحكومات على النفقات المتصلة بالجائحة، بما في ذلك توسيع نطاق التطعيم والحماية الاجتماعية ودعم فرص العمل، وستظل المواقف المالية التيسيرية – أي تجنب الضبط المبكر للأوضاع المالية العامة – أولوية لضمان تعاف صلب وشامل ومستدام. وقد بدأت البنوك المركزية عبر العالم في تخفيف استجابتها النقدية غير العادية للأزمة وسط ضغوط تضخمية متزايدة. ورغم ضرورته، يمكن أن يقوّض السحب السريع للحوافز النقدية جهود الانتعاش الهش. لقد كانت برامج شراء الأصول، على وجه الخصوص، فعّالة في معالجة الضائقة المالية ودعم الانتعاش خلال المراحل الأولى من الأزمة. ومع ذلك، فقد أدّت هذه البرامج أيضاً إلى زيادة نقاط الضعف المالي العالمية، ووسعت أوجه التفاوت في الثروة.

تشكل الأوضاع المالية وحالة الديون تحدياً خاصاً بالنسبة الى العديد من البلدان النامية المنخفضة الدخل. وقد وضعت أعباء الديون الخارجية التي لا يمكن تحملها، والاقتراض الإضافي أثناء الجائحة، وزيادة تكاليف خدمة الديون، العديد من هذه البلدان على شفير أزمة ديون.

ويمكن أن يؤدي إلغاء برامج شراء الأصول والزيادات الحادة في أسعار الفائدة في البلدان المتقدمة إلى تدفقات كبيرة لرؤوس الأموال للخارج وتفاقم من صعوبة القدرة على تحمّل أعباء الديون بالنسبة الى العديد من البلدان النامية. وأشار التقرير الى أن هذه البلدان في حاجة ماسة لمزيد من الدعم الدولي المنسق لتخفيف عبء الديون.

وأكد رئيس فرع الرصد الاقتصادي العالمي والمؤلف الرئيسي للتقرير حامد راشد أن "السلطات النقدية في البلدان المتقدمة ستحتاج إلى ضبط نسق وتسلسل تقليص شراءات الأصول وخفض ميزانياتها للحفاظ على الاستقرار المالي، وعلى كلفة منخفضة لخدمة الدين العام، ولضمان القدرة على تحمل أعباء الديون وتجنب الضبط المبكر لأوضاع المالية العامة".