نوكيا تصارع لتثبيت موقعها في سوق الجيل الخامس

  • 2020-07-13
  • 21:00

نوكيا تصارع لتثبيت موقعها في سوق الجيل الخامس

هل تتسبب شرائح نوكيا الرقمية الجديدة والعالية التكلفة بخسارتها عملاء كبار لمصلحة اريكسون وهواوي؟

  • إياد ديراني

نوكيا مصمّمة على زيادة حصتها في عالم شبكات الجيل الخامس حول العالم، لكن التطورات الأخيرة لم تكن مشجّعة للشركة الفنلندية التي عانت من مشاكل عدة، آخرها تعثّر مشروعها المُكلف لتصنيع معالج رقمي Processor مُستخدم في معدات الجيل الخامس التي تبيعها لمشغلي شبكات الاتصالات حول العالم. ويمكن القول، بناء على أحدث المعطيات، إن حسابات "حقل قمح" نوكيا لم تتطابق مع حسابات "بيدرها"، والنتيجة كانت عدم تقبّل عدد من مشغلي شبكات الاتصالات للأسعار المرتفعة المرتبطة بهذا الخط من المعالجات الرقمية وأدائها. وبحسب بعض التقارير، تبيّن أن المعالجات الجديدة تستهلك كمية من الطاقة تفوق تلك المُستهلكة في معالجات اريكسون وهواوي. وعلى سبيل المثال، بلغ سعر معالجات SoC chips من نوكيا ضعف سعر المعالجات المنافسة التي تبيعها اريكسون وهواوي.

لكن، لماذا تعثّرت خطوات نوكيا في مجال المعالجات أمام هواوي واريكسون، في الوقت الذي كانت إدارتها تعرف أن المنافسة الشديدة تتمحور حول السعر والنوعية والأداء؟ وأين تحتدم المنافسة حالياً، وكيف تنعكس على أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وما علاقة الإدارة الأميركية بهذا الملف التقني؟

 

رهانات خاطئة

 

بدأت قصة مشروع نوكيا للإستثمار في تطوير المعالجات الرقمية المُستخدمة في معدات الجيل الخامس، مع الرئيس التنفيذي راجيف سوري الذي يغادر الشهر المقبل منصبه، ليحلّ مكانه بيكا لاندمارك الآتي من شركة فنلندية للطاقة النظيفة حيث شغل منصب الرئيس التنفيذي. راجيف سوري أجرى تغييرات كبيرة في الشركة لتحقيق هدف استراتيجي يتمثّل في تمكين شركته من بيع كل أنواع المعدات التي يحتاجها مشغّلو شبكات الاتصالات النقالة والثابتة ومزوّدو خدمات الانترنت في مجال الجيل الخامس. السبب كان واضحاً وهو تثبيت موقع الشركة في المنافسة أمام اريكسون السويدية وهواوي الصينية، وسائر اللاعبين مثل ZTE الصينية وسامسونغ الكورية. وقدّر راجيف سوري يومها، أن تمكين نوكيا من بيع كل أنواع المعدات سيساهم في اقتناص جزء من حصة هواوي عالمياً، خصوصاً أن الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب كانت في تلك الفترة تُطلق واحدة من أشرس الحملات ضد الصين وشركاتها، وعلى رأسها "أيقونة" الاقتصاد الصيني الصاعد "هواوي"، وتستمر الإدارة الأميركية في محاولة إقناع حلفائها حول العالم بإقصاء هواوي عن اتفاقات الجيل الخامس، لإحلال شركات أوروبية وأميركية مكانها. 

 

السوق الإقليمية 

 

لكن خطة راجيف سوري لم تكن موفّقة، والأرقام تختصر الرواية: بحسب أبحاث مجموعة ديل أورو المتخصصة في قطاع الاتصالات انخفضت حصة نوكيا العام الماضي في سوق شبكات الاتصالات حول العالم من 16.9 إلى 16.2 في المئة. في المقابل، رفعت هواوي حصتها من 27.5 إلى 28.3 في المئة، كما رفعت اريكسون حصتها بشكل طفيف من 13.7 إلى 13.9 في المئة. ردة الفعل الأولى على النتائج، جاءت من الولايات المتحدة التي لا تملك شركات تصنّع معدات الجيل الخامس، إذ سلّط الإعلام الضوء على فشل إدارة ترامب في تسويق فكرة استبدال هواوي في السوق، إذ إنه كلما ازداد الضغط على هذه الشركة تقوم بتحسين أدائها ونتائجها في مختلف أسواق العالم، بما في ذلك أسواق الشرق الأوسط التي تشهد طلباً كبيراً على حلول شبكات الجيل الخامس.

في البحرين مثلاً، وقّعت VIVA Bahrain التابعة لشركة الاتصالات السعودية اتفاقية مع هواوي لاستخدام معداتها في شبكة الجيل الخامس، وسبق أن صرح وزير المواصلات والاتصالات البحريني كمال بن أحمد محمد رداً على سؤال متعلق بهواجس الإدارة الأميركية تجاه هواوي، قائلاً: "ليست لدينا هواجس في هذه المرحلة، طالما أن هذه التكنولوجيا تتلاقى والمواصفات التي نضعها"، الأمر ذاته ينطبق على مجموعة من مشغلي شبكات الاتصالات الخليجيين، إذ سبق أن قال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة "دو" الاماراتية سليم البلوشي، إن شركته لا ترى دليلاً على المخاوف الأمنية في شأن تكنولوجيا هواوي للجيل الخامس. 

صحيح أن نوكيا لم تحقق استفادة من الحملة الأميركية على هواوي في الشرق الأوسط، إلا أن اريكسون تحقق نجاحات متتالية، وقد تمكنت في الفترة الماضية من توقيع عدد كبير مع مشغلي الإتصالات في مختلف بلدان المنطقة. وتتمتع اريكسون بمكانة قوية في الشرق الأوسط، إذ تحظى بثقة المشغلين، لكنها تعمل بشكل حثيث على رفع قدراتها وجهوزيتها على صعيدي الحلول التقنية والعلاقات التجارية للمحافظة على قوتها ورشاقتها وسط المنافسة القوية، خصوصاً أن هواوي تستمر بالتوسع في أسواق المنطقة.  

 

ترتيب ملفات

 

نوكيا استدركت الطريق الخاطئ الذي كانت تسلكه في العام 2018 حيال شبكات الجيل الخامس، واستبدلت رئيس قطاع معدات اللاسلكي بشخص آخر هو تومي يتو، الذي أطلق خطة جديدة لاسترجاع دينامية الشركة في القطاع. الخطوة الأولى التي قام بها كانت مضاعفة ميزانية الأبحاث والتطوير R&D لصناعة معالجات رقمية جديدة، لكن تومي يتو يقول إن سبب عدم نجاح المقاربة الجديدة المتعلقة بالمعالجات وبعض الملفات الأخرى، كان ببساطة عدم توفر فرق العمل الكافية. ويضيف أنه بدلاً من الاعتماد على مزوّد واحد في مجال المعالجات، تمّ رفع العدد إلى ثلاثة. كذلك عيّنت نوكيا أخيراً مديراً مالياً جديداً هو ماركو ويرين، تحضيراً لما وصفته"رحلة إعادة التنظيم الواسعة" التي تستهدف ترتيب بيتها الداخلي، تمهيداً لرفع قدراتها التنافسية.

 

المنافسة تزداد شراسة

 

في الوقت الذي تواجه فيه نوكيا عراقيل في رفع حصتها في سوق الاتصالات النقالة عموماً وشبكات الجيل الخامس خصوصاً، تحتدم المنافسة عالمياً. في آخر الاحصاءات المتوفرة حول "مائدة" سوق الـ 5G يتبيّن أن عدد العقود التي وقعتها هواوي وصل إلى 91 فيما وقعت اريكسون 81 عقداً، أما عدد عقود نوكيا فبلغ 67. وفي أوروبا فقط، وهي "عقر دار" نوكيا واريكسون وقعت هواوي 47 اتفاقية للجيل الخامس، علماً أن حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا مثل المملكة المتحدة، اتخذوا في الأسابيع الماضية خطوات تصعيدية عدة ضد هواوي.     

السبب الرئيسي لانخفاض عدد عقود نوكيا مقارنة بالمنافسين، يعود بحسب تقارير عدة، إلى الأسعار وأداء بعض أنواع المعدات، لكن هناك أسباباً أخرى يمكن اختصارها بعدم توفر مروحة حلول تقنية ذات قدرات تنافسية لدى نوكيا، بشكل خاص في مجال انترنت الأشياء والأنظمة الذكية وأنظمة إدارة المرافق، فضلاً عن حلول الحوسبة الذكية، كما إن شركات مثل هواوي تتفوّق على نوكيا حين يتعلق الأمر بتمويل المشاريع الكبرى، في العام 2019 فقط، موّلت هواوي مشروعاً في مجال حلول السحابة Cloud Solutions ورصدت له مليارات الدولارات. 

لكن على الرغم من التحديات التي تواجهها نوكيا في مجال الجيل الخامس، تشير تقارير إلى أنها قد تتمكن من المحافظة على مركزها في الفترة المقبلة إذا تمكن الرئيس التنفيذي الجديد من النجاح في إعادة هيكلة أعمال الشركة بشكل يتناسب مع التطورات الجديدة في أسواق الاتصالات العالمية. وثمة تقديرات تشير إلى إمكانية استمرار نوكيا، باحتلال المركز الثالث عالمياً في سوق الاتصالات خلال السنوات القليلة المقبلة. وبحسب دراسة لـ Strategy Analytics قد يعتمد في حلول سنة 2023 نحو 22.7 في المئة من مشتركي الجيل الخامس عالمياً على شبكات نوكيا، فيما سيعتمد 22.9 في المئة على شبكات اريكسون، أما حصة الأسد فقد تبقى مع هواوي وبنسبة 24.8 في المئة، فيما سيتقاسم باقي الشركات مثل سامسونغ وZTE وغيرها نسبة الـ 29.6 في المئة المتبقية.