استراتيجيتنا الانتصار وليس التعايش

  • 2020-06-11
  • 09:54

استراتيجيتنا الانتصار وليس التعايش

  • الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي (*)

بعد شهور من الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة وباء "كوفيد- 19" بدأ المجتمع وبتعليمات دقيقة من الجهات المختصة بالعودة إلى العمل وممارسة الشؤون اليومية بشكل تدريجي ومدروس، ما يعني الإنتقال نحو مرحلة جديدة من مكافحة المرض وتجاوز التحديات التي يفرضها على مختلف نواحي الحياة.

إن هذه العودة لا تعبّر عن اختفاء الفيروس أو زوال الخطر، بل عن قدرة البشر على ابتكار أساليب جديدة ومبدعة للعيش، تقلص من إمكانية الإصابة بالفيروس للحدود الدنيا وتحفظ للحياة دورتها الطبيعية في الوقت ذاته، وهنا يأتي دورنا كإعلاميين في توجيه الجمهور نحو الإنتصار على الوباء وليس التعايش معه، ونحو ترسيخ الوعي والإنتباه لتفاصيل حياتنا كافة حتى تلك الصغيرة منها والتي نظن للحظة أنها غير مهمة.

قرار العودة للنشاط اليومي هو في الحقيقة رهان على الوعي الفردي والجماعي وإيمان بقدرة البشر على الارتقاء الدائم بأشكال وأساليب حياتهم، هذه القدرة التي أثبتوها بكفاءة في محطاتهم التاريخية الحاسمة، عندما انتصروا على تحدياتهم وطوروا ممارساتهم وأدواتهم حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من الرقي والتقدم والاختراعات العلمية.

لقد ميّز الله الإنسان عن غيره من الكائنات الحية بقدرته على الابداع، ففي الوقت الذي تكيفت فيه الحيوانات مع البرد والحر والجفاف، توصل الإنسان إلى بناء البيوت واكتشف وسائل التدفئة والتبريد وشق الطرق وركب البحر وسخر طاقة الرياح والنار لتلبية احتياجاته، وعندما عانى في الماضي من الأوبئة والأمراض، استثمر في علومه ومعارفه واكتشف العلاجات واللقاحات لتستمر الحياة في التطور جيلاً بعد جيل.

لقد تجلى هذا الإبداع الإنساني في مرحلة الحظر والتزام المنازل، تباعدنا في المسافة وتقاربنا في المشاعر والتعاطف والتعاون. مكث الناس في بيوتهم، وكانوا مشدودين طوال الوقت لمهامهم وواجباتهم الوظيفية والاجتماعية. زادت الأعباء على البعض، فوجدوا من يتقاسم معهم همومهم ويعمل على تلبية احتياجاتهم من خلال المبادرات الفردية والمؤسساتية، وهذا كله حمل إشارة مهمة وهي أن المخرج من هذه الحالة الطارئة يبدأ بانتصار الوعي على الظروف، وتفوق الأخلاق الفردية والجماعية على تحديات المرحلة.

 وعلى الرغم مما أبدته مكونات المجتمع الإماراتي كافة من وعي والتزام ومسؤولية فردية وجماعية خلال الأزمة، إلا أن العودة الى العمل والحياة الطبيعية تشكل نقلة حساسة ودقيقة جداً، تستوجب من الجميع ليس فقط الالتزام بتوجيهات الجهات الرسمية، بل وترجمتها في الممارسات والمسلكيات والمواقف كافة بشكل مبدع وخلاق، ودورنا كإعلامين، أن نكون مرشدين للجمهور في مسيرته نحو تجاوز الأزمة بأقل التكاليف، وذلك من خلال نقاش دوري ومستمر للمسلكيات والممارسات كافة للوقوف على الثغرات ومحاولة سدها بطريقة عملية وحكيمة، واكتشاف بدائل جديدة عن الأنماط التقليدية القديمة للممارسات التي لم تعد مناسبة الآن، إلى جانب توفير إجابات شافية على الأسئلة التي قد تشغل بال الجمهور في هذه المرحلة.

الإنتصار وليس التعايش هو عنوان إستراتيجيتنا للمرحلة المقبلة، ونجاح هذه الإستراتيجية لا يتعلق بالقرارات الرسمية فقط، بل بوعي كل فرد وإدراكه أننا في معركة لا تحتمل التراخي أو الإهمال والخسارة، وأن أهم سلاح نملكه في هذه المعركة هو الشراكة في الوعي ذاته، فنفكر معاً ونقرر معاً وننتصر معاً.