موازنات الخليج 2025 بين ضغوط النفط ورهانات التنويع

  • 2025-06-11
  • 10:17

موازنات الخليج 2025 بين ضغوط النفط ورهانات التنويع

  • إعداد: سوليكا علاء الدين

مع التراجع الذي سجلته أسعار النفط منذ مطلع العام الحالي، انتقلت الاولوية في السياسات المالية لبلدان الخليج الى الموازنة بين الاستدامة المالية والاستمرار في الإنفاق على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية. هذا في الوقت الذي تواصل هذه البلدان السعي إلى التقدم في استراتيجية التنويع الاقتصادي وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد.  وفي تقرير صادر حديثاً، استعرضت شركة "كامكو إنفست" موازنات دول مجلس التعاون الخليجي للعام 2025، والتي أظهرت توجّهاً متزايداً نحو ترشيد الإنفاق، في ظل استمرار الضغوط على جانب الإيرادات وتقلّبات الأسواق العالمية.

وفقاً للتقديرات، يُتوقع أن يبلغ إجمالي الإنفاق المُدرج في موازنات دول الخليج للسنة المالية الحالية نحو 545.3 مليار دولار أميركي، مسجّلاً انخفاضاً طفيفاً مقارنة بمستويات العام الماضي التي بلغت 554.9 مليار دولار. في المقابل، تُقدَّر الإيرادات المدرجة ضمن الموازنات بنحو 488.4 مليار دولار، متراجعة بنسبة 3.1 في المئة مقارنة بـ 504.1 مليارات دولار في العام 2024. ويُعزى هذا الانخفاض في الإيرادات إلى قيام الدول الخليجية الأعضاء في منظمة "أوبك" بخفض حصص إنتاج النفط. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يبلغ العجز المالي الإجمالي لدول الخليج نحو 56.9 مليار دولار خلال العام 2025، مقارنةً بعجز قدره 50.8 مليار دولار في العام السابق. 

 

تنويع وتوسع

 

 

في ظل التوجّه المتزايد نحو تنويع مصادر الدخل، أعلنت حكومات المنطقة عن خطط لاعتماد ميزانيات توسعية تركز على دعم قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، كما كشفت عن استثمارات ضخمة في مشاريع التشييد وتطوير البنية التحتية. وتهدف هذه الخطط إلى إعادة هيكلة القطاعات غير النفطية وتعزيز دورها الاقتصادي، بما يساهم في تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمتها خلال الفترة المقبلة.

وعلى مستوى كل دولة على حدة، من المتوقع أن تمثّل المملكة العربية السعودية ما نسبته 65.5 في المئة من إجمالي الإيرادات المدرجة في الموازنات الخليجية لعام 2025، تليها الكويت بنسبة 12.2 في المئة، ثم قطر بنسبة 10.9 في المئة.

أما على صعيد النفقات، فمن المتوقع أن تنال السعودية أيضاً الحصة الأكبر، بنسبة 63.6 في المئة من إجمالي النفقات المدرجة في الموازنات الخليجية لهذا العام.

في سياق متصل، بلغ مؤشر سوق المشاريع الخليجية للعقود المتوقع طرحها نحو 1.54 تريليون دولار أميركي حتى أبريل 2025، وفقاً لما أوردته مجلة "ميد"، وقد استحوذت المملكة على النصيب الأكبر من هذه المشاريع، بنسبة 52.1 في المئة، أي ما يعادل 801.2 مليار دولار أميركي، تليها دولة الإمارات بمشاريع تبلغ قيمتها 312.3 مليار دولار، ثم سلطنة عمان بمشاريع مرتقبة تقدَّر بنحو 169.9 مليار دولار.

 

اقتصاد سعودي متجدد

 

في المقابل، تستمر السعودية في تنفيذ خططها التوسعية، متوقعة إيرادات تصل إلى 1.18 تريليون ريال (319.7 مليار دولار) للعام المالي 2025، مع تخصيص نفقات استثمارية تبلغ 1.28 تريليون ريال لتعزيز التنمية الاقتصادية، ما يعكس التزامها بخطط توسعية تهدف إلى دعم النمو المستدام، رغم تسجيل عجز يُقدَّر بـ 101 مليار ريال (27.3 مليار دولار) كجزء من هذه الاستثمارات المستقبلية.

وتترقب المملكة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.6 في المئة في 2025، مدعوماً بقطاع غير نفطي قوي. وتركّز الموازنة على استدامة الخدمات الأساسية وتسريع الإنفاق على المشاريع الحيوية، إلى جانب دور محوري لصناديق الثروة السيادية، خصوصاً صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني، في دعم الاستقرار الاقتصادي وتحقيق مستهدفات "رؤية 2030" عبر تنويع الدخل وتعزيز الاستثمارات والنمو غير النفطي.

وتتوقع وزارة المالية السعودية أن تصل الإيرادات الضريبية لعام 2025 إلى 379 مليار ريال، بزيادة قدرها 4 في المئة مقارنة مع العام 2024، وتمثل هذه الإيرادات 32 في المئة من إجمالي الإيرادات، مدعومة بتحسن النشاط الاقتصادي وتطوير الإدارة الضريبية. وتشكل الضرائب على السلع والخدمات 77 في المئة من إجمالي الإيرادات الضريبية. وعلى صعيد النفقات، يتصدر القطاع العسكري الميزانية بمبلغ 272 مليار ريال، يليه قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية بـ 260 مليار ريال. وتعكس هذه المؤشرات تحسّن ثقة المستثمرين، حيث رفعت وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"موديز" تصنيف السعودية ونظرتها المستقبلية.

 


 

الامارات: نمو في الميزانية الاتحادية

 

وفي الإمارات، تعتمد الميزانية للسنة المالية 2025 بقيمة 71.5 مليار درهم، بزيادة 11.6 في المئة عن العام السابق، مع إيرادات تقديرية مماثلة ترتفع بنسبة 8.8 في المئة. وتتركز المخصصات على قطاعات حيوية تشمل التنمية الاجتماعية والمعاشات التقاعدية، والشؤون الحكومية، والبنية التحتية والقضايا الاقتصادية، والاستثمارات المالية، إلى جانب جوانب النفقات الاتحادية الأخرى. وقد خصصت الميزانية النصيب الأكبر لقطاع التنمية الاجتماعية والمزايا الاجتماعية بنسبة 39 في المئة، يليه قطاع الشؤون الحكومية بنسبة 36 في المئة، كما تم تخصيص 4 في المئة للبنية التحتية والاقتصاد، و4 في المئة لقطاع الاستثمارات المالية، و18 في المئة للمصروفات الاتحادية الأخرى.

وتسَلّط الميزانية الضوء على مرونة الاقتصاد الإماراتي وقدرته على تمويل المشاريع التنموية والاجتماعية، مع تركيز قوي على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، مما يعزز مكانة الإمارات كدولة رائدة في تحسين جودة الحياة.

ولا بدّ من الاشارة هنا ان الانفاق العام في الامارات هو أكبر بكثير مما تتضمنه الميزانية الاتحادية ليشمل الميزانيات التي تنفقها كل امارة ولا سيما ابوظبي ودبي والشارقة.

 

نمو واستثمار الكويت

 

كشفت وزارة المالية الكويتية عن مسودة موازنة السنة المالية 2025، والتي تشير إلى زيادة في العجز المتوقع بنسبة 11.9 في المئة، ليصل إلى 6.3 مليارات دينار كويتي (20.60 مليار دولار أميركي)، مقارنة بعجز قدره 5.6 مليارات دينار كويتي (18.22 مليار دولار أميركي) في السنة المالية 2024.

وتتوقّع موازنة الكويت للسنة المالية 2025/2026 انخفاض الإيرادات إلى 18.2 مليار دينار كويتي (59.4 مليار دولار)، بتراجع نسبته 3.6 في المئة عن العام السابق، وذلك استناداً إلى سعر نفط تقديري يبلغ 68 دولاراً للبرميل، وإنتاج يومي يقدَّر بـ 2.5 مليون برميل. ورغم استمرار هيمنة النفط، تتراجع حصته إلى 84 في المئة من إجمالي الإيرادات، مقابل نمو الإيرادات غير النفطية إلى 16 في المئة. وبناءً على توقعات الإيرادات والنفقات، تقدّر وزارة المالية سعر التعادل عند 90.5 دولار للبرميل، فيما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى 80.2 دولار لعام 2025، و76.7 دولار لعام 2026.

على صعيد آخر، سجلت الكويت في العام 2024 أعلى قيمة للمشاريع المسندة منذ ستة أعوام، حيث بلغت 9.5 مليارات دولار، بنمو سنوي قدره 50 في المئة، مدفوعة باستثمارات ضخمة في البنية التحتية ضمن "رؤية الكويت 2035". وفي الربع الأول من 2025، قفزت قيمة المشاريع بنسبة 200 في المئة لتصل إلى 1.4 مليار دولار، مسجلةً بذلك أعلى نمو بين دول الخليج.

 

قطر: الغز والاستثمار... والتنويع

 

أما قطر، فتُقدّر إيرادات ميزانيتها للسنة المالية 2025 بنحو 197 مليار ريال قطري (53.3 مليار دولار)، منخفضة بنسبة 2.5 في المئة مقارنة بالعام السابق، مع اعتماد سعر نفط تقديري يبلغ 60 دولاراً للبرميل. في المقابل، من المتوقع أن ترتفع النفقات إلى 210.2 مليارات ريال (56.8 مليار دولار) بزيادة 4.6 في المئة، ما يؤدي إلى عجز يبلغ 13.2 مليار ريال يُموَّل عبر أدوات دين محلية وخارجية. وشهدت مخصصات الرواتب ارتفاعاً بنسبة 5.5 في المئة لتصل إلى 67.5 مليار ريال، بينما خصصت 41.4 مليار ريال للتعليم والرعاية الصحية، بنسبة تمثل 20 في المئة من إجمالي النفقات.

وتولي قطر اهتماماً خاصاً بتنمية رأس المال البشري وتحسين جودة الخدمات العامة، حيث ارتفعت النفقات الرأسمالية الثانوية والجارية بنسبة 7.7 و6.3 في المئة على التوالي، مع نمو هامشي في النفقات الرأسمالية الكبرى بنسبة 1.4 في المئة، ومن المتوقع أن تبلغ إيرادات النفط والغاز 154 مليار ريال قطري، بتراجع 3.1 في المئة، بينما تظل الإيرادات غير النفطية مستقرة عند 43 مليار ريال. كما تخصص الميزانية دعماً لقطاعات استراتيجية مثل التجارة، الصناعة، البحث، السياحة، والتحول الرقمي، تعزيزاً للتنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة في مختلف أركان الاقتصاد الوطني.

 

 

 

عُمان: ميزانية طموحة

 

في إطار جهود سلطنة عُمان على تحقيق التنمية المستدامة وضمان استقرار المالية العامة، أعلنت الحكومة عن ميزانية العام 2025 التي تركز على تعزيز القطاعات الاجتماعية والتنموية، حيث بلغ العجز المالي المقدر في الميزانية 620 مليون ريال عماني (1.61 مليار دولار)، مع توقعات بإيرادات تصل إلى 11.18 مليار ريال بزيادة قدرها 1.5 في المئة، مقابل نفقات تقديرية تبلغ 11.80 مليار ريال بارتفاع بنسبة 1.3 في المئة، وتعتمد الميزانية على سعر نفط ثابت عند 60 دولاراً للبرميل وإنتاج يومي يتجاوز مليون برميل.

تمّ تخصيص نحو 42 في المئة من النفقات للقطاعات الاجتماعية والأساسية، منها 39 في المئة للتعليم، و28 في المئة للضمان الاجتماعي، و24 في المئة للرعاية الصحية، إلى جانب تخصيص 557 مليون ريال لمبادرات الحماية الاجتماعية، و1.14 مليار ريال للمشاريع التنموية ذات الأثر الاقتصادي الكبير.

وتسعى الميزانية إلى التوافق مع الإطار المالي للخطة الخمسية العاشرة، مع التركيز على تنفيذ المشاريع التنموية، وتعزيز التحولات الحضرية، واستمرار الدعم الحكومي للمرافق الأساسية والسلع الغذائية والخدمات العامة، مما يعكس التزام السلطنة المستمر بتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة.

 

 

البحرين تدعم التحول

 

أما مملكة البحرين، فقد أقرّت الحكومة ميزانية العام 2025 بإجمالي نفقات قدرها 4.4 مليارات دينار بحريني، مسجلة زيادة بنسبة 20.6 في المئة مقارنة مع العام 2024، رغم توقع انخفاض الإيرادات إلى 2.9 مليار دينار بتراجع 15.7 في المئة، مما يفضي إلى عجز مالي مقدر بنحو 1.5 مليار دينار (ما يعادل 3.9 مليارات دولار)، وتتركز ميزانية 2025 على دعم القطاعات الحيوية، مثل الخدمات العامة، الإسكان، الشؤون الاقتصادية، التعليم، والرعاية الصحية.

أما ميزانية العام 2026، فتتضمن نفقات بقيمة 4.5 مليارات دينار وإيرادات تصل إلى 3.5 مليارات، مع توقع عجز يبلغ 1.1 مليار دينار. وتشمل هذه الميزانية دعماً اجتماعياً وتنموياً واسع النطاق، حيث تم تخصيص 800 مليون دينار لمشاريع الإسكان، و688 مليوناً للرعاية الصحية، إلى جانب إصلاحات في قطاعات التعليم والبنية التحتية. وفي العام 2024، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.6 في المئة، مدعوماً بارتفاع الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.8 في المئة، رغم تراجع القطاع النفطي بنسبة 4 في المئة. ومن المتوقع أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي في النمو بنسبة 2.7 في المئة خلال العام 2025، بدعم من نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.4 في المئة.