العالم ما زال بعيداً عن التضحية بالنفط من اجل المناخ

  • 2023-07-04
  • 07:00

العالم ما زال بعيداً عن التضحية بالنفط من اجل المناخ

  • أحمد عياش

شهد العالم في آخر حزيران/يونيو الماضي حدثين، قد لا يبدو ظاهرياً أن هناك صلة مشتركة بينهما. لكن، وبعد متابعتهما عن كثب، تظهر مثل هذه الصلة. ففي آخر الشهر المنصرم، حسب ما أوردت "وول ستريت جورنال"، كرر هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، أمام مؤتمر آسيا للطاقة في كوالالمبور بماليزيا، وجهة نظر المنظمة بأن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 110 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2045. وعلّقت الصحيفة الأميركية على ما صرّح به مسؤول المنظمة، فقالت إنه "إذا كانت أوبك على حق، فهذه أنباء سيئة بالنسبة للجهود الرامية إلى الحد من تغيّر المناخ".

 

للاطلاع:

"أدنوك للغاز" الإماراتية ترسي عقوداً بقيمة 1.34 مليار دولار لتوسيع شبكة خطوطها لأنابيب الغاز الطبيعي

 

في المقابل، لم ترد عبارة "أنباء سيئة" في ما ورد في تقرير الـ"نيويورك تايمز" في 22 حزيران/يونيو الماضي والذي حمل عنوان "البلدان الواقعة على الخطوط الأمامية لتغير المناخ تبحث عن شريان حياة جديد في باريس"، فلفتت إلى قمة استضافتها العاصمة الفرنسية وضمّت مئات الممثلين من نحو 80 دولة، للحديث عن "إعادة بناء نظام نقدي يقول الكثيرون إنه غير مناسب لكوكب متغير".

وقبل استخلاص الصلة بين حدثيّن دوليين، نبدأ بمؤتمر كوالالمبور، ففي داخل دوائره، تتراوح تقديرات كمية النفط المطلوبة في العام 2050 في أي مكان من 80 في المئة أقل من اليوم. يواجه المستثمرون مهمة صعبة تتمثل في المراهنة على الشركات التي تقف على الجانب الخطأ من الاتجاه الأكثر أهمية للقطاع منذ عقود. ووفق تقديرات الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، وجهة نظر المنظمة بأن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 110 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2045 - بقدر ما تتوقعه "أوبك" حالياً. هذا هو ما يقرب من 10 في المئة زيادة عن المعدلات الحالية. سيلعب الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة والهيدروجين أدواراً أكبر، لكن النفط سيبقى في مركز الصدارة. في المقابل، ولكي يصل العالم إلى هدفه الصافي الصفري ويحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، يجب أن ينخفض الطلب إلى أقل من 30 مليون برميل يومياً بحلول العام 2050، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وفي سياق متصل، ذكرت الـ"وول ستريت جورنال"، إن معظم الشركات الأميركية الكبرى هي أيضاً في معسكر "الطلب المرتفع"، وفقاً لألكسندر شاي، العضو المنتدب في شركة استشارات الطاقة "WK Associates" والمؤلف المشارك لتقرير توقعات النفط لعام 2050 والمعدة من هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة.

وقالت "إكسون موبيل" في ملف حديث إن فرص وصول العالم إلى صافي الصفر منخفضة بسبب التراجع في مستويات المعيشة الذي قد يسببه. وتتوقع الشركة أن يظل الطلب العالمي على النفط نحو 100 مليون برميل يومياً بحلول العام 2050، وتراهن على أن تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه، وكذلك الحدّ من الميثان، ستسمح للعالم باستخدام الوقود الأحفوري لعقود مقبلة، ويدرس منتجو النفط الأوروبيون إمكانية تحرك الأحداث بشكل أسرع. 

وأحد عوامل التأرجح المهمة التي يمكن للمستثمرين مراقبتها هو مدى سرعة انخفاض الطلب على النفط للنقل البري. وسيعتمد هذا على كيفية كفاءة استهلاك السيارات التي تعمل بمحركات الغاز وعدد السائقين الذين يشترون السيارات الكهربائية التي تشكل حالياً 16 في المئة من مبيعات سيارات الركاب على مستوى العالم. يتوقع مزود البيانات "EV-volumes.com" أن ترتفع هذه الحصة بسرعة إلى 68 في المئة بحلول العام 2035.

وسيستغرق التبني وقتاً أطول إذا ظلت السيارات الكهربائية غير ميسورة التكلفة بالنسبة للعديد من المستهلكين، والتي تعتمد جزئياً على إمدادات مواد البطاريات مثل الليثيوم، كما إنه من غير الواضح ما إذا كانت البنية التحتية للكهرباء المتهالكة يمكن أن تتعامل مع مستوى الكهرباء اللازم لفطم العالم عن الوقود الأحفوري. وتؤدي الاختناقات في سلاسل التوريد والتصاريح إلى تأخير تركيب معدات توليد جديدة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، خصوصاً في أوروبا.

 

إقرأ:

خلافة حاكم في بلد بلا حكم!

 

هناك اتجاه آخر يجب مراقبته، وهو ما إذا كان يمكن تعويض الطلب المتزايد على الطاقة في الأسواق الناشئة بتدابير رفع الكفاءة، مثل إضاءة "LED" أو مكيفات الهواء الأكثر كفاءة. ولا يقتصر الأمر على الطاقة فقط: فمع تضخم الطبقات الوسطى، من المرجح أن ينفق المستهلكون المزيد على المنتجات المغلفة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على المدخلات القائمة على النفط لجعل البلاستيك يرتفع، باستثناء معدلات إعادة تدوير أفضل أو حظر على البلاستيك الذي يستخدم مرة واحدة.

في قمة باريس خيّم، وفق النيويورك تايمز "تفاؤل غير عادي وإن كان حذراً. فقد جاء المئات من قادة العالم ومن المصرفيين ونشطاء المناخ لحضور قمة لمدة يومين وصفت بأنها بريتون وودز الجديد"، في إشارة إلى اجتماع العام 1944 في نيو هامبشاير بالولايات المتحدة الأميركية. ففي ذلك الزمن، قام الدبلوماسيون بتشكيل المؤسسات النقدية لإعادة بناء البلدان بعد الحرب العالمية الثانية - البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. أما الآن، فيتلخص الهدف في إعادة بناء هذه الأنظمة لمواجهة أزمة تلوح في الأفق: المخاطر المتشابكة للفقر وتغير المناخ. فقد جادل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، العام الماضي قائلاً: "ليس علينا أن نختار بين مكافحة الفقر والكفاح من أجل المناخ والتنوع البيولوجي"، وهذه السنة وقف الرئيس ماكرون  والى جانبه الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، فشدد مجدداً على أنه لا يجوز الاختيار بين الفقر وحماية الكوكب".

لم تنبثق القمة من أفكار الرئيس ماكرون بل من أفكار رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي. ففي  تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رسمت السيدة موتلي اقتراحاً للإصلاح المالي من مرحلة قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، والمعروفة باسم "COP27"، في شرم الشيخ، مصر، وأطلقت عليها هي وفريقها مبادرة بريدجتاون.

ووصفت السيدة موتلي الأنظمة المالية التي أنشئت قبل ثلاثة أرباع قرن بأنها "إمبراطورية"، أنشئت كما كانت قبل أن تصبح العديد من البلدان في العالم مستقلة، ودعت إلى إجراء إصلاح شامل حتى تتمكن البلدان النامية الأكثر عرضة لتبعات تغير المناخ - والتي تواجه بالفعل أزمات ديون - من الوصول إلى رأس المال لمعالجة الفقر والاضرار، ودفع تكاليف انتقالها إلى الاقتصاد الأخضر. وقالت السيدة موتلي: "نعم ، لقد حان الوقت بالنسبة لنا لإعادة النظر في بريتون وودز".

كانت الاستجابة مدوية، وإن لم تكن متوقعة: فقد أيدت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، الحاجة إلى الإصلاحات، وأعلن مبعوث بايدن الخاص لشؤون المناخ، جون كيري، أنه أيضاً ينضم الى ركب المؤيدين لهذه الاصلاحات، وكذلك فعل الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا.

إنتهت قمة باريس، بحسب بيان صدر عن  قصر الإليزيه، الى عنوان "من أجل ميثاق مالي دولي جديد"، وقد نصّ البند الأول على أهداف القمة التي أصبحت معروفة، وهي محاربة الفقر وهشاشة الاقتصادات الضعيفة بسبب التغيرات المناخية العنيفة والنزاعات والحروب والعنف، وما يسفر عنها من صعوبات اقتصادية واجتماعية. وتناول البيان العواقب المترتبة على ارتفاع المديونية التي تعيق التنمية والتطور، مشيراً إلى أن المناقشات تناولت وسائل تخفيفها من خلال إعادة جدولتها وتحويلها إلى استثمارات. وتمّ الإعلان عن توفير 270 مليون يورو لمواجهة الكوارث المناخية، فيما البنوك التنموية المتعددة الأطراف وجهات أخرى خاصة ستوفر ما يقل عن 6 مليارات لمواجهة الأزمات، وربط التمويل بتحديد معايير واضحة لصرف الأموال. وعرض بيان قمة باريس الهدف العام، وهو حماية الكوكب والمحافظة على الغابات والمحيطات ونقاء الهواء، وهو يستعيد الأدبيات المتوافرة في هذا المجال والحاجة إلى تحول جذري للقطاعات الاقتصادية الأساسية والوصول إلى الاقتصاد الأخضر. ويركز البيان على كيفية خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وضرورة تطبيق اتفاقات باريس الخاصة به والعائدة لعام 2015، والنظر في إمكانية الحصول على تمويلات إضافية من خلال فرض ضريبة كربون على الشركات.

لم تمض أيام على قمة باريس، حتى ارتفعت أسعار النفط خلال تعاملات آخر أيام حزيران/يونيو، في حين كبحت بيانات اقتصادية من الصين صعود النفط، والتي زادت مخاوف المستثمرين من تراجع الطلب على الخام، وتخشى الأسواق من شح المعروض بعد ان قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية: إن مخزونات الخام انخفضت بواقع 9.6 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 23 حزيران/يونيو، وهو ما تجاوز بكثير توقعات المحللين في استطلاع أجرته "رويترز" بانخفاضها 1.8 مليون برميل.

العبرة في ما سبق، إن روما من فوق غير روما من تحت. فالنفط حاضر لا يغيب عن الاستهلاك العالمي للطاقة. ولا بدّ هنا، من الاخذ في الاعتبار ان ارتفاع أسعار مشتقات الذهب الأسود، يعني أيضاً ارتفاع الإمكانات لتمويل الاقتصاد الأخضر. وبفضل هذه المعادلة، فلن يموت النفط ولن يفنى المناخ، وهذه الثنائية سترافق العالم طويلاً.