البنك الدولي يوصي بتنشيط الاستثمارات في "النفع العام"

  • 2021-10-30
  • 11:18

البنك الدولي يوصي بتنشيط الاستثمارات في "النفع العام"

في تقرير "الثروة المتغيرة للأمم"

  • علي زين الدين
 

أشار تقرير جديد صادر عن البنك الدولي بعنوان "الثروة المتغيرة للأمم" إلى تحقق معدلات نمو في إجمالي الثروة العالمية، غير إن هذا النمو جاء على حساب رخاء المستقبل، وبتفاقم أوجه عدم المساواة.

فالبلدان التي تستنفد مواردها لصالح مكاسب قصيرة الأجل تضع اقتصاداتها على مسار غير مستدام للتنمية. وعلى الرغم من أن العادة قد جرت على استخدام مؤشرات مثل إجمالي الناتج المحلي لقياس النمو الاقتصادي، يشير هذا التقرير إلى أهمية التدبر في رأس المال الطبيعي والبشري والمُنتَج لفهم ما إذا كان النمو مستداماً.

ورصد التقرير، الذي تلقى موقع "أولاً– الاقتصاد والأعمال" نسخة منه، نمواً كبيراً في الثروة العالمية خلال فترة السنوات 1995 ــ 2018، فضلاً عن لحاق البلدان المتوسطة الدخل بركب البلدان المرتفعة الدخل. لكن ترافق مع هذا الرخاء المتنامي إدارة غير مستدامة لبعض الأصول الطبيعية، وانخفض نصيب الفرد من ثروة الغابات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنسبة 8 في المئة بسبب إزالة الغابات. وفي الوقت نفسه تراجعت الثروة السمكية بنسبة 83 في المئة بسبب سوء الإدارة والصيد الجائر، وقد تؤدي الآثار المتوقعة لتغير المناخ إلى تفاقم هذه الأوضاع.

وفي المقابل، يشير التقرير إلى أن التفاوت في الثروة العالمية آخذ في الازدياد. وفي فترة السنوات 1995 ــ 2018، لم تتغير حصة البلدان المنخفضة الدخل في الثروة العالمية كثيراً، حيث ظلت عند أقل من 1 في المئة على الرغم من أنها موطن لنحو 8 في المئة من سكان العالم. وشهد أكثر من ثلث البلدان المنخفضة الدخل انخفاضاً في نصيب الفرد من الثروة. ونلاحظ أن البلدان التي تتراجع قيمة ثرواتها تشهد تراجعاً أيضاً في أصولها الطبيعية المتجددة. وتظل الإدارة السليمة لرأس المال الطبيعي غاية في الأهمية بالنسبة الى البلدان المنخفضة الدخل، ولاسيما وأن نسبته تبلغ 23 في المئة من ثروتها.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تسعير الأصول على نحو لا يعكس القيمة الحقيقية لها، على سبيل المثال، الوقود الأحفوري المسبب لانبعاثات الكربون، إلى التقييم بأعلى من القيمة الحقيقية والإفراط في الاستهلاك، ويمكن وضع التنمية على مسار أكثر استدامة من خلال النظر إلى الثروة نظرة شاملة ووضع تدابير على مستوى السياسات تشمل تسعير الكربون لتحسين قيمة الأصول وتعزيزها، على سبيل المثال، الغابات وأشجار المنغروف ورأس المال البشري.

وفي تحديد الأولويات أمام واضعي السياسات لتنويع محافظ الثروة الوطنية وإعادة توازنها كي تكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الصدمات وأكثر استدامة،  يوصي باستثمارات نشطة في سلع النفع العام، على سبيل المثال، التعليم والصحة والطبيعة لمنع نفادها على نحو غير مستدام وإدارة المخاطر المستقبلية. وتشمل التوصيات أيضاً تدابير على مستوى السياسات والتسعير تساعد على تحديد القيمة الاجتماعية للأصول وتوجيه الاستثمار الخاص نحو تحقيق نواتج أفضل للجميع. وقد يشمل ذلك، على سبيل المثال، اتخاذ إجراءات مثل إعادة توجيه مسار الدعم المقدم لمصائد الأسماك، واتخاذ إجراءات لتسعير الكربون وتعزيز أصول الطاقة المتجددة. 

ويغطي التقرير ثروة 146 بلداً في فترة السنوات 1995 ــ 2018، من خلال قياس القيمة الاقتصادية لرأس المال الطبيعي المتجدد مثل الغابات والأراضي الزراعية وموارد المحيطات، ورأس المال الطبيعي غير المتجدد مثل المعادن والوقود الأحفوري، ورأس المال البشري اي قيمة الدخل على مدى حياة الشخص، ورأس المال المُنتَج مثل المباني والبنية التحتية، وصافي الأصول الأجنبية، كما يشير التقرير لأول مرة إلى حساب رأس المال الطبيعي الأزرق، على سبيل المثال أشجار المنغروف ومصائد الأسماك في المحيطات.

 

الاتجاهات الاقليمية

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، زادت في العقدين الماضيين، ولكن بدرجة أقل من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة خلال الفترة نفسها. ويشكل رأس المال البشري أقل نسبة من مجموع الثروة في هذه المنطقة، مقارنة بالمناطق الأخرى، مع وجود اختلال كبير في التوازن بين الجنسين. ويشكل رأس المال الطبيعي غير المتجدد جزءاً كبيراً من ثروة المنطقة، لكنه خلق مشكلات للبلدان التي تعتمد على الموارد وتواجه تقلبات الأسعار. وتواجه بلدان المنطقة التي تعتمد على عائدات الوقود الأحفوري تحديات إنمائية فريدة في مواجهة الجهود العالمية الرامية إلى التحول إلى التنمية المنخفضة الكربون. وعلى الرغم من أن الأراضي الزراعية لا تزال الأصل الطبيعي المتجدد الرئيسي في المنطقة، فقد تراجع نصيب الفرد من ثروة الأراضي الزراعية على مدى العقدين الماضيين، ويتعين أن تحافظ المنطقة على أصولها الطبيعية المتجددة واستعادتها إلى ما كانت عليه دعماً لزيادة تنويع مصادر الثروة. 

في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، زاد نصيب الفرد من الثروة على مدى العقدين الماضيين، ولكن بمعدل أقل من المناطق الأخرى. وشهد 11 بلداً في المنطقة ركوداً أو حتى انخفاضاً في نصيب الفرد من الثروة بين عامي 1995 و2018 حيث تجاوز النمو السكاني معدل النمو الصافي في قيمة الأصول. وزاد رأس المال البشري في المنطقة بوتيرة أسرع من أي أصول أخرى، غير إن هذا النمو لم يكن متكافئاً، ولم تتجاوز حصة المرأة في إجمالي رأس المال البشري الثلث، وانخفضت ثروة رأس المال الطبيعي، كما إن العديد من بلدان المنطقة تعتمد اعتماداً كبيراً على عائدات الموارد الطبيعية غير المتجددة، ولاسيما من الوقود الأحفوري.

منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، حققت في العام 2018 أكبر حصة من الثروة في العالم، بزيادة بلغت 188 في المئة منذ العام 1995. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، ولا يتجاوز نصيب المرأة فيه الثلث. وتبلغ نسبة رأس المال الطبيعي 4 في المئة من ثروة المنطقة، مع تراجع رأس المال الطبيعي المتجدد، ولاسيما مصائد الأسماك البحرية. ومن المتوقع أن تتأثر ثروة الأراضي الزراعية تأثراً شديداً بتغير المناخ في بلدان المنطقة.

منطقة جنوب آسيا، نما مجموع الثروة منذ 1995، ولكن نظراً الى النمو السكاني في الفترة الزمنية نفسها، لا يزال نصيب الفرد من الثروة من بين أدنى المعدلات في العالم. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، ولكنه غير متوازن للغاية، إذ يبلغ نصيب الرجال فيه 80 في المئة، مع تغير طفيف في العقدين الماضيين. وإذا تحققت المساواة بين الجنسين في المنطقة، من الممكن زيادة رأس المال البشري على الصعيد الوطني بنحو 42 نقطة مئوية. ومنطقة جنوب آسيا هي الأكثر تضرراً من الخسارة المقدرة في رأس المال البشري بسبب تلوث الهواء، ورأس المال الطبيعي المتجدد، ولاسيما الأراضي الزراعية، غاية في الأهمية بالنسبة الى المنطقة، كما نمت قيمة رأس ماله الطبيعي الأزرق على مدى العقدين الماضيين. 

منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، زادت الثروة بما في ذلك أوروبا الغربية، بنسبة 45 في المئة منذ العام 1995، ونما نصيب الفرد من الثروة بوتيرة بطيئة مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى. ويمثل رأس المال البشري أكثر من نصف ثروة المنطقة، مع تحقيق معدلات ثابتة مقارنة بالأصول الأخرى. وأصبحت موارد الغابات غير الخشبية أهم أصول رأس المال الطبيعي المتجدد في المنطقة، نظراً الى قيمة خدمات النظم الإيكولوجية التي تقدمها، وفي الوقت نفسه انخفضت قيمة أصول مصائد الأسماك البحرية انخفاضاً كبيراً.

منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، على الرغم من أن مجموع الثروة قد تضاعف تقريباً في المنطقة على مدى العقدين الماضيين، فإن هناك تفاوتات كبيرة في نصيب الفرد من الثروة. فقد زادت ثروات بعض البلدان بأكثر من الضعف منذ العام 1995، بينما انخفض إجمالي نصيب الفرد من الثروة في العديد من بلدان المنطقة. ومع الوقت، بدأت ثروة رأس المال الطبيعي غير المتجددة في التراجع، بسبب تقلبات الأسعار، ولكن الثروة المتجددة آخذة في الازدياد. وزادت الثروة في المناطق المحمية بأكثر من الضعف، على الرغم من تراجع مساحة الأراضي الفعلية للغابات، وتعتبر مشاركة المرأة في قوة العمل أعلى من أي منطقة أخرى، غير إن منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي لم تصل بعد إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في رأس مالها البشري.