السعودية تهدي قمة المناخ "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"

  • 2021-10-30
  • 11:38

السعودية تهدي قمة المناخ "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"

  • أحمد عياش

ماذا تعني "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" الذي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عالمياً قبل أيام من الدورة السادسة والعشرين لقمة المناخ الدولية COP26 بمدينة غلاسكو الاسكتلندية؟

بعض المراقبين رأى في هذه المبادرة ما يشبه السباحة عكس التيار، لأن العالم المنشغل حالياً في كيفية مواجهة الطلب المفاجئ على مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز، وضع جانباً هواجسه بشأن الاحتباس الحراري، وها هي الدولة الثانية الأكبر سكانياً على ظهر كوكب الأرض، أي الهند، أعربت عشية القمة عن رفضها للإعلان عن هدف صافي انبعاثات الكربون الصفرية. وقالت إنه "من المهم أكثر للعالم أن يضع مساراً لخفض هذه الانبعاثات وتجنّب ارتفاع خطير في درجات الحرارة العالمية".

بداية، لا بدّ من التعريف بالمبادرة الخضراء، فهي وفق ما ورد في البيان الختامي الصادر عن القمة التي حملت اسم "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" تنشد دعم الجهود والتعاون في المنطقة لخفض الانبعاثات الكربونية وإزالتها من خلال الحلول الطبيعية والتكيّف بأكثر من 10 في المئة من إجمالي الإسهامات العالمية الحالية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، بما يحقق نسبة 5 في المئة من المستهدف العالمي للتشجير، الذي يعدّ أكبر البرامج لزراعة الأشجار في العالم.

وكي لا تكون هذه الطموحات حبراً على ورق، كشف الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، عن إصدار وشيك لاستراتيجية الطاقة في البلاد. وقال:"إنّ المملكة أكبر مصدّر للنفط في العالم قد تحقق الحياد الكربوني قبل هدفها المعلن في 2060 إذا تطورت التكنولوجيا بسرعة كافية".

في هذا الوقت، ذكر تقرير للأمم المتحدة صدر بداية هذا الاسبوع، أن أحدث خطط دول العالم للتصدي لتغير المناخ خلال العقد المقبل لا يرقى إلى المستوى المطلوب لتجنب ارتفاع خطير في درجات الحرارة العالمية.

وقالت انغر اندرسون المديرة التنفيذية لبرنامج الامم المتحدة للبيئة في بيان "على العالم ان يستيقظ على الخطر الوشيك الذي نواجهه... إن لدينا فرصة للحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، لدينا ثماني سنوات إلى النصف تقريباً انبعاثات غازات الاحتباس الحراري: ثماني سنوات لوضع الخطط، ووضع السياسات وتنفيذها، وفي نهاية المطاف تحقيق التخفيضات. الساعة تدق بصوت عال".

ولا تزال الصين، أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. وعلى الرغم من أن البلاد لم تستكمل رسمياً بعد تعهدها باتفاق باريس، إلا أن الرئيس شي جين بينغ قال إن انبعاثات الصين قد تبلغ ذروتها قبل هدفها السابق لعام 2030، في حين تخطط البلاد لتسريع تطويرها للطاقة المتجددة والنووية.

أما الولايات المتحدة الاميركية، وهي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات على أساس سنوي ولكنها الأكبر تاريخياً، قد حددت هدفاً على نطاق الاقتصاد يتمثل في خفض صافي انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح ما بين 50 و 52 في المئة دون مستويات العام 2005 بحلول العام 2030.

في مقال نشرته صحيفة الفايننشال تايمز، جادل مارتن وولف في التعهدات الصادرة عن الدول الكبرى بشأن خفض الانبعاثات للغازات الدفيئة، وقال إن على هذه الدول الاسراع اكثر في هذا الخفض على ان تبلغ نسبة 40 في المئة بحلول العام 2030، غير ان زميلته في الصحيفة أميرتا سن فرأت في مقال ان بعض المراقبين يرى ان الارتفاع المستجد في أسعار الغاز الطبيعي والفحم والنفط سيكون "مرحلياً"، وفق ما ذهب اليه الاحتياطي الفيدرالي الاميركي، أضافت:" انهم على خطأ، فالاسعار المرتفعة باقية كذلك لسنوات مقبلة".

من المفيد هنا الانطلاق من هذا الواقع الذي يعكسه الكاتبان في الصحيفة البريطانية، انه واقع ما بين هدف منشود على مستوى خفض الانبعاثات الكربونية وإزالتها، وبين طلب متصاعد على مصادر الطاقة التقليدية. ومن اجل ذلك، تبدو "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" التي أطلقتها الرياض تعكس عزمها على الانتماء الى المستقبل منذ الآن مع الاخذ في الاعتبار انها اكبر مصدر للنفط في العالم. وبحسب صاحب المبادرة ولي عهد المملكة فهي "تدشّن حقبة خضراء جديدة للمنطقة، نقودها ونقطف ثمارها سوياً، إيماناً منا أن آثار التغيّر المناخي لا تقتصر على البيئة الطبيعية فقط، بل تشمل الاقتصاد والأمن." وقال:" نعي أن التغيّر المناخي هو فرصة اقتصادية للأفراد وللقطاع الخاص، التي ستحفزها مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، لخلق وظائف نوعية وتعزيز الابتكار في المنطقة".

بحسب الكاتب المعروف طارق الحميّد وفي مقال له في صحيفة "الشرق الأوسط"، فإن "السعودية النفطية هي التي تقود مبادرة تاريخية وسط هذه المتغيرات المناخية، مما يعني أن السعودية تقوم بدورها القيادي، وتتحمل مسؤولياتها تجاه المنطقة والعالم".

مرة أخرى، هل أتت المبادرة الخضراء السعودية بمثابة السباحة عكس التيار؟ الجواب هو النفي. بل هي في سياقها في الحاضر والمستقبل، تنتمي الى التيار العالمي الذي يضع في الحسبان أهمية ان يسعى العالم الى الحفاظ على سلامة الكوكب من دون الاخلال بواجب البقاء في مسار متطلبات العالم لمشتقات الطاقة التي تبدو قيد الطلب الشديد على مشارف شتاء قاس لا يتحمل ترف المناقشة حول ما إذا ما يخرج من باطن الأرض من طاقة هو مضر بالمناخ أم لا.