هل يهزم كارلوس غضن اليابان في معركة ردّ الاعتبار؟

  • 2020-01-10
  • 12:01

هل يهزم كارلوس غضن اليابان في معركة ردّ الاعتبار؟

  • خطار زيدان

حقق كارلوس غصن خلال مسيرته المهنية في شركتي "رينو" و"نيسان" إنجازات كبيرة، عدّد قسماً منها خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده الأربعاء (8 كانون الثاني/يناير)، في مبنى نقابة الصحافة في بيروت، والذي حضره عدد كبير من ممثلي أبرز وسائل الإعلام العالمية.

 تحدث غصن عن إنقاذه لشركة "نيسان" من الإفلاس ونقلها الى الربحية خلال فترة بسيطة، وتفانيه في العمل فيها وجعلها من أهم شركات السيارات العالمية مع حليفتها "رينو". كما استطاع أن يدير بنجاح تحالف "رينو- نيسان"، وأن يوسّعه ليضم "ميتسوبيشي"، وأن يجمع بذكاء وحرفية بين ثقافتين مختلفتين أوروبية ويابانية.  

إنجاز كبير لم يتحدث عنه غصن وهو تبنيه لإنتاج السيارات الكهربائية منذ العام 2007 على نطاق تجاري واسع وبكلفة مقبولة، إيماناً منه أن المستقبل هو للسيارات الكهربائية المتصلة والذاتية القيادة، وأخذه المبادرة بإنتاج "ليف" أول سيارة كهربائية من "نيسان" في العام 2010، تبعها 4 سيارات من "رينو" تعمل كلياً على الطاقة الكهربائية وتُسوّق اليوم على نطاق واسع في أسواق عالمية عدة. هذا الإنجاز يحوّل اليوم مسار صناعة السيارات العالمية باتجاه جديد يعتمد على الطاقة الكهربائية العديمة الانبعاثات كمصدر للدفع. وقد أصبحت اليوم مجمل الشركات المصنّعة تنحو هذا المنحى. أما إنجازه الأخير الذي لا يقل أهمية من حيث غموضه والضجة الإعلامية التي خلقها، فهو كيفية افلاته من القبضة اليابانية وهروبه إلى لبنان، وطنه الأم، ليتمكن من الدفاع عن نفسه ويثبت براءته.   

لا شك أن الإنجازات كثيرة وقد جعلت من "سوبر كارلوس"، أيقونة في عالم صناعة السيارات، درّس نهجه في الجامعات، وتسابقت عليه كبرى شركات السيارات العالمية، وقد تطرق خلال المؤتمر للعرض الذي تلقاه من المصنّع الاميركي الأول "جنرال موتورز" براتب يوازي ضعف ما كان يتقاضاه في تحالف "رينو – نيسان" مبدياً ندمه اليوم على رفض العرض، بعد أن شعر بالتخلي وعدم الوفاء لتاريخه العريق في كل من "رينو" و"نيسان"، وأكد أنه لم يقدّم استقالته من مهامه ومسؤولياته في الشركة الفرنسية وإنما تمت إقالته، وذلك على عكس ما صرّحت به الشركة في شهر كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2019.

بدا الرجل على غير عادته، فعلى الرغم من أنه لا يزال يتمتع بشخصية فذة وثقة وقدرة عالية على التحدث والحوار لمدة ساعات، فإنّ من عرف غصن في السابق والتقاه يدرك أن الرجل لم يعد نفسه وأنه ما زال تحت تأثير الصدمة، واعترف أن الفترة الماضية منذ توقيفه في شهر نوفمبر 2018 في مطار طوكيو كانت قاسية جداً، وأنه وصل إلى مرحلة تمنّى فيها الموت.

هرب الرجل إلى لبنان بطريقة غامضة لم يكشف عنها "بحثا عن العدالة". قدّم عددا من المستندات التي تثبت كما قال براءته، وأكد أن كل الإجراءات التي قام بها والتي تؤخذ عليه تمت وفق الأصول الداخلية للشركة، وخضعت للتدقيق من الجهات المالية والمحاسبية المسؤولة. ذنبه كما قال انه ترك الإدارة التنفيذية لشركة "نيسان" في العام 2017 لقيادة ضعيفة أوصلتها اليوم إلى تراجع درامي في أرباحها وحجم إنتاجها، وخسارتها لنسبة 38 في المئة من قيمة أسهمها، بالإضافة الى تراجع أرباح شركة "رينو" وخسارتها 34 في المئة من قيمة أسهمها، وذلك منذ تاريخ توقيفه حتى اليوم. كما إن التحالف اليوم من دون قيادة مركزية واضحة وهو أضعف بكثير من قبل، ومكوناته تفتقد للمنسّق والمقرّب بين وجهات النظر المتفاوتة أصلاً.

لم يذكر غصن أن هذه القيادة الضعيفة سببها كما يؤخذ عليه ويتهمه البعض أنه لم يحافظ على مدراء أكفّاء إلى جانبه، ولم يحضّر بالشكل المطلوب لخلافته، وهذا يعود إلى شخصيته وطريقة عمله.

المؤتمر الصحافي الذي استمر ثلاث ساعات تحدث خلالها غصن عن كل شيء باستثناء الطريقة التي هرب فيها من طوكيو الى بيروت والأشخاص الذين ساعدوه وسهلوا له هروبه، وذلك كما قال لحمايتهم من الملاحقة. دافع غصن عن نفسه كما كان منتظراً وأكد على براءته، وأنه ضحية مؤامرة وتواطؤ بين شركة "نيسان" والمدعي العام الياباني. شرح ظروف اعتقاله القاسية، والضغوط النفسية التي تعرض لها، وحرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية، وأنه خضع للتحقيق اليومي في أوقات مختلفة لساعات طويلة من دون حضور محاميه، لدفعه على الاعتراف بما لم يقترفه. استخدم عددا من الوثائق واعتبر أنها إثبات دامغ لبراءته من التهم الملفقّة ضده. انتقد النظام القضائي الياباني بشدة ودافع عن الشعب الياباني معتبرا انه تعاطف معه. لعب غصن خلال خطابه على وتر المشاعر الإنسانية عندما ذكر انه أمضى أعياد الميلاد ورأس السنة وحيدا، وتعمّد ذكر اسم زوجته التي كانت بين الحضور مرات عدة، كما عانقها خلال المؤتمر. علّل غصن سبب فراره من اليابان الى لبنان بعدم إيمانه بالقضاء الياباني والمماطلة في توقيفه وعدم تحديد موعد واضح لمحاكمته، لكنه، في الوقت نفسه وبشكل متناقض، ذكر أنه كان يفضّل البقاء في اليابان والدفاع عن نفسه لو أن زوجته تمكنت من التواجد معه. اختار لبنان كونه لبناني، ولأنه البلد الوحيد الذي وقف إلى جانبه خلال فترة توقيفه. اكتفى بالسماح لثلاثة او أربعة مراسلين لوسائل إعلام يابانية فقط ومنع عددا كبيراً منهم من الدخول الى قاعة المؤتمر بحجة انهم أخذوا منه موقفا سلبياً خلال فترة توقيفه والتحقيق معه.

تحسّر على عدم تمكن "رينو" من التوصل الى اتفاق اندماج مع مجموعة "فيات كرايسلر"، وتساءل مندهشاً، كيف يمكن عدم الاستفادة من هكذا فرصة وتركها تذهب إلى مجموعة PSA. دافع عن شركائه في المنطقة الذين تم ذكرهم في التحقيقات وهم خالد الجفالي من السعودية وسهيل واحمد بهوان وكومار، أحد كبار الموظفين لدى بهوان من سلطنة عُمان.

بغض النظر عن تورط كارلوس غصن في التهم المنسوبة إليه من قبل شركة "نيسان" اليابانية، أو براءته كما يجزم، فهو طبع فترة هامة من تاريخ صناعة السيارات العالمية، وترك إرثاً كبيراً، وحقق ما لم يستطع أحد تحقيقه من نجاحات، وعاش فترة هامة من المجد قبل أن يسقط هذا السقوط المدوي. هو واثق من براءته وسيعمل كما أكد على إثبات براءته وإعادة الاعتبار إلى سمعته، فهل سينجح؟   

تفاصيل المؤتمر الصحافي لكارلوس غصن الذي عقد في نقابة الصحافة اللبنانية