هل يشارك "قيصر روسيا" بقطف ثمار "قانون قيصر"؟

  • 2020-06-19
  • 15:04

هل يشارك "قيصر روسيا" بقطف ثمار "قانون قيصر"؟

رسالة "قيصر" إلى الحلفاء والأعداء: الأمر لي

  • كتب ياسر هلال

"قانون قيصر" الأميركي يصح اعتباره أحد أخطر القوانين الأميركية وأكثرها "دهاءً"، فهو أقرّ في إطار قانون تفويض الدفاع الوطني بشبه إجماع من الكونغرس بمجلسيه، وجاء متسقاً مع تحول في استراتيجية أميركا في المنطقة كانت أبرز ملامحه تقرير "مجموعة دراسة سوريا" التابعة للكونغرس، وخلاصة هذا التحول هو استعادة زمام المبادرة. وبهذا المعنى فالقانون لا يستهدف محاصرة سورية وإيران المحاصرتين أصلاً وحسب، بل هو "رسالة نارية" عنوانها "الأمر لي" موجّهة إلى الحلفاء والخصوم قبل الأعداء.

ونشرح:

في الأهداف

يمكن القول إن الهدف الحقيقي للقانون هو استعادة أميركا لدورها وموقعها في سورية والمنطقة، فهو عملياً لا يستهدف النظام السوري، بل يشكل "رسالة" مغلفة بقوة العقوبات مثلثة العناوين:

العنوان الأول، روسيا ومضمون الرسالة؛ إن أميركا التي سهّلت أو "غضت النظر" عن سحق المعارضة وتحقيق الانتصار العسكري، تبلغكم أن التوظيف السياسي والاقتصادي لهذا الانتصار "ممنوع"، فهي التي تصنع التسويات وهي التي تعيد الإعمار وبشراكة متفق عليها مع روسيا... فتعالوا لنتحاور ونتفق.

العنوان الثاني، إيران؛ والرسالة واضحة، وهي أنه لا مكان ولا دور لها في سورية إلا بالقدر الذي تقرره أميركا بالاتفاق مع روسيا التي صنعت الانتصارات العسكرية، أما الوجود الإيراني في سورية ولبنان، فهو "ورقة" غير قابلة للصرف في سوق النفوذ الإقليمي، وعلى إيران وحلفائها المحليين أن يقرروا إما "حرق" هذه الورقة عبر إعادة تسعير الحرب في سورية، وإشعال حرب مماثلة في لبنان، وإما صرفها في السوق المحلية فقط من خلال دخول الأطراف المؤيدة لإيران في تسوية سياسية ترسمها أميركا بالتفاهم مع روسيا، علماً أن أميركا تدرك سلفاً أن سياسة الحصار والعقوبات والعزلة على سورية وإيران غير مجدية، فهما تخضعان أصلاً لكل أنواع العقوبات والعزل، كما أصبحتا تمتلكان الخبرة والآليات والشراكات للإلتفاف على العقوبات وتقليل آثارها، بل هناك من يرى أن المبالغة في فرض العقوبات ستؤدي إلى المزيد من اعتماد النظام السوري على الدعم الإيراني رغم ضآلته.

العنوان الثالث، هو الحلفاء خصوصاً في الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، ومضمون الرسالة لهم، ان وقت تطبيع العلاقات مع سورية وحجز دور في ورشة إعادة الإعمار، لم يحن بعد، والإصرار على مواصلة هذه المساعي سيعرضهم الى عقوبات مؤلمةـ ويبدو أن الرسالة وصلت إلى هذا العنوان، حتى قبل إرسالها، وبمجرد توقيع الرئيس ترامب على القانون.

في القانون نفسه

تمت صياغة القانون بقدر كبير من "الدهاء السياسي" ليشكل سيفاً مسلطاً على رقاب الحلفاء والأعداء وليكرّس الدور المهيمن لأميركا من دون أي عمل عسكري، كما تمت صياغته بقدر أكبر من "الدهاء التشريعي" فجاءت نصوصه مطاطة و"حمالة أوجه" في جوانب العقوبات والاستثناءات ما يتيح للإدارة الأميركية هامشاً واسعاً للمناورة في استخدامه.

ينص القانون على عدد من الشروط أو المعايير التي يجب على النظام وحلفائه الوفاء بها لرفع العقوبات وتشمل: وقف الغارات الجوية على المدنيين، السماح بوصول المساعدات الإنسانية، الإفراج عن السجناء السياسيين، الامتثال لمعاهدات حظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية، العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وإرساء نظام للمساءلة الحقيقية والفعالة، وتحقيق المصالحة.

والتمعن في هذه المعايير يوضح مدى "الدهاء والخطورة" في صياغة القانون، فهي تعني أن أميركا تخلت عن هدفها المعلن سابقاً وهو "تغيير النظام" واستبدلته بهدف "تغيير سلوك النظام"، وتقدم أميركا هذا الموقف كتنازل مهم لصالح روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، مع علمها المسبق أن النظام لا يرغب ولا يستطيع قبول هذه المعايير، ما يجعل هدف تغييره "تحصيل حاصل".

والحقيقة أن اميركا غير مهتمة بقبول أو رفض سورية ومن ورائها إيران لمعايير قيصر، بقدر ما هي مهتمة بإعادة الإمساك بزمام المبادرة، وسيتحقق لها ذلك سواء قبلت سورية أم رفضت، فإذا قبلت الالتزام بالمعايير فستقوم أميركا برفع العقوبات وإطلاق عملية سياسية لإنهاء حالة الحرب وتحقيق المصالحة، تحت إشرافها وبشروطها، وإذا لم تقبل، فسيتواصل "خراب البصرة"، وأيضاً تحت إشرافها وبشروطها، إلى أن "تنضج الطبخة" على نار استنزاف إيران اقتصادياً ومالياً، ومن دون ان نستبعد إعادة استنزافها عسكرياً، باعتبار أنها لن تقبل سقوط سورية مالياً واقتصادياً بعد ان منعت سقوطها عسكرياً.

 

 

إقناع القيصر

إن أكثر ما يهم أميركا حالياً هو إقناع روسيا بإحياء وتطوير التفاهمات معها على إدارة الملف السوري والملف اللبناني بالتبعية، وإقناعها أن مسارات التسوية التي تحاول فرضها والمستندة إلى الانتصارات العسكرية، لا يمكن لأميركا قبولها.

والسؤال الكبير الآن، هل نضجت طبخة التفاهم الروسي الأميركي ويكون "قانون قيصر" هو السلم الذي يستخدمه "القيصر الروسي" للنزول عن شجرة سورية؟

المعطيات والمواقف لا تزال متضاربة وعرضة لكل انواع التأويل والتحليل، وبانتظار الخبر اليقين من "جهينة"، هناك جملة حقائق تسهل الاستنتاج، وأهمها:

- سيؤدي تطبيق القانون إلى مفاقمة الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية في سورية، ما يهدّد بتقويض الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها النظام بدعم روسي، وهو الأمر الذي يضع روسيا أمام خيارين؛ إما التضحية بمليارات عدة من الدولارات لتوفير الدعم اللازم، وهو أمر مستبعد لأنه يضعها في مواجهة مباشرة مع "قانون قيصر" أولاً، وثانياً لأن الدعم قد يوظف في تقوية النفوذ الإيراني كما حصل في الدعم الذي قدمته لمناطق الجنوب السوري العام الماضي.

- تدرك روسيا أن القانون لم يأت كردة فعل انفعالية، بل هو جزء من تحول استراتيجي في السياسة الأميركية، وجاء متسقاً مع توصيات تقرير "مجموعة دراسة سوريا" التابعة للكونغرس الأميركي الصادر في أيلول/سبتمبر 2019، الذي اعتبر ان الحرب في سورية لم تنته، وقد تدخل مرحلة جديدة، وأوصى الإدارة "بعدم سحب القوات الأميركية، واختبار مدى استعداد روسيا لدعم التسويات السياسية التي تحظى بموافقة الولايات المتحدة، ومواصلة التركيز على طرد القوات الايرانية".

- هناك من يقول إن روسيا تصفق سراً لـ "قانون قيصر"، لأنه يضعف إيران والنظام، ما يسهل لها السيطرة الكاملة بالتنسيق والتضامن والتكافل مع الولايات المتحدة، خصوصاً أنها باتت مربكة في التعامل مع الموقف الضبابي للنظام في سعيه للموازنة بين النفوذين الروسي والإيراني، وذلك ما عبّر عنه بوضوح المبعوث الخاص الأميركي إلى سورية جيمس جيفري بقوله: "إن روسيا ليست سعيدة مع النظام السوري، ولكنها لا ترى حالياً بديلاً عنه حالياً".

- حققت روسيا من تدخلها في سورية مكاسب ضخمة إقليمياً ودولياً، وتكلفت تضحيات مالية وبشرية ضخمة أيضاً، وهي تدرك أن هذه المكاسب عرضة للضياع في حال عودة الإضطرابات بل إعادة إشعال الجبهات، أو ترسيخ حالة التقسيم القائمة حالياً.

- إن الولايات المتحدة لا تطلب دعم روسيا في ضرب إيران، بل جل ما تطمح إليه إقناعها بمواصلة لعب دور المتفرج، الذي تمارسه تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، وإغرائها بأن الانهيار الاقتصادي في سورية يسهل سيطرتها على الأصول والمقدرات بأبخس الأثمان.

هل يتجه "قيصر روسيا" إلى تعزيز تعاونه مع إيران لمواجهة "قيصر أميركا"؟ أم يواصل لعب دور المتفرج فيقدم مبكراً هدية الفوز بالانتخابات للعم ترامب؟ 

إنها لعبة الأمم فينا وعلينا... فلنواصل لعب دور المتفرج.