الصدمة العالمية المقبلة: نهاية اعتماد اوروبا على غاز روسيا ونفطها!

  • 2022-05-03
  • 11:06

الصدمة العالمية المقبلة: نهاية اعتماد اوروبا على غاز روسيا ونفطها!

  • أحمد عياش

قبل أن يجف حبر التهديدات التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي أقرنها بقطع إمدادات الغاز الروسي عن بولندا وبلغاريا، أعلنت المانيا، وفق تقارير، انها ستتخلى عن معارضتها للحظر النفطي الروسي، فكانت النتيجة الفورية معاودة أسعار النفط الارتفاع. وهنا تردد على الفور سؤال عما إذا كانت اوروبا تتجه الى مرحلة لن يكون فيها الغاز والنفط الروسي معروضيّن في اسواق القارة بعد اليوم؟  

قبل ان تغيب الشمس عن اوروبا في 28 نيسان/ابريل ، كانت الانباء الواردة من نيويورك بحسب رويترز، تفيد  بارتفاع أسعار النفط في النصف الشمالي من الكرة الارضية  بعد تقارير إعلامية عن تعليقات أدلى بها وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك قبل أيام وقال فيها، إن أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي يمكنه التعامل مع حظر يفرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الروسية وإن ألمانيا تأمل في إيجاد سبل لاستبدال النفط الروسي بإمدادات أخرى.

فقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.89 دولار إلى 107.21 دولارات للبرميل، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 2.61 دولار، أو 2.6 في المئة إلى 104.63 دولارات.

وقبل الحرب في أوكرانيا، كان النفط الروسي يمثل نحو ثلث إمدادات ألمانيا. وقبل شهر، قال هابيك إن البلاد قلّصت اعتمادها على النفط الروسي إلى 25 في المئة من الواردات. ووفق جون كيلدوف، الشريك في Again Capital LLC في نيويورك، فإنه "نتيجة لذلك، سيكون النفط من العالم الحر أكثر تكلفة، وسينخفض زيت الستار الحديدي أكثر في القيمة وسيتم خصمه بشكل أكبر".

وقبل هذا التطور النفطي الجديد، بدأت موسكو في استخدام صادرات الطاقة كذريعة في أعقاب ردّ الولايات المتحدة وحلفائها على الغزو الروسي لأوكرانيا. وقطعت روسيا إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا وتحاول دفع الاتحاد الأوروبي لتبني نظامه الجديد لمدفوعات الغاز الذي يتضمن فتح حسابات في جازبروم بنك حيث سيتم تحويل المدفوعات باليورو أو الدولار إلى روبل.

أين منظمة اوبك حالياً من هذا المستجدات؟ مرة اخرى، وبحسب رويترز، وعلى الرغم من هذا النقص في امدادات النفط الروسي، فمن المتوقع أن تحافظ مجموعة المنتجين في أوبك+ التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا على وتيرتها المتواضعة لزيادة الإنتاج عندما تجتمع في 5 أيار/ مايو المقبل. لكن كبار المستهلكين، بقيادة الولايات المتحدة، يضغطون على المجموعة لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع، خصوصاً وأن العقوبات الغربية ضربت الإنتاج الروسي. وفي موسكو، أظهرت وثيقة لوزارة الاقتصاد أن روسيا قد تشهد انخفاضاً في إنتاجها النفطي بنسبة تصل إلى 17 في المئة في 2022 في الوقت الذي تكافح فيه موسكو مع العقوبات الغربية، وسيكون حجم الانخفاض هو الأكثر أهمية منذ 1990 عندما عانت صناعة النفط من نقص الاستثمار.

في سياق متصل، ووفق موقع "أويل برايس" الالكتروني، فقد ارتفعت صادرات الشرق الأوسط من الديزل إلى أوروبا مع تراجع الإمدادات الروسية، وأدت أزمة الديزل في أوروبا بسبب العقوبات المفروضة على روسيا إلى قلب أسواق المنتجات النفطية على مستوى العالم. تضاعفت هوامش تكرير الديزل أربع مرات منذ بداية العام حيث يتجنب المشترون الرئيسيون للديزل جميع منتجات الطاقة القادمة من روسيا أو يتوقعون نوعاً من الحظر على النفط الروسي. ومن المتوقع أن تزيد أحجام الديزل من الشرق الأوسط إلى أوروبا في نيسان/ ابريل بأكثر من الضعف لتصل إلى 379 ألف برميل يومياً مما يعوّض خسارة متوقعة قدرها 166 ألف برميل يومياً من إمدادات الديزل الروسية وفقاً لجداول التحميل وبيانات تتبع الناقلات التي جمعتها بلومبرغ. 

بالعودة الى تهديدات الرئيس بوتين الأخيرة، فقد حذّرت المفوضية الأوروبية مشتري الغاز الروسي من أنهم قد ينتهكون العقوبات إذا حولوا مدفوعات الغاز إلى روبل في الوقت الذي يكافح فيه المسؤولون لتوضيح موقف الاتحاد الأوروبي من خطة موسكو للمدفوعات التي زرعت الارتباك في التكتل. وكانت شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم  خفضت إمدادات بولندا وبلغاريا بعد أن رفضتا دفع ثمن الغاز بالروبل، مما يمثل أصعب رد من موسكو حتى الآن على العقوبات التي فرضها الغرب بسبب الصراع في أوكرانيا. في المقابل، قالت بلغاريا وبولندا بالفعل إنهما لن تجددا عقودهما مع غازبروم بعد انتهاء صلاحيتها في نهاية هذا العام وتقولان إنهما تستطيعان تأمين الإمدادات من مصادر أخرى.

وقال نوربرت روكر، رئيس الاقتصاد وأبحاث الجيل القادم في المصرف السويسري يوليوس باير، إنه حتى لو أوقفت روسيا جميع التدفقات إلى أوروبا فإن المشكلة الأكبر قد تكون بالنسبة لروسيا، وأضاف "لن تواجه أوروبا أي مشكلة وشيكة في العرض بسبب انخفاض الطلب موسمياً، لكن من المرجح أن تواجه روسيا تحديات خطيرة في البنية التحتية نظراً الى تضخم فائض العرض محلياً".

تحت عنوان "إنها ليست مجرد أسعار نفط مرتفعة. إنها أزمة طاقة كاملة"، كتبت هيلين طومسون، أستاذة الاقتصاد السياسي في جامعة كامبريدج ومؤلفة كتاب"الفوضى: الأوقات الصعبة في القرن الـ 21"، مقالاً في النيويورك تايمز جاء فيه :"هذه الأزمة المستمرة والمتأججة حول الطاقة وتكلفتها والسياسة المحيطة بها لن تنتهي قريباً. لقد صعّد فلاديمير بوتين هذه الأزمة، وقد أدى غزوه لأوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار وأجبر أوروبا - التي كانت حتى الآن أكبر مستورد للغاز الطبيعي الروسي-  على البدء في محاولة لإنهاء اعتمادها الطويل الأمد على الغاز الروسي. لكن السيد بوتين لم يتسبب في هذه الأزمة وحده. لمدة عام تقريباً قبل غزو روسيا لأوكرانيا، كافح العرض لتلبية الطلب، مما تسبب في ارتفاع الأسعار. على مدى أفضل جزء من عقد من الزمان، لبت طفرة النفط الصخري الأميركية احتياجات العالم المتزايدة من الطاقة، ولكن في العام 2020 انخفض إنتاج النفط الصخري ومعدل نموه".

ورأى المقال "ان أوجه التشابه مع 1970 واضحة. كانت صدمة النفط في أعقاب حرب تشرين الاول/ أكتوبر 1973، مدمرة للغاية اقتصادياً وجيوسياسياً، وأعقبت تلك الصدمة الأولى في 1978-79 الثورة في إيران وغزو العراق لإيران، مما أغرق منتجي النفط في حرب طويلة".

ويسأل المقال: "ماذا يعني هذا بالنسبة الى القضية الجيوسياسية الأكثر وجودية على الإطلاق، ألا وهي  تغير المناخ؟" فيجيب :"إذا كانت الحكومات والمواطنون جادين بشأن الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري ونحو طاقة أكثر اخضراراً وهو تحول ضروري لا يتطلب أقل من تغيير الأساس المادي للحضارة الحديثة، فسيتعيّن عليهم الاعتراف بأن النفط والغاز والفحم - مصادر الطاقة في الماضي، والتي ما زلنا نعتمد عليها - لا يمكن اعتبارها أمراً مفروغاً منه. إن استخراجها واستخدامها لا ينفصلان عن العمل السياسي الصعب. وهذا واضح اليوم. دعونا نأمل أن نتمكن من تذكرها في المستقبل".

بالعودة من هذه الصورة الشاملة التي رسمتها هيلين طومسون في النيويورك تايمز، الى واقع بدء خروج اوروبا من مرحلة الاعتماد على النفط والغاز المتدفقيّن من اوروبا. لا مبالغة في القول إن هذا التطور في اوروبا هو من نوع الاحداث التاريخية التي يجب رؤية آثارها على المستوى العالمي بدءاً من المستقبل القريب.