النفط فوق 100 دولار للبرميل مستمر ولو تراجع مؤقتا

  • 2022-03-17
  • 14:20

النفط فوق 100 دولار للبرميل مستمر ولو تراجع مؤقتا

  • أحمد عياش

انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 100 دولار للبرميل، يوم الثلاثاء في 15 آذار/مارس الحالي، في الوقت الذي فرضت فيه الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، عمليات إغلاق جديدة لمكافحة تفشي فيروس كورونا، وهي خطوات قد تهدد الطلب، غير إن هذا الانخفاض، سرعان ما تلاشى خلال 48 ساعة بعد أن قالت وكالة الطاقة الدولية إن الأسواق قد تخسر ثلاثة ملايين برميل يومياً من الخام الروسي والمنتجات المكررة اعتباراً من نيسان/ أبريل.

هذا التبدّل المفاجئ في سعر النفط، أعاد تركيز الأضواء على ما ينتظره العالم بسبب حرب أوكرانيا التي يبدو انها ستكون الأكثر تأثيراً من جائحة كورونا التي ما زالت عاملاً مؤثراً في الاقتصاد العالمي.

كورال ميرفي ماركوس، قرأ هذا التبدّل المفاجئ في النيويورك تايمز، فكتب يقول إن هبوط أسعار النفط الخام أكثر من 20 في المئة، عكس الكثير من الارتفاع بعد أن أضاف الغزو الروسي لأوكرانيا اضطرابات إلى سوق الطاقة الضيقة بالفعل، إذ يخضع عشرات الملايين من السكان في المقاطعات والمدن الصينية بما في ذلك بكين وشنغهاي وشنتشن للإغلاق وسط تفشي متغير أوميكرون من فيروس كورونا، وتم قطع السفر بين المدن، وتوقفت خطوط الإنتاج، وأغلقت مراكز التسوق.

ويمكن أن تؤدي هذه الإجراءات في الصين إلى عرقلة سلاسل التوريد العالمية التي لا تزال تكافح من أجل التعافي من اضطرابات الوباء من خلال إبطاء شبكات المصانع والنقل الرئيسية. وعلقت شركات في الصين، بما في ذلك فوكسكون، شركة الإلكترونيات التايوانية التي تجمع هواتف أبل آيفون، عملياتها في البلاد، وتردد صدى التذبذب في أسعار النفط، الذي اقترب من 130 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، في سوق الأسهم: ارتفعت أسهم شركات الطيران، وتراجعت أسهم منتجي النفط.

أما أراثي سوماسيخار في رويترز فسأل: "لماذا انهار النفط مرة أخرى إلى ما دون 100 دولار"، وأجاب، "ان النفط المرتبط بروسيا وشحنات الوقود تهرع الى الولايات المتحدة قبل بدء الحظر"، وأظهرت بيانات من تجار أن 10 سفن على الأقل تحمل شحنات من الخام والمنتجات المكررة مرتبطة بروسيا، اقتربت من الولايات المتحدة يوم الأربعاء في 16 آذار/ مارس الحالي مع اندفاع الموردين للتسليم قبل الموعد النهائي الذي حددته الحكومة الأميركية لتقليص مشتريات الطاقة الروسية. وحظرت الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، هذا الشهر واردات منتجات الطاقة الروسية بسبب غزو أوكرانيا، وهو ما وصفته موسكو بأنه "عملية خاصة". ويمنح حظر واشنطن المستوردين حتى 22 نيسان / أبريل لتفريغ الشحنات التي تتحرك بموجب عقود ما قبل الحظر.

غير إن أليكس كيماني في موقع "أويل برايس" كتب يقول: "إن الأساسيات الرئيسية لم تتغير إلى حد كبير وتخضع أيضاً لمستوى عال بشكل غير عادي من عدم اليقين. وقد جاء الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام بسبب نوبة قوية من جني الأرباح وتحول في تحديد المواقع"، وأضاف:"يمكنك إلقاء اللوم على تجاوز المضاربة في السيناريو الذي يتكشف على الرغم من أن التوقعات العامة لا تزال صعودية".

ووفقا لمحللي السلع في بنك ستاندرد تشارترد، "فإن التصحيح يخبرنا المزيد عن وضع السوق وتأثير التقلبات الشديدة أكثر مما يخبرنا عن التغيرات في الأساسيات خلال الأسبوع الماضي".

لكن، كما أسلفنا، فقد تبدّل مشهد هبوط سعر النفط سريعاً بعد البيان الذي أصدرته وكالة الطاقة الدولية، وقالت فيه، إن 3 ملايين برميل يومياً من النفط الروسي ومنتجاته قد لا تصل إلى الأسواق مع بداية نيسان/ أبريل المقبل، في أعقاب غزو روسيا أوكرانيا، في ظل العقوبات وإحجام المشترين، وهو ما يمثل "صدمة" في إمدادات النفط العالمية، وقالت الوكالة في تقريرها الشهري: "نتوقع انخفاضاً في إجمالي الصادرات يصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، يمثل الخام 1.5 مليون برميل يومياً منها، والمنتجات مليون برميل يومياً".
وتوقعت الوكالة كذلك، تراجع الطلب المحلي الروسي على منتجات النفط، وقالت: "هذه الخسائر ستزداد إذا ما تصاعد الحظر والاستياء العام".
وخفّضت وكالة الطاقة من توقعاتها للطلب العالمي على النفط في الفترة من الربع الثاني وحتى الربع الرابع من العام 2022 بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن ارتفاع أسعار السلع والعقوبات على روسيا "من المتوقع أن يكبحا بشكل ملموس نمو الاقتصاد العالمي" إضافة إلى أثر التضخم.
كما خفضت توقعات نمو الطلب للعام بأكمله بواقع 950 ألف برميل يومياً إلى 2.1 مليون برميل يومياً على أساس متوسط طلب يبلغ 99.7 مليون برميل يومياً، ويعني هذا أن العام الحالي سيكون الثالث الذي ينخفض فيه الطلب عن مستويات ما قبل الوباء.

وتعدّ روسيا أكبر مصدر في العالم بـ8 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات المكررة. وقررت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرض حظر على النفط الروسي بعد غزو أوكرانيا، لكن قطاع الطاقة استثني إلى حد كبير من العقوبات الأوروبية خصوصاً.
وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن العديد من شركات  النفط والوسطاء والمصارف، ابتعدت عن روسيا.

وعلى الرغم من انخفاض الأسعار الذي تقوده المراكز، يقول StanChart إن الأساسيات الرئيسية لم تتغير إلى حد كبير وتخضع أيضاً لمستوى عال بشكل غير عادي من عدم اليقين. ووفقاً لمحللي السلع الأولية في بنك ستاندرد تشارترد، يمكن استبدال تدفقات النفط الروسية إلى أوروبا على المدى القصير، مع إمكانية تقليل الآثار السعرية القصيرة الأجل لهذا النزوح إلى الحد الأدنى من خلال المدى الذي يزيد فيه أعضاء أوبك الإنتاج إلى ما يتجاوز أهدافهم الحالية في أوبك+، وأيضاً من خلال إمكانية الاختتام الناجح للمحادثات في فيينا التي تؤدي إلى كميات أكبر من الصادرات الإيرانية.

إذاً، أدت الزيادة في التقلبات عبر الأسواق المالية وأسواق السلع إلى ارتفاع حاد في مستوى المخاطر التي يحملها المتداولون، وما يرتبط بذلك من حافز لإغلاق بعض المراكز لتقليل المخاطر. كان متداولو النفط في الغالب في وضع مع تحيز صعودي للغاية من حيث كل من المراكز الصريحة وفروق الأسعار في الأسابيع الأخيرة، مما يعني أن التحسين في بيئة عالية المخاطر قد تضمن في الغالب إغلاق عمليات الشراء السريعة، وعلى الرغم من المضاربة حالياً، هناك عدد قليل من المشترين الطبيعيين. 

والمفارقة في هذا الوضع هي أن هيمنة تجار النفط على الاعتقاد بأن الأسعار لا يمكن أن تتحرك إلا صعوداً قد أدت إلى موقف أملت منه ديناميكيات السوق أنه على المدى القصير، لا يمكن إلا أن تنخفض الأسعار. ويقول ستانتشارت إن تجارة النفط الروسية إلى أوروبا يبدو أنها تتحرك أكثر في ظلال العقود لأجل واعتماد أكبر على وسطاء تداول الطرف الثالث، وهذا لا يجعل التجارة مع روسيا أقل بغضاً للرأي العام الأوروبي، ولكنه يجعلها أقل وضوحاً، وبالتالي من المرجح أن يبقي تدفقات النفط من روسيا أعلى مما كانت عليه مع استهداف الحكومة المباشر لتلك التدفقات.

في الخلاصة، كل العوامل الراهنة تشير الى ان تجاوز سعر برميل النفط عتبة الـ 100 دولار، لم يكن عابراً، مع الاخذ في الاعتبار التقلبات على أنواعها من بينها تطورات جائحة كورونا.