عمر الريس: القطاع الخاص شريكاً رئيسياً في التصنيع الدفاعي

  • 2020-05-28
  • 07:10

عمر الريس: القطاع الخاص شريكاً رئيسياً في التصنيع الدفاعي

حوار خاص مع مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية في السعودية

  • أبوظبي - سليمان عوده

يمثل توطين الصناعات الدفاعية في السعودية جانباً مهماً وأساسياً من جوانب "رؤية 2030"، نظراً إلى الدور الذي تلعبه هذه الصناعات في توطين التقنيات الحديثة وإعادة توجيه النفقات الدفاعية نحو قنوات الاستثمار الداخلي، وخلق آلاف فرص العمل المحلية، فضلاً عن فتح أبواب الاستثمار أمام شركات القطاع الخاص التي بدأت تنشط حديثاً، وبموجب عقود رسمية في هذا القطاع الصناعي المهم والواعد. ويلعب مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية دوراً رئيسياً في تعزيز هذا القطاع وتفعيله وتطويره، وقد حقق، تحت مظلة الهيئة العامة للصناعات العسكرية، تقدماً ملموساً في ميدان تطوير الأنظمة غير المأهولة والطائرات المسيّرة عن بعد وإنتاج العديد من التقنيات الأكثر تقدماً في مجالها، وبما يشمل الاستخدامات الدفاعية والمدنية في آن واحد. موقع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" التقى د. عمر الريس، المدير العام لتطوير الأعمال والاتصال المؤسسي في مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية، وكان معه هذا الحوار. 

 

كيف يمكن التعريف باختصار بمركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية؟ 

يعتبر المركز مؤسسة حكومية متخصصة بإجراء الدراسات والأبحاث النوعية المرتبطة بالأنظمة والتقنيات الدفاعية والصناعات المرتبطة واللاحقة، ويهدف إلى تعزيز ودعم توجهات المملكة الدفاعية والأمنية من خلال إجراء وتطوير البحوث النوعية والتقنية المرتبطة بالمجالات الدفاعية والأمنية والإستراتيجية. من مهمات المركز واختصاصاته، توسعة قدرة القطاعات الصناعية المنتجة في المملكة لتطوير الابتكار التقني للمنتجات والحلول ذات الصلة بالدفاع والأمن، والإسهام في رفع أداء الصناعات الدفاعية والأمنية وتطويرها. كذلك، يهتم المركز بإنشاء معامل حديثة لإجراء أبحاث تطبيقية في مجالات متقدمة، ولاسيما منها أنظمة الرادار والاتصالات والحرب الإلكترونية وأنظمة المركبات الآلية والأنظمة الكهروبصرية وأنظمة القيادة والسيطرة، وذلك لتطوير الابتكارات التقنية لمنتجات الدفاع والأمن في المملكة ودعم الصناعات الوطنية للإسهام في رفع قدرات الاعتماد الذاتي. 

 

ما أبرز الأهداف التي يتطلع المركز إلى تحقيقها، وما أبرز المحطات في مسيرته منذ إنشائه وحتى اليوم؟ 

يهدف المركز بصورة أساسية إلى توطين التقنيات في المملكة وفي المنطقة كلها تالياً وتقليص الاعتماد على الاستيراد، وذلك بالشكل الذي يوفر فرص عمل محلية رفيعة المستوى، ويعزز القدرة على الاستثمار المستدام. وقد أنشىء المركز في العام 2008، بمبادرة من القوات الجوية السعودية وجامعة الملك سعود، واستقل في العام 2015 كمركز متخصص تحت مظلة وزارة الدفاع، والمركز متخصص في مجموعة من التقنيات من ضمنها الأنظمة المسيّرة من قبل الطائرات من دون طيار وغيرها من المركبات المماثلة، إلى جانب صناعة الرادارات، وقد استطاع المركز في السنوات العشر الماضية أن يطور مجموعة من الرادارات المتنوعة، كما إنه متخصص في أنظمة الاتصالات العسكرية، ويخدم أغراض الدفاع في المملكة، وهو المركز الوحيد بهذا الحجم في الشرق الأوسط، حيث يعمل فيه 160 موظفاً، غالبيتهم من المهندسين، يشكلون بتخصصاتهم العالية نسبة 80 في المئة من الموظفين، ويدير المركز خمسة مختبرات ومعامل متخصصة. 

 

مظلة الرؤية

ما أبرز إنجازات المركز حتى اليوم، خصوصاً من منظور "رؤية 2030"؟ 

تنص "رؤية 2030" على أن يكون نصف الصناعات العسكرية مصنع محلياً في السنوات العشر المقبلة، ويمثل ذلك تحدياً كبيراً بالطبع، وتخوض فيه المملكة بثبات وإصرار، وقد بدأت وضع الأطر التنظيمية والإجرائية والقانونية المختصة بتوطين التقنيات. نجح المركز حتى الساعة في وضع الكثير من الحلول الدفاعية المتخصصة، وهو يسهم في مساعدة القطاعات العسكرية، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، وإيجاد الحلول التي تطلبها، فضلاً عن تلبية الاحتياجات الدفاعية الخاصة في المملكة. كذلك، يدخل المركز في شراكات مع الشركات المصنعة، محلية وأجنبية. ومن أبرز شركائنا شركة "مراكب" الإماراتية، إحدى شركات "توازن"، وقد طورنا بالشراكة معها طائرة "يمامة"، وهي طائرة متكاملة طورت بأيد سعودية وفي المختبرات السعودية، سواء من جهة التقنيات المستخدمة فيها أو من جهة التصنيع، وتخدم هذه الطائرة الهدف الرئيسي للمركز المتمثل في بناء القدرات الذاتية وتعزيزها وتأصيلها وتوطينها محلياً. 

 

هل من عوائق تعترض تأصيل التقنية في المملكة؟ 

تولي المملكة أهمية قصوى لتأصيل التقنية راهناً. ففي منطقة ذات جوار إقليمي مضطرب، يمثل امتلاك ناصية التقنيات الحديثة خطوة أساسية نحو حماية التنمية الاقتصادية وإنجاح الخطط المرسومة في هذا الجانب، ومن المعلوم أن الدول الأكثر تقدماً تضع في العادة قيوداً صارمة على تصدير التقنية وتمنع تشاركها، ولاسيما في مجالات التصنيع الدفاعي وتقنيات الليزر والأنظمة اللاسلكية وما شابهها. وتحتاج دولنا العربية إلى أن تضخ استثمارات كبرى في هذا القطاع، ولاسيما أنه قطاع طويل الأجل. فالبلد الذي يملك التقنية يملك مفاتيح القوة والسيطرة. في سبيل ذلك، بدأت المملكة تعيد، ومنذ ثلاث سنوات تقريباً، هيكلة قطاع الصناعات والمشتريات الدفاعية، بنتيجة ذلك، تتولى الهيئة العامة للصناعات العسكرية "غامي" عمليات التنظيم والرقابة والإشراف على الصناعات العسكرية والمناقصات، في حين تقوم الشركة السعودية للصناعات العسكرية "سامي" بالتصنيع، والأخيرة مسؤولة أيضاً عن تأسيس مشاريع مشتركة محلية مع شركات أجنبية، وإعطاء الضوء الأخضر لانطلاقها. 

 

تحالف وثيق

كانت لكم مشاركة بارزة في معرض ومؤتمر الأنظمة غير المأهولة والمحاكاة والتدريب الذي أقيم في أبوظبي قبل بضعة أسابيع. ما أهمية هذه المشاركة؟ 

يعدّ هذا المعرض أحد أهم المعارض المتخصصة في العالم، وهو الوحيد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. والمعرض متخصص في الأنظمة غير المأهولة، التي يركز عليها عملنا في المركز. وكنتَ لتشاهد في المركز ابتكارات خليجية واعدة في مجال المركبات المسيّرة عن بعد، ولاسيما من الإمارات، ومنها المراكب غير المأهولة والعربات البرية التي تستخدم في مجالات متعددة، ولا تقتصر بالضرورة على الشؤون الدفاعية. فالعربات غير المأهولة والمحركة عن بعد، سواء براً أو بحراً أو جواً، يمكن أن تكون مفيدة في الكثير من مجالات الاستخدام المدني، مثل إطفاء الحرائق وعمليات الإغاثة وما يشبه ذلك، وقد استقطب المعرض مشاركة دولية واسعة. 

 

إلى جانب طائرة "يمامة"، ماذا نجد في سجل المركز من الابتكارات في مجال الأنظمة غير المأهولة؟ 

طوّر المركز سابقاً طائرة "سكاي غارد"، وهي طائرة كبيرة وزنها 250 كيلوغراماً، في حين أن وزن طائرة "يمامة" لا يزيد على أربعين كيلوغراماً، وفي حين تتناسب "يمامة" مع المهمات الاستطلاعية، يمكن التوسع في استخدامات طائرة "سكاي غارد”، ولاسيما أنها قادرة على حمل أوزان تصل إلى 50 كيلوغراماً. كذلك، بإمكان الطائرة أن تحلق على ارتفاع 10 آلاف قدم، وهي مزودة بتقنيات الرؤية النهارية والليلية، وبإمكانها أن تحلق بصورة متواصلة لمدة 10 ساعات. قبل ذلك، طوّر المركز طائرة "ساعد"، وهي قادرة على التحليق لمدة 24 ساعة متواصلة على ارتفاع 150 متراً. وللمركز سجل حافل على مستوى تصنيع الرادارات، وهي تحقق أداءً متميزاً، وقد جرب الكثير منها في الميدان، وجاءت النتائج ممتازة. 

 

تصنيع تجاري

كم بلغ حجم الاستثمار في إنتاج النموذج الأولي من طائرة "سكاي غارد"؟

استثمر المركز في إنتاج هذه الطائرة أكثر من 10 ملايين دولار، وقد طورت بأيد سعودية وبمهارات وتقنيات سعودية بالكامل، واستغرق تصميمها وصولاً إلى دخولها مرحلة الإنتاج النهائي 7 سنوات كاملة. 

 

هل انتقلت ابتكارات المركز، ولاسيما منها الطائرات، إلى مستوى التصنيع التجاري؟ 

دخلت كل الابتكارات المشار إليها مرحلة التصنيع الفعلي طبعاً، وتنص الاتفاقية التي وقعت مع "مراكب" على وجه الخصوص على الانتقال إلى مرحلة التصنيع التجاري الواسع النطاق، ولعملاء من المنطقة والعالم. 

 

ما أهمية التعاون مع الإمارات في مجالات التصنيع الدفاعي؟ 

تربط بين الإمارات والسعودية عرى تحالف استراتيجي وثيق، تلتقي فيه الاهتمامات والمصالح المشتركة، ويعمل البلدان في بيئة متشابهة ومتماثلة، ويواجهان التحديات ذاتها. والإمارات منصرفة راهناً، من خلال "مراكب"، إلى تحويل أغلب الأنظمة إلى أنظمة غير مأهولة، ونتطلع في المركز إلى أن نستفيد من تجربتهم في هذا المجال، ولاسيما لناحية تصنيع المراكب المسيّرة، وقد حققوا فيها تقدماً كبيراً، وبالطبع المركز منفتح على التعاون مع كل الأطراف الأخرى. 

 

الجامعات حليفاً

ما أبرز التحديات التي تواجه عمل المركز، سواء لناحية توافر الخبرات المحلية أو لناحية امتلاك التقنيات؟ 

حين ننظر إلى تجارب الصين وكوريا الجنوبية في هذا المجال، نجد أن البلدين قد حققا نجاحات كبيرة في إنتاج التقنية بشروط محلية في فترة قصيرة، وقد أصبحت الصين قطباً للتصنيع العسكري في العالم، ويمثل امتلاك وتأصيل التقنية التحدي الأبرز الذي يعترض دول العالم راهناً، ويبرز ذلك بوضوح في العالم العربي، وكلما بدأنا باكراً في السير بهذا الاتجاه، حققنا نتائج ملموسة لاحقاً. يتعين علينا أن نبدأ، وأن ندرك بوضوح أهمية امتلاك التقنية، التي تصدر في نهاية المطاف عن مراكز الأبحاث والجامعات. في المقابل، يتعين على البلدان الراغبة بامتلاك التقنية أن تنجح في الربط بين مراكز التصنيع والجامعات ومعاهد الأبحاث. وفي المملكة، وصل عدد الجامعات الحكومية إلى 26 جامعة، الكثير منها يعدّ من الأبرز إقليمياً وعالمياً، وتضم ما يقرب من 70 كلية ومعهداً جامعياً. ويبرز تحد آخر قوامه تنمية القدرات البشرية، وهو ما تسعى المملكة جاهدة إلى تحقيقه، وقد سجل نجاحات متميزة في هذا الجانب حديثاً. 

 

كيف تقيمون التعاون بين المركز والجامعات السعودية؟

تعاوننا مع الجامعات المتخصصة في المملكة وثيق للغاية، وقد وقعنا عدداً كبيراً من الاتفاقات مع هذه الجامعات، وبنينا تحالفات عديدة معها، ونستخدم من جهتنا معاملهم والمختبرات الخاصة بهم، ونتولى بدورنا تدريب طلابهم. 

 

ماذا تعني هذه التحولات بالنسبة إلى عمل القطاع الخاص؟ 

يعدّ القطاع الخاص شريكاً رئيسياً في قطاع التصنيع الدفاعي وتوطين التقنيات الخاصة في هذا المجال. وقد بدأت المملكة حديثاً بإصدار تراخيص للشركات المحلية الراغبة بالانخراط في مجال الصناعات الدفاعية، خصوصاً بالنسبة إلى تصنيع الأسلحة البسيطة وقطع الغيار والمستلزمات الدفاعية. فهذه الصناعة تساند جهود التنمية والتطوير الاقتصادي في البلاد، سواء لناحية خلق فرص استثمار محلية للقطاع الخاص، أو لناحية إعادة توجيه النفقات الدفاعية لكي تصب في شرايين الاقتصاد المحلي. في المقابل، تخلق هذه الشركات الكثير من فرص العمل المحلية، ولو نظرت إلى التجربتين الأميركية والأوروبية في الصناعات الدفاعية، لوجدت أنها باتت تمثل ثقلاً رئيسياً في اقتصادات البلدان المعنية. والكثير من الشركات الناشطة في مجالات التصنيع المختلفة يمكن أن تنتقل بسهولة بين مجالي التصنيع المدني والدفاعي، فألف باء التصنيع هي ذاتها في الغالب، وهذا ما نجده في التجربتين الأميركية والأوروبية، ولاسيما في حقل صناعة الطائرات والمركبات. 

 

تطلعات مستقبلية

ماذا نجد في جعبة المركز من مشاريع مستقبلية تعملون عليها؟ 

يقضي التوجه الجديد بالاستثمار في إنتاج وتصنيع المحركات النفاثة الخاصة بالطائرات، فضلاً عن التعمق في إنتاج وتصنيع تقنيات الليزر، وهي من التقنيات التي تضرب الدول المتقدمة حظراً عليها، وتلعب هذه التقنيات دوراً أساسياً في الصناعات الدفاعية المستقبلية. 

 

هل ترون أن التقدم المنجز على مستوى تحقيق برامج "رؤية 2030" يسير في الطرق الصحيح لناحية الصناعات الدفاعية؟ 

بات أكيداً أن "رؤية 2030" هي رؤية واقعية، وقد تحقق العديد من الإنجازات تحت مظلتها على الرغم من أننا ما زلنا في أول سنتين من تنفيذها، سواء بالنسبة إلى الاستثمار في الجيل الناشئ أو مشاركة المرأة في سوق العمل والإنتاج، أو بالنسبة إلى الصناعات على أنواعها، ومنها الصناعات الدفاعية. وقد شهد التصنيع الدفاعي بداية قوية للغاية، وما زال أمامنا تسع سنوات كاملة نأمل أن نحقق فيها الكثير. ومن جهتنا، نرى أن هذه الرؤية تمثل مفخرة لبلادنا، ونتطلع إلى أن تكون مفخرة للعالم العربي كله.