العالم يضع يده على قلبه كي لا يتراجع إنتاج الوقود الاحفوري؟

  • 2023-02-05
  • 18:18

العالم يضع يده على قلبه كي لا يتراجع إنتاج الوقود الاحفوري؟

  • أحمد عياش

في تحقيق نشرته صحيفة الفايننشال تايمز الشهر الماضي ورد السؤال الآتي: "ماذا تعني نهاية ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة؟"، ووفق هذا التحقيق فإنه بالنسبة للعالم "قد دفع التكسير أميركا إلى قمة التسلسل الهرمي للطاقة، لكن العوائد المنخفضة ونقص إعادة الاستثمار يهددان هذا الموقف".

ان طرح السؤال هذا اليوم مثير للاهتمام بسبب الحاجة المستمرة الى الوقود الاحفوري، وربما أكثر من أي وقت مضى بسبب الحرب في أوكرانيا التي تقترب من نهاية العام الأول على اندلاعها، وما تسببت به من إضطراب في أسواق الطاقة نتيجة العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة من روسيا. لكن في الوقت نفسه يطرح السؤال، حول معطيات تتصل بمستقبل الطاقة الاحفورية التي تشير الدراسات المتخصصة الى انها لا تزال مطلوبة على الأقل من الآن حتى منتصف القرن الحالي.

 

 

إقرأ أيضاً:

العام 2050 سيكون تاريخاً مشهوداً للطاقة النظيفة

 

 

الغزو الروسي وأزمة الطاقة العالمية

 

بالعودة الى تحقيق الصحيفة البريطانية والذي جرى إعداده في نيويورك، فقد جاء فيه: "لقد عجل الغزو الروسي لأوكرانيا بأزمة طاقة عالمية - وكانت الولايات المتحدة من بين أكبر المستفيدين. ومع قيام موسكو بخفض شحنات الغاز الطبيعي إلى أوروبا واستهداف العقوبات الغربية نفطها، فارتفعت الصادرات الأميركية من كليهما. وقد أبحرت نحو 500 ناقلة محملة بالنفط الأميركي إلى أوروبا منذ شباط/ فبراير 2022، وفقاً لشركة البيانات OilX، ما ساعد صادرات الخام الأميركية على الوصول إلى مستوى قياسي العام الماضي. ويمثل هذا الإنجاز ذروة ثورة الصخر الزيتي - وهي ثورة في مجال الطاقة والتكنولوجيا استمرت 15 عاماً جعل فيها التكسير أكبر مستهلك للنفط والغاز في العالم أيضا أكبر منتج له".

واعتبر تحقيق الفايننشال تايمز "ان النمو السريع للنفط الصخري قدّم حافزاً كبيراً للاقتصاد العالمي من خلال إبقاء أسعار الوقود منخفضة، وحرر أيدي واشنطن لمواجهة المنافسين الأغنياء بالنفط في إيران وفنزويلا من دون خوف من رد فعل اقتصادي للناخبين في الداخل، وساعد ارتفاع إنتاج النفط الصخري على تهدئة أسواق النفط الخام المتقلبة - حتى عندما جلب الربيع العربي الاضطرابات لمنتجي الشرق الأوسط واندلع صراعات جديدة في بعض انحاء المنطقة، بما في ذلك الهجمات على البنية التحتية النفطية السعودية".

يقول كبير مستشاري الطاقة السابق لباراك أوباما ورئيس غولدوين جلوبال ستراتيجيز، وهي شركة استشارية في واشنطن، ديفيد غولدوين "ان العصر الذهبي للنفط الصخري أعاد الولايات المتحدة إلى قمة الطاولة من حيث الأهمية الجيوسياسية، ولم تعد الولايات المتحدة في وضع يتعيّن عليها فيه القلق بشأن الإمدادات المادية للنفط أو الغاز. . . وهذا يعطيها قدراً أكبر بكثير من حرية العمل في الشؤون الدولية".

ولا تزال الوفرة التراكمية لإمدادات الصخر الزيتي التي تم تسليمها على مدى السنوات الـ 15 الماضية تحمي الأميركيين من أسعار الغاز الطبيعي والوقود المرتفعة التي هزت الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ما يمنح صناعتها ميزة تنافسية والأسر المعيشية المزيد من الدخل المتاح. لكن هذا العصر التحويلي يقترب من نهايته، كما يقول المحللون، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها. التكاليف المرتفعة ونقص العمالة يفسدان الآن رقعة الصخر الزيتي.

 

كيف يقرأ الخبراء هذه التطورات؟

 

بحسب الرئيس التنفيذي لشركة بايونير للموارد الطبيعية، احد أكبر منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة سكوت شيفيلد فقد "انتهى عصر النمو القوي للصخر الزيتي، إذ إن نموذج الصخر الزيتي بالتأكيد لم يعدّ منتجاً متأرجحاً".

وتقول وكالة الطاقة الدولية إن العالم سيحرق 1.7 مليون برميل أخرى يومياً في العام 2023، ليصل إلى مستوى قياسي يبلغ نحو 102 مليون برميل يومياً، ويتوقع غولدمان ساكس قفزة في الطلب هذا العام بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً، ما يدفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل. مع تفكك نظام الطاقة العالمي الراسخ بسرعة، قد يدخل العالم مرحلة من المزيد من تقلبات سوق النفط، كما يحذر المحللون والمسؤولون التنفيذيون، ستكون هذه مشكلة للدول المستوردة للنفط، لكنها حقبة من القوة المتجددة للبعض، وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والدول النفطية الأخرى التي تشكل مجموعة منتجي أوبك.

وتبدو الأدلة على أن المستهلكين في العالم يفقدون عطشهم للنفط ضعيفة، على الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الحكومات لإزالة الكربون من اقتصاداتها وخفض الانبعاثات.

ومن احدث الأمثلة، ما نشرته رويترز تحت عنوان "أكبر شبكة أميركية تواجه جدولاً زمنياً ضيقاً للحد من الرياح والتأخيرات الشمسية" ، فكتبت آنا فلافيا روكس المتخصصة بالطاقة المتجددة وأسواق السلع الزراعية في الأميركيتين وأوروبا ، تقول:" في جميع أنحاء الولايات المتحدة، إنهمك مشغلو الشبكات بتطبيقات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بسبب ارتفاع أهداف الولاية وزيادة الطلب من عملاء الشركات، وفيما يبدو أن الإعفاءات الضريبية في قانون الرئيس بايدن للحد من التضخم ستعزز النشاط بشكل أكبر، لكن تأخيرات اتصال الشبكة تستمر في كبح النمو".

 

كيف يبدو مستقبل الطاقة الاحفورية؟

 

 حول  الولايات المتحدة ،يجيب  كليفورد كراوس في النيويورك تايمز قائلا: "حققت إكسون موبيل أرباحا بقيمة 56 مليار دولار العام الماضي ، وهي أكبر عملية نقل سنوية لها على الإطلاق. وكسبت شيفرون 36 مليار دولار، وهو أيضا رقم قياسي للشركة. ولكن بعد عام 2022 الوفير ، فإن التوقعات لتلك الشركات وغيرها من كبار منتجي النفط والغاز غير واضحة. لقد استفادوا معظم العام الماضي من ارتفاع أسعار جميع أنواع الوقود تقريبا حيث أدى التعافي المستمر من تباطؤ الوباء إلى زيادة الطلب والغزو الروسي لأوكرانيا مما أدى إلى إجهاد الإمدادات. المشهد يبدو مختلفا بالفعل."

توقعات وزارة الطاقة الأميركية

وقد توقعت وزارة الطاقة الأميركية أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت، المعيار العالمي، 83 دولارا للبرميل هذا العام - وهي مرتفعة تاريخيا ، ولكنها أقل بنسبة 18 في المائة من مستويات عام 2022. وتتوقع الإدارة أن تنخفض هوامش تكرير البنزين بنحو 30 في المائة هذا العام، ما يؤدي إلى متوسط سعر وطني للبنزين العادي يبلغ 3.30 دولار للغالون ، أي أقل بأكثر من دولار واحد من الأسعار بعد غزو روسيا لأوكرانيا في أوائل عام 2022. وتتوقع الوزارة أيضا أن تقل أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 25 في المائة عن العام الماضي."

تقرير المعهد المالي العالمي

من ناحيته، يقول  تقرير المعهد المالي العالمي "ان الحد الأقصى لسعر مجموعة السبعة على الخام الروسي بدأ في 5 كانون الأول  ديسمبر 2022 ، وهو اليوم نفسه الذي دخل فيه حظر الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي حيز التنفيذ. كان هذا التداخل، بالطبع، عن قصد، لأن أحد الدوافع الأصلية للحد الأقصى كان الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية مع سريان الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذا التداخل يعني الآن أيضا أنه من السابق لأوانه إجراء تقييم كامل للحد الأقصى. ذلك لأن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي يجبر روسيا على بيع نفطها في أماكن أبعد، خاصة في جميع أنحاء آسيا، والتي تحتاج إلى ناقلات نفط مختلفة. وبالتالي فإن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي أدى إلى إعادة تنظيم التجارة العالمية، مما أدى إلى توسيع الخصم على الخام الروسي. هذا الخصم يعني أن سقف سعر النفط G7 البالغ 60 دولارا للبرميل لم يكن مقيدا حقا منذ إنشائه. قد يتغير هذا في المستقبل، حيث يتم العمل على الخدمات اللوجستية لإرسال النفط الروسي على طرق الشحن الأطول. ومن شأن ارتفاع أسعار النفط العالمية أن يسير في الاتجاه نفسه."

موقع أويل برايس الالكتروني

وتحت عنوان "أوروبا لم تعد مركزا للاستثمار في الطاقة النظيفة"، كتب أليكس كيماني في موقع "أويل برايس" الالكتروني "ان حرب روسيا في أوكرانيا أثارت أزمة طاقة عالمية وحولت انتباه العالم مؤقتا من الطاقة المتجددة وغيرها إلى الوقود الأحفوري. وأدت أسواق النفط والغاز الضيقة خلال النصف الأول من عام 2022 إلى أسعار قياسية لكلتا السلعتين، حيث تراجعت عشرات الحكومات عن تعهداتها المتعلقة بالكربون حيث تحولت إلى الوقود "القذر" مثل الفحم وحتى الأنواع المثيرة للجدل مثل الطاقة النووية...هناك تحول زلزالي في اتجاهات الاستثمار حيث لم تعد أوروبا مركزا لاستثمارات الطاقة النظيفة بعد أن فقدت تلك البقعة لصالح الصين."

خلاصة

في خلاصة هذا المشهد الذي بدأ بسؤال "ماذا تعني نهاية ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة؟" وانتهى بعودة الاهتمام الى الطاقة الاحفورية في اوروبا، هناك إقتناع بإن العالم ما زال بحاجة ماسة الى هذه الطاقة، في انتظار ان تستتب الكلمة للطاقة النظيفة كليا، وهذا لن يكون في وقت قريب. وعليه، ليس من مبالغة في استخدام عبارة "وضع اليد على القلب" إزاء احتمال ما قد تصل اليه ثورة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.