لماذا يتذكر البعض في الغرب اليوم الحظر النفطي في السبعينات؟

  • 2021-10-21
  • 22:33

لماذا يتذكر البعض في الغرب اليوم الحظر النفطي في السبعينات؟

  • أحمد عياش


لم يعدّ هناك شك عند صنّاع القرار في الغرب وجمهور الخبراء في عالم الطاقة أن الأشهر المقبلة التي تمتد الى ما بعد شتاء العام 2022، ستكون تحت وطأة الحاجة الى النفط لمواجهة الارتفاع غير المسبوق منذ اعوام في أسعار الغاز والذي أطلق مخاوف من شتاء قاس في العالم عموماً وفي القارة الأوروبية خصوصاً. وفي مثل ظروف كهذه، أطلت فجأة توقعات سلبية ان يكون شبح ما جرى في سبعينات القرن الماضي عند وقوع الحظر النفطي العربي، قد يتكرر اليوم بحسب ما كتب ديفيد شيبارد في الفايننشال تايمز.

هل هذه المقارنة في محلها بعد مضي أكثر من أربعة عقود؟ من خلال العودة سريعاً الى ما أطلقت عليه تسمية "أزمة النفط العام 1973"، لا تبدو هذه المقارنة في محلها من جهة ظروفها التاريخية، لكون تلك الازمة كانت متصلة بحرب أكتوبر في ذلك العام، أما من جهة النتائج لما حدث في ذلك التاريخ فتبدو هذه المقارنة لها منطق قابل للمناقشة، وذلك لرؤية سبل مواجهة حالات مماثلة لما يواجهه العالم اليوم الذي يتحضّر لشتاء قاس جداً مترافقاً مع صعود أسعار الغاز.

ورد في آخر تقرير لوكالة "رويترز" كتبته جيسيكا جاغاناثان من سنغافورة أن بلوغ أسعار النفط اعلى مستوى لها هذا الأسبوع منذ سنوات، يعود الى تعافي الطلب من وباء COVID-19، مدعوماً بالمزيد من تحوّل مولدات الطاقة من الغاز والفحم الحجري الباهظي التكلفة إلى زيت الوقود والديزل.

وارتفعت يوم الاثنين العقود الآجلة لخام برنت 63 سنتاً، أو 0.7 في المئة، إلى 85.49 دولار للبرميل بعد أن وصلت إلى أعلى مستوى لها في الجلسة عند 86.04 دولار، وهو أعلى سعر منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 95 سنتاً، أو 1.2 في المئة، إلى 83.23 دولار للبرميل، بعد أن وصلت إلى أعلى مستوى لها في الجلسة عند 83.73 دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ تشرين الأول/أكتوبر2014، وارتفع كلا العقدين بنسبة 3 في المئة على الأقل الأسبوع الماضي.

ومع ذلك، يمكن أن يزداد العرض من الولايات المتحدة، حيث أضافت شركات الطاقة الأسبوع الماضي منصات النفط والغاز الطبيعي للأسبوع السادس على التوالي حيث دفع ارتفاع أسعار النفط الخام عمال الحفر إلى العودة إلى منصة الآبار.

ومن ناحية أخرى، من المحتمل ان ينمو الاقتصاد الصينى بأبطأ وتيرة خلال عام فى الربع الثالث، متأثراً بنقص الطاقة، واختناقات الامدادات، وتفشي فيروس كوفيد - 19 المتقطع.

قد يكون استخدام عبارة "مصائب قوم عند قوم فوائد" تنطوي على قسوة، إنما هي في العالم الواقعي تبدو في متناول الفهم. ففي حين حذر مفوض الاتحاد الأوروبي للوظائف والحقوق الاجتماعية من تزايد فقر الطاقة في أوروبا مع ارتفاع الأسعار، قالت موسكو إنها لا تزال مستعدة لزيادة الإمدادات إلى أوروبا إذا تلقت طلباً بذلك، وفق نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك. أما المتحدث باسم وزارة النفط العراقية فقال إن ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل مؤشر إيجابي لكن ذلك يتطلب استقراره لمدة طويلة.

كيف يمكن مواجهة هذا الواقع المستجد في سوق الطاقة والذي قلب رأساً على عقب مفاهيم هذه السوق والتي سادت أعواماً طويلة، خصوصاً لجهة الشروع بالاعتماد على الطاقة البديلة والاستغناء عن الوقود الاحفوري؟

يجيب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على هذا السؤال، إنه يجب على تحالف "أوبك بلس" أن يأخذ في اعتباره تحقيق التوازن في سوق النفط خلال العام المقبل 2022، مضيفاً: "إذا أردنا تقليل الطاقة التي خلفتها جائحة كوفيد-19 فإننا نريد عمل ذلك بشكل تدريجي".

وأضاف الوزير في كلمة على هامش مشاركته في منتدى "أسبوع الطاقة الروسي" لمناقشة مستقبل الطاقة العالمي، إن الناس بحاجة إلى محاكاة ما قامت به "أوبك بلس" في أسواق أخرى مثل الغاز الطبيعي حيث تقفز الأسعار. وتابع: "لو كان لدى أسواق الطاقة الأخرى كالغاز والفحم آليات مشابهة لما وضعناه في سوق البترول، لما كنا اجتمعنا هنا اليوم لمناقشة احتمالية حدوث أزمة طاقة خطيرة في فصل الشتاء". وأشار إلى أن السوق الفورية للغاز لا توفر سوقاً مستقرة للطاقة، مطالباً بتنظيم سوق الغاز بشكل مناسب. وانتقد وزير الطاقة السعودي الدعوات المنادية بالتوقف عن الاستثمار في الوقود الأحفوري من أجل خفض الانبعاثات، قائلاً: "يجب أن نكون عقلانيين حيال تحديات تغير المناخ".

في أحدث تقرير صادر عن المعهد المالي الدولي حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "أن الانتعاش الاقتصادي لا يزال يكتسب زخماً، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة النمو الكلي من 2.3 في المئة في العام 2021 إلى 4.3 في المئة في العام 2022 وأن تستقر عند أقل قليلاً من 4 في المئة على المدى المتوسط". وقال: "مع متوسط أسعار النفط عند 71 دولاراً للبرميل في العام 2021 و66 دولاراً للبرميل في العام  2022، من المتوقع أن يتحول رصيد الحساب الجاري المشترك لمصدري النفط الـ 9 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عجز قدره 6 مليارات دولار في العام 2020 إلى 165 مليار دولار في العام 2021 و138 مليار دولار في العام 2022، وبالتالي، فإن الوضع المالي لدول مجلس التعاون الخليجي سوف يكتسب قوة، مع ارتفاع صافي الأصول الأجنبية العامة إلى نحو 3 تريليونات دولار بحلول نهاية العام 2022، أي ما يعادل 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أصبح الاستثمار الأجنبي المباشر القناة الرئيسية لتدفقات رأس المال، ولاسيما إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة". 

بالعودة الى تقرير صحيفة الفايننشال تايمز المشار اليه آنفاً، فهو يشير الى انه على المدى الطويل، يبرز خفض الطلب وإيجاد بدائل كـ "أمر بالغ الأهمية"، وقد عقد بعض المحللين مقارنات مع الحظر النفطي العربي في السبعينات، فارتفعت الأسعار ولكنها أدت إلى حملة لكفاءة استخدام الطاقة وتنمية الموارد في مناطق مثل بحر الشمال وألاسكا، ما أدى إلى ما يقرب من عقدين من النفط الرخيص نسبياً. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت التطورات المتجددة ستتسع بالقدرة نفسها على استقرار أسعار الطاقة العالمية إذا ظلت إمدادات الغاز محدودة. ويقول رئيس الوكالة الدولية للطاقة: "لا يمكنني التنبؤ بمدى أو مدى قسوة هذا الشتاء، لكنني أعرف أنه بعد فصل الشتاء، سيأتي الربيع وستستمر التحولات في مجال الطاقة النظيفة".

بقدر ما هو مطلوب الانصات الى ما يقوله صنّاع القرارات في عالم الطاقة، بقدر ما هناك حاجة الى إدراك أهمية الفرصة المتاحة أمام منطقتنا، الخليج العربي، لكي تتم الاستفادة من هذا الطلب المستجد على موارده ضمن الرؤية التي ظهرت اخيراً والتي تعمل على قاعدة "إعمل لمواردك على انها متوافرة، لكنها لن تكون بديلاً عن التنويع في الموارد  لتحقيق التنمية المستدامة".