العالم على مشارف مجاعة فهل يتنبه قبل فوات الآوان؟

  • 2022-05-27
  • 06:17

العالم على مشارف مجاعة فهل يتنبه قبل فوات الآوان؟

  • أحمد عياش

قد تكون الحرب في أوكرانيا السبب الرئيسي في الأزمات التي عصفت بالعالم. فهي كما قالت مجلة الايكونوميست، قد ضربت "نظاماً غذائياً عالمياً"، لكنها لفتت الانتباه إلى أن هذا النظام قد "أضعفه مسبقاً كوفيد-19، وتقلبات المناخ، وصدمة الطاقة."فما هي أحوال هذا النظام، بعد مرور اكثر من ثلاثة أشهر على هذه الحرب؟

تحت عنوان "الاقتصاد العالمي على حافة السكين"، كتب جيف شتاين مراسل الواشنطن بوست في ألمانيا تقريراً حول المحادثات التي أجراها القادة الماليون لأقوى دول العالم الأسبوع الماضي في بون، والتي انتهت إلى تحذير هؤلاء القادة من احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي، حيث استمرت التهديدات الناجمة عن غزو روسيا لأوكرانيا في التكاثر. وعلى الصعيد العالمي، أدّت الحرب إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية إلى عنان السماء. وفي الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، تتحرك البنوك المركزية المصممة على كبح جماح التضخم نحو رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي يهدد بدفع الدول إلى الركود، فيما يواجه العالم النامي أزمة ديون ناشئة بالإضافة إلى مشكلة الجوع المتزايدة التي أثارتها الحرب.

بدورها، سلطت الفايننشال تايمز الاضواء على احوال "الاقتصاد العالمي"، فلفتت الى ان تفشي فيروس كورونا في الصين، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع تكاليف المعيشة في أوروبا، قد أدت إلى تباطؤ النمو. أما التوقعات الأسوأ فهي المتعلقة بالبلدان الأكثر فقراً والتي بدأت تعاني من أزمة غذائية.

ويقول كريس جايلز كاتب تقرير الصحيفة البريطانية: "كل اقتصاد غير سعيد بطريقته الخاصة. فقد تأثرت آفاق النمو في الصين بعمليات الإغلاق الصارمة لمواجهة Covid-19، وفي محاولة لقمع تفشي Omicron. أما بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فيخاطر بتحويل الازدهار الأميركي إلى كساد". وأضاف: "إن معيشة الأسر في أوروبا تعاني من أزمة تكاليف المعيشة، والوضع أسوأ في العديد من الأسواق الناشئة، حيث تلوح الأزمات الغذائية وحتى المجاعات في الأفق".

وخلص جايلز الى القول:"هذه المشاكل الأربع المختلفة، ولكن كل منها، يطارد الاقتصاد العالمي أثناء تعافيه من الوباء، وليس من المستغرب أن يكون المزاج مظلماً. ووفقاً لـ روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، فإن التقاء هذه الصدمات يشير إلى أن الاقتصاد العالمي في ورطة بالفعل. ويقول: نحن في حالة ركود عالمي آخر الآن، باستثناء هذه المرة نعتقد أنه حقيقي".

وتفضّل صحيفة فايننشال تايمز تعريفاً أكثر مرونة كما تفعل الولايات المتحدة، حيث يعرّف المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية الأميركي الركود، بأنه "انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي المنتشر في جميع أنحاء الاقتصاد ويستمر لأكثر من بضعة أشهر". وعلى الصعيد العالمي، أصبحت التعاريف أكثر صعوبة. ويفضّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصف الركود العالمي بأنه "عام يعاني فيه المواطن العالمي العادي من انخفاض في الدخل الحقيقي." وتسلط  الصحيفة الضوء على الأعوام 1975 و1982 و1991 و2009 و2020 باعتبارها تواريخ الركود العالمي الخمسة السابقة. وفي حين أن التوقعات الرسمية للنمو العالمي لعام 2022 لا تزال بعيدة كل البعد عن هذا التعريف - فقد توقّع صندوق النقد الدولي في نيسان/أبريل نمواً سنوياً بنسبة 3.6 في المئة هذا العام - فإن هذا الرقم يرتبط بالانتعاش في النصف الثاني من العام 2021 بقدر ما يتعلق بالتوقعات لعام 2022. وعندما ينظر الصندوق إلى النمو الذي يتوقعه خلال العام 2022، فقد خفض بالفعل توقعاته من 4.5 في المئة في تشرين الاول/أكتوبر من العام الماضي إلى 2.5 في المئة في نيسان/أبريل هذه السنة.

بالعودة الى الايكونوميست، وتحت عنوان "كارثة الغذاء القادمة،" كتبت تقول: "الحرب تدفع عالماً هشاً نحو الجوع الجماعي، وإن مواجهة هذا الجوع هو عمل الجميع. فقد توقفت صادرات أوكرانيا من الحبوب والبذور الزيتية في الغالب وأصبحت روسيا مهددة. ويوفر البلدان معاً 12 في المئة من السعرات الحرارية المتداولة. وقفزت أسعار القمح، التي ارتفعت بنسبة 53 في المئة منذ بداية العام، بنسبة 6 في المئة أخرى في 16 أيار/مايو، بعد أن قالت الهند إنها ستعلق صادراتها بسبب موجة الحر المقلقة".

من ناحيته، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 18 أيار/مايو ، من أن الأشهر المقبلة يتهددها "شبح نقص الغذاء العالمي" الذي قد يستمر لسنوات. وقد أدى ارتفاع تكلفة الأغذية الأساسية بالفعل إلى رفع عدد الأشخاص الذين لا يستطيعون التأكد من الحصول على ما يكفي من الطعام بمقدار 440 مليون شخص، إلى 1.6 مليار شخص. وهناك ما يقرب من 250 مليوناً على شفا المجاعة. وإذا استمرت الحرب، كما هو مرجح، وكانت الإمدادات من روسيا وأوكرانيا محدودة، فقد يقع مئات الملايين من الناس الآخرين في براثن الفقر، وستنتشر الاضطرابات السياسية، وسيعاني الأطفال من ضمور النمو، وسيتضور الناس جوعاً.

من المفيد التذكير بأهمية روسيا واوكرانيا اللتيّن انغمستا بحرب متمادية بعد الغزو الروسي في 24 شباط/فبراير الماضي. فالبلدان يوفران 28 في المئة من القمح المتداول عالمياً، و29 في المئة من الشعير، و15 في المئة من الذرة و75 في المئة من زيت عباد الشمس. وتساهم روسيا وأوكرانيا بنحو نصف الحبوب التي يستوردها لبنان وتونس. وبالنسبة لليبيا ومصر، فإن الرقم هو الثلثان. وتوفّر صادرات أوكرانيا الغذائية السعرات الحرارية لإطعام 400 مليون شخص. وتعطّل الحرب هذه الإمدادات لأن أوكرانيا قامت بتلغيم مياهها لردع أي هجوم، وروسيا تحاصر ميناء أوديسا.

وحتى قبل الغزو، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن العام 2022 سيكون عاماً رهيباً. وقالت الصين، أكبر منتج للقمح، إنه بعد أن أخرت الأمطار الزراعة العام الماضي، قد يكون هذا المحصول هو الأسوأ على الإطلاق. والآن، بالإضافة إلى درجات الحرارة القصوى في الهند، ثاني أكبر منتج في العالم، يهدّد نقص الأمطار باستنزاف الغلة في سلال الخبز الأخرى، من حزام القمح الأميركي إلى  منطقة بوس في  فرنسا. ويعاني القرن الأفريقي من أسوأ موجة جفاف منذ أربعة عقود في عصر تغيّر المناخ.

كل هذا سيكون له تأثير خطير على الفقراء، حيث تنفق الأسر في الاقتصادات الناشئة 25 في المئة من ميزانياتها على الغذاء وفي افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما يصل إلى 40 في المئة. وفي مصر، يوفر الخبز 30 في المئة من جميع السعرات الحرارية. وفي العديد من البلدان المستوردة، لا تستطيع الحكومات تحمّل تكاليف الدعم لزيادة المساعدة المقدمة للفقراء، خصوصاً إذا كانت تستورد الطاقة أيضاً، وهي سوق أخرى تشهد اضطرابات.

وترى تسفيتانا باراسكوفا، على موقع "أويل برايس" الالكتروني، أن مستوردي النفط سيكافحون مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخام والوقود. وتشعر الاقتصادات النامية الضعيفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي مستوردة للنفط والوقود، بالضيق، كما كتب جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي على مدونة. ويتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط أسعار النفط 107 دولارات للبرميل هذا العام، بزيادة قدرها 38 دولاراً للبرميل عن متوسط العام الماضي. وفي الوقت نفسه، من المقرّر أن تشهد أسعار المواد الغذائية زيادة أخرى بنسبة 14 في المئة في العام 2022 بعد أن وصلت إلى أعلى مستوياتها في العام الماضي.

من أحدث الأمثلة على ما قد تؤدي إليه الأزمات المتفاقمة هو انهيار السلالة الحاكمة في سريلانكا. فعلى مدى أسابيع، تعرض ماهيندا راجاباكسا، رئيس الوزراء البالغ من العمر 76 عاماً، لضغوط للاستقالة مع انهيار الاقتصاد واندلاع الاحتجاجات، أما أقاربه فقد اتصلوا بشكل محموم بضباط الجيش، متوسلين إنقاذهم.

مرة أخرى، يجب التذكير بأن التحذير من مجاعة تهدّد مئات الملايين في الدول النامية ليس مجرد كلمة عابرة. فهل يتنبه العالم قبل فوات الآوان لهذا الخطر الذي يوازي الاوبئة والحروب خطورة؟