الاستثمار الأجنبي في 2025: انحسار في التدفقات العالمية وسط مشهد متغير

  • 2025-08-06
  • 09:42

الاستثمار الأجنبي في 2025: انحسار في التدفقات العالمية وسط مشهد متغير

  • أولا- الاقتصاد والأعمال

 

رغم ما يمثّله الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من ركيزة أساسية لدفع النمو العالمي، فإن المشهد الاستثماري في العام 2025 يدخل مرحلة تتسم بعدم اليقين والتفاوت، وسط تحولات جيوسياسية واقتصادية تؤثر في تدفق رؤوس الأموال عبر الحدود. ويكشف تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) عن تراجع هيكلي متواصل، يضع الاقتصادات أمام معادلة جديدة تتطلب إعادة تقييم السياسات وتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات أكثر مرونة ومردودية.

انخفاض في التدفقات العالمية رغم الأرقام الاسمية

 

سجل الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في العام 2024 زيادة شكلية بنسبة 4 في المئة، ليبلغ 1.51 تريليون دولار، إلا أن هذه الزيادة تخفي تراجعاً فعلياً بنسبة 11 في المئة عند استبعاد التدفقات الوسيطة، لتكون السنة الثانية على التوالي التي تشهد انكماشاً مزدوج الرقم (أنظر الرسم البياني أدناه)، وقد جاء هذا التراجع مدفوعاً أساساً بانخفاض الاستثمارات في أوروبا، وتراجع ملحوظ في الصين وأميركا الجنوبية، في مقابل نمو جزئي في أميركا الشمالية، حيث ساهمت صفقات التكنولوجيا والطاقة النظيفة في رفع التدفقات إلى الولايات المتحدة بنسبة 20 في المئة.

 انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في مناطق عدة

 


 

 

استقرار نسبي في الدول النامية

 

حافظت الدول النامية على استقرار لافت في تدفق الاستثمارات إليها، حيث بلغت حصتها نحو 867 مليار دولار، ما يمثل 57 في المئة من إجمالي الاستثمارات العالمية، بدعم من مشاريع كبرى في إفريقيا وجنوب شرق آسيا. ويبرز مشروع تنموي ضخم في مصر بقيمة تفوق 35 مليار دولار، كأحد أبرز محفزات النمو في القارة الإفريقية، بينما واصلت اقتصادات آسيان تحقيق نمو معتدل.

السعودية والامارات الأكثر استقطاباً للاستثمار في المنطقة

شهدت بعض الاقتصادات النامية تحولات لافتة في دورها كمصّدرة للاستثمار، حيث برزت الهند والسعودية كلاعبين أساسيين في تصدير رؤوس الأموال. وارتفع عدد المشاريع الجديدة التي أعلنتها الشركات الهندية بنسبة 20 في المئة، فيما سجّلت السعودية والإمارات نمواً واضحاً في استثماراتها الخارجية، خصوصاً في صفقات الاستحواذ عبر الحدود.

تغيّرات هيكلية تقودها التكنولوجيا والرقمنة

تشهد بنية الاستثمار الأجنبي تحوّلاً نوعياً، مع تزايد التركيز على الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، فقد استحوذت قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، ومراكز البيانات، على حصة كبيرة من الاستثمارات الجديدة، مدفوعة بدعم السياسات الصناعية النشطة، وسعي الشركات متعددة الجنسيات لتنويع سلاسل التوريد، والحد من التعرض الجغرافي للمخاطر.

كما عاد قطاع التصنيع ليلعب دوراً محورياً في المشهد الاستثماري، مدعوماً بجهود إعادة توطين الصناعات الاستراتيجية وتعزيز المرونة الإنتاجية، هذا التوجه يترافق مع بروز مصادر تمويل بديلة مثل صناديق الثروة السيادية والملكيات الخاصة، التي باتت تموّل مشاريع البنية التحتية الرقمية والمستدامة.

التدفقات من الدول المتقدمة: إعادة تموضع استراتيجي

 

بلغت التدفقات الاستثمارية الخارجة من الدول المتقدمة 1.1 تريليون دولار في 2024، بزيادة قدرها 8 في المئة، إلا أن هذه الزيادة جاءت في معظمها نتيجة لإعادة هيكلة داخلية في الشركات الأوروبية، ولاسيما في مراكز التدفق المالي الوسيطة. فعند استبعاد هذه المراكز، يتضح أن الاستثمارات الخارجة تراجعت بنسبة 24 في المئة، وقد حافظت الولايات المتحدة على مركزها كأكبر مصدر للتدفقات، رغم انخفاض أنشطتها بنسبة 26 في المئة.

في المقابل، زادت الاستثمارات اليابانية الخارجية بنسبة 4 في المئة، بدفع من توسع في السوق الأميركية، في حين شهدت تدفقات المستثمرين الأوروبيين تراجعاً ملموساً. وفي المجمل، تعكس هذه الأرقام توجّهاً متزايداً نحو الاستثمار المحلي، وتقليص الانكشاف الخارجي نتيجة تغيّرات في البيئة التنظيمية والجيوسياسية.

مؤشرات العام الحالي: بداية بطيئة وترقب مشوب بالحذر

دخل العام 2025 بمؤشرات أولية متواضعة، إذ سجّل الربع الأول تراجعاً كبيراً في إعلانات المشاريع وصفقات الاندماج والاستحواذ، مع انخفاض المعنويات الاستثمارية وتراجع آفاق النمو العالمي. وقد تأثرت هذه المؤشرات بعوامل مثل تصاعد التوترات الجيوسياسية، واستمرار حرب الرسوم الجمركية، وتذبذب أسعار الصرف، ما انعكس سلباً على حركة التجارة وتكوين رأس المال.

ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن خفض أسعار الفائدة المحتمل في بعض الاقتصادات الكبرى قد يساهم في دعم الاستثمارات خلال النصف الثاني من العام، ولاسيما مع بقاء أرباح الشركات الكبرى قوية نسبياً، وهو ما يوفّر قاعدة صلبة لإعادة استثمار الأرباح، التي تمثّل عنصراً مهماً ضمن تدفقات الاستثمار الأجنبي.

استراتيجيات ضرورية في بيئة متحولة

أمام هذا المشهد المعقد، يتوقع ان تتبنى الدول – ولاسيما النامية منها – سياسات متكاملة لتحفيز الاستثمار وتعزيز القدرة التنافسية. ويشمل ذلك تحسين بيئة الأعمال، وتحديث التشريعات، وتطوير البنية التحتية، مع التركيز على التعليم ورأس المال البشري.

كما تبقى الحاجة ملحة إلى مبادرات دولية مشتركة لسد فجوة التمويل التنموي، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات الأولوية مثل البنية التحتية المستدامة، والطاقة النظيفة، والتقنيات المتقدمة، بما يعزز مرونة الاقتصادات في مواجهة المخاطر طويلة الأجل.