ماذا عن تفاصيل الاستراتيجية السعودية لمواجهة التغير المناخي؟

  • 2021-05-18
  • 07:58

ماذا عن تفاصيل الاستراتيجية السعودية لمواجهة التغير المناخي؟

  • رشيد حسن

التقطت المملكة العربية السعودية اللحظة الدولية في سياسات الطاقة ومكافحة التغير المناخي وقررت الانتقال من موافقة الاتجاه الغالب من حيث أهمية الحدّ من انبعاثات غاز الكربون إلى موقف المبادرة في هذا القطاع الذي يكتسب كل يوم أهمية استراتيجية ليس فقط بالمعنى الاقتصادي بل من منظور مكانة السعودية في النظام الدولي وضمانها لحصة من مكاسب التحول الكوني عن النفط إلى الطاقات النظيفة.

 

تقود المملكة في هذا السياق جهداً استباقياً على أكثر من جبهة وذلك بهدف صياغة مروحة الخيارات الأمثل التي تلائم وضعها وطبيعة مواردها وطبيعة المعادلة التي يمكنها الأخذ بها في تعاملها مع ملف المناخ والتغير الحراري، ثم مع ما يمكن اعتباره نظام الطاقة الجديد في العالم وقواعد الامتثال التي يتم العمل على صياغتها وتطبيقها على مختلف الدول.

تستهلك السعودية من النفط يومياً أكثر من نحو 4 ملايين برميل أي ما يزيد على ما تستهلكه ثلاث دول أوروبية مجتمعة هي بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وبقدر ما تستهلك اليابان. ويستأثر إنتاج الطاقة الكهربائية بالقسم الأكبر من استهلاك النفط ، كما إن السعودية تأتي مع دول خليجية أخرى في رأس قائمة الدول من حيث الانبعاثات الكربونية بالفرد، وهي من أكثر دول العالم استخداماً للطاقة الكهربائية بالفرد (خصوصاً بسبب حاجات تبريد المنازل والأبنية في الصيف)، ولهذه الأسباب وبالنظر الى كونها أكبر مصدر للنفط في العالم، فإن المملكة تواجه جملة من التحديات في سعيها للتوفيق بين مساهمتها في الحاجة لخفض كبير في الانبعاثات الكربونية وبين متابعة خطط التنمية الطموحة الرامية لتنويع مصادر الاقتصاد وتحقيق الرفاه للمجتمع.

كانت المملكة العربية السعودية بين أولى الدول التي انضمت إلى معاهدة باريس لمكافحة التغير المناخي التي تم التوصل إليها في ديسمبر 2015، وهي بدأت بصورة مبكرة استكشاف السبل المتاحة لها للتوافق مع أهداف الاتفاقية وتوجهات المجتمع الدولي. وفي هذا السياق، نشأت مبادرات عدة تم التأكيد على بعضها والتخلي عن بعضها الآخر (مثل المشروع العملاق مع سوفت بنك للطاقة الشمسية)، وساعدت جملة من التطورات التقنية في السنوات العشر الماضية المملكة على تحديد خياراتها العريضة وما يمكن اعتباره استراتيجيتها الشاملة والطويلة الأمد في مجال اقتناص الفرص التي يفتحها اقتصاد الطاقات المتجددة والمساهمة الجادة في الجهود العالمية لحماية المناخ الأرضي.

 

الخروج من النفط

ترتكز الاستراتيجية السعودية للطاقة والطاقة المتجددة على قطاعين أساسيين هما الغاز والطاقة المتجددة بحيث تخطط المملكة للتحول الكامل عن استخدام النفط ومشتقاته لإنتاج الطاقة وتبني هذين المصدرين كأساس لسلة الطاقات التي ستغذي الاقتصاد السعودي.

وإلى جانب هذين المصدرين تشترك المملكة مع شركاء دوليين في مجال استكشاف الجدوى الاقتصادية لمصادر طاقة نظيفة مبتكرة على شكل الهيدروجين الأزرق والأخضر، إلا أن هذه الجهود ستبقى مركزة في الإطار البحثي والاختباري ولا يتوقع لذلك أن يشكل الهيدروجين في وقت قريب مكوناً أساسياً من مكونات سلة الطاقات المعتمدة في السعودية. وحسب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، فإن سلّة مصادر الطاقة في المملكة ستتمثل بالغاز بنسبة 70 في المئة وبالطاقات المتجددة بنسبة 30 في المئة.

رهان السعودية على الغاز

يستند رهان السعودية على الغاز المصاحب أو الطبيعي غير المصاحب إلى العوامل المشجعة التالية:

  1. رغم إنتاجه لانبعاثات كربونية، فإن الغاز يعتبر أقل تلويثاً بكثير من الفيول أو الفحم، خصوصاً إذا أخذ في الاعتبار التطورات التقنية التي بات تسمح بخفض الانبعاثات الثانوية لحرق الغاز (الميثان) إلى 0.06 في المئة من حجمه، مما يضعه في مقدمة الخيارات الطبيعية للمملكة.
  2. إن الغاز المصاحب لإنتاج النفط يتمتع بتكلفة منخفضة جداً بالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى
  3. إن السعودية تمتلك بنية تحتية ضخمة ومتطورة لجمع وخزن وتسييل ونقل وتوزيع الغاز المرافق والغاز الطبيعي تضم نحو 4,000 كلم من الانابيب و50 معملاً لفصل الغاز وسبعة معامل لتصنيعه وتهيئته للاستهلاك، فضلاً عن مجمعين كبيرين لإسالة الغاز الطبيعي. وفي العام 2018 وحده تمكنت أرامكو من إنتاج 3.5 تريليونات قدم مكعب من الغاز المرافق تم استخدامها في محطات توليد الطاقة والصناعة البتروكيماوية.
  4. تمتلك المملكة احتياطاً هائلاً من الغاز الطبيعي يقدر بنحو 237 تريليون قدم مكعب وهو رابع أكبر احتياط غاز في العالم، علماً أن ثلث هذا الاحتياط يقع في حوض الجافورة في الإحساء والذي يمتد على مساحة 17,000 كلم2 مع قدرة إنتاجية بنحو 400 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً. وتستعد السعودية لأن تصبح في حلول العام 2030 إحدى ثلاث أكبر دول منتجة للغاز في العالم، وتتوقع إنتاج 23 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً في العام 2030.

المحور الثاني: الطاقة المتجددة 

أدى التراجع الكبير في أسعار الطاقة المولّدة من الألواح الشمسية أو طاقة الرياح إلى تطور الموقف السعودي من هذا القطاع من الترقب والتبني التدريجي أو الاختباري إلى تعزز قناعة اصحاب القرار بجدوى الطاقات المتجددة وإمكان التحول إليها باعتبارها المصدر الثاني من حيث الأهمية (بعد الغاز) في سلة الطاقات النظيفة. وبالنظر الى التطور الكبير الذي شهدته تقنيات إنتاج الطاقة من المصدر الشمسي ومن الرياح فقد بدأت المملكة بتسريع جهودها في مجال الاستثمار الواسع في محطات الطاقة الشمسية وفي الوقت نفسه إطلاق عدد من المشاريع النموذجية لتوليد الطاقة من الرياح. وبدأت المملكة خلال العام الحالي تسريع طرح المشاريع وحثّ الشركات المتعاقدة على تسريع عملية الإنجاز، وتمّ تدشين عدد من محطات الطاقة الشمسية وإطلاق مشاريع جديدة في عدد من مناطق المملكة.

قطاع جاذب للإستثمارات

وترى الحكومة السعودية في قطاع الطاقة المتجددة قطاعاً مثالياً لاستقطاب الاستثمارات الخاصة المحلية والخارجية نظراً الى الطبيعة الواضحة لهذه المشاريع التي لا تتضمن مخاطر عالية وتتمتع بمداخيل مضمونة لأجل طويل من خلال عقود شراء (الطاقة المولّدة) لمدد لا تقل عن 25 سنة من المستثمرين، كما إن مشاريع الطاقة المتجددة بدأت تستقطب المستثمرين الأجانب والخليجيين الذين يجدون مروحة فرص واسعة من الإنتاج وحتى التوزيع.

وتلعب وزارة الطاقة السعودية وصندوق الاستثمارات العامة (عبر شركات عدة أهمها شركة "أكوا باور") دوراً أساسياً في تسريع نشوء وتطور قطاع الطاقة المتجددة عبر طرح المشاريع والتواصل مع المستثمرين المحليين والخارجيين والمساعدة في بلورة أسس عمل السوق الجديد.

 

أهداف طموحة

وتستهدف المملكة التوصل إلى تنفيذ 37.3 جيغاواط من الطاقة المتجددة في حلول العام 2024 وأن ترفع إنتاجها من مصادر هذه الطاقة المتجددة إلى 58.7 في حلول العام 2030 على أن يأتي نحو 40 جيغاواط من الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية و16 جيغاواط من طاقة الرياح و2.7 جيغاواط من التركيز الحراري للطاقة الشمسية. وحسب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان فإن تطور استخدامات الطاقة المتجددة في المملكة سيؤدي إلى توفير نحو مليون برميل من النفط يومياً تستخدم حالياً لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وإلى رفع نسبة الطاقات المتجددة في سلة الطاقات المستخدمة في المملكة إلى نحو 30 في المئة من المجموع.

 

الهيدروجين قطاع واعد

استناداً إلى اكتشافات علمية واختراقات تقنية مهمة حصلت في السنوات الأخيرة بدأ يتأكد للسعودية أن استخدام الغاز (الذي تمتلك منه كميات هائلة) في تصنيع طاقة نظيفة مثل الأمونيا الأزرق أو الأخضر يمكن أن يضيف قيمة كبيرة إلى هذه المادة الخام الرخيصة ويمكن بالتالي أن يدعم قيام قطاع جديد ضخم من قطاعات الطاقة النظيفة. 

وتراهن السعودية بصورة خاصة على تطوير الهيدروجين الأزرق أو "الأمونيا الأزرق" الذي تعلق عليه الآمال الواسعة ليكون مصدراً للطاقة النظيفة الصالحة لتغذية قطاعات صناعية أو وسائل النقل الجوي والبحري والبري الثقيلة التي يصعب تغذيتها بالطاقة الشمسية (من خلال البطاريات). وقد بدأت أرامكو بالفعل أبحاثاً واسعة لتطوير الأمونيا الأزرق بالتعاون مع اليابان وسجلت سابقة عالمية عندما قامت مؤخراً بشحن أول كمية من الأمونيا الأزرق إلى ذلك البلد.  

كما عقدت وزارة الطاقة السعودية اتفاقات تعاون طويلة الأجل مع ألمانيا بهدف تطوير الهيدروجين الأخضر (وهو أنقى من الهيدروجين الأزرق إلا أنه يحتاج إلى استهلاك كبير للطاقة المتجددة) وقررت المملكة بناء أكبر وحدة في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر ليكون أحد مصادر الطاقة النظيفة الأساسية لتزويد مشروع نيوم المستقبلي بالطاقة.  وبسبب المتطلبات التقنية التي يحتاجها إنتاج الهيدروجين الأخضر، فإن التوسع في تصنيعه سيحتاج إلى المزيد من الأبحاث والتطوير وإن كان التراجع الكبير في تكلفة الطاقة المتجددة يرفع عقبة أساسية قد تعزز الجدوى الاقتصادية لإنتاجه بكميات تجارية.  لهذه الأسباب، فإن الأمونيا الأزرق (الذي لا تصدر عنه أي انبعاثات كربونية خلال عملية الاحتراق) هو الذي يستقطب حالياً اهتمام الشركات الصناعية بسبب تكلفته المنخفضة وسهولة تصنيعه وحفظه ونقله وملاءمته كوقود نظيف، وتعتمد تنقية الأمونيا الأزرق من الانبعاثات على احتجاز ثاني أوكسيد الكربون المتولد خلال عملية التصنيع.