عصر محمد بن سلمان: المركزية وتعزيز صندوق الاستثمارات العامة ودور القطاع الخاص

  • 2021-05-09
  • 06:10

عصر محمد بن سلمان: المركزية وتعزيز صندوق الاستثمارات العامة ودور القطاع الخاص

  • رشيد حسن

 

مثّلت الإطلالة التلفزيونية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في جوهرها، وبمناسبة مرور خمس سنوات على إطلاق رؤية 2030، إعلاناً رسمياً عن استكمال أسس قيام الدولة السعودية الجديدة، برؤيتها الاقتصادية والسياسية وفلسفة الحكم والهوية الوطنية والثقافية والإسلامية ورسالة المملكة وموقعها في العالم.

عشية مقابلة الأمير مع قناة العربية، أصدر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تقريراً شاملاً من 176 صفحة يفصل الإنجازات التي تحققت في ظل رؤية المملكة 2030. وهذا الحصاد الكبير هو أصلاً تقليد غير مسبوق في السعودية ووثيقة مدعمة بالوقائع والأرقام لثمار الجهود الهائلة التي يتم توظيفها من الدولة ومن المجتمع السعودي. 


الالتزام بمضاعفة موارد صندوق الاستثمارات العامة لتبلغ 2 تريليون دولار في 
2030

 

إلا أن ولي العهد رأى أن يستكمل العرض الكمي المفصل الذي تضمنه التقرير بمقابلة شاملة خصصها لشرح العناوين الكبرى للنهضة السعودية ولتوضيح لا لبس فيه لعدد من المبادئ الأساسية التي باتت تحكم السياسات الداخلية والخارجية للمملكة.

لكن قبل الدخول في الموضوع دعونا نتوقف قليلاً أمام الأسلوب الفريد للأمير محمد بن سلمان في التواصل مع الجمهور حول القضايا كافة صغيرها وكبيرها، وهو أسلوب يقوم على الصراحة في التقييم والنقد الذاتي وعلى توفير الوقائع والأرقام والشرح الموضوعي للمشاكل وللحلول. وبالنظر الى عدد وحجم المهام التي ينخرط فيها واهتمامه الشديد بالتفاصيل ومتابعته المواظِبة فإنه بات واسع الاطلاع ونموذجاً لرجل دولة متمكن في الرؤية والانجاز. وبسبب هذا الأسلوب المباشر والشفاف في القيادة، بات ولي العهد الشاب القدوة ليس لأجهزة وكوادر الدولة بمستوياتها كافة وحسب، بل بات ملهماً للعديد من قيادات القطاع الخاص وللشباب السعودي الذين ينتظرون مداخلاته ويتفاعلون مع مواقفه بحرارة وحماس.

هنا أهم العناوين والرسائل التي حرص ولي العهد على إبرازها في مقابلته المهمة، وهي التالية:

  1. قيام الدولة السعودية المركزية: كشف ولي العهد وبصراحة غير معهودة عن حالة الترهل وضعف المبادرة في اجهزة الدولة عند تسلمه رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية، بحيث كانت الوزارات جزراً متباعدة ولا تنسيق فعلياً بينها، كما كانت الكفاءات لا تمثل إلا نسبة محدودة من أجهزتها والنمط السائد يغلب عليه تصريف الأعمال الإدارية ومعالجة المعاملات الروتينية، وهذا الوضع تبدل تماماً في السنوات الخمس الماضية لتصبح الدولة سلطة مركزية واحدة قادرة على تحديد الأهداف ووضع برامج التنفيذ وتوزيع المهام والمتابعة والمحاسبة، وهذا التحول الكبير هو الذي يفسر كيف تمكن ولي العهد والدولة السعودية الجديدة من إنجاز كم هائل من الأهداف لم يكن أحد ليتوقع إمكانية تحقيقها في تلك الفترة الزمنية القصيرة.
  2. ًالدولة المدنية: لأول مرة تحدث الأمير محمد بن سلمان بوضوح عن أن الدولة السعودية لا تعتمد مذهبا إسلامياً محدداً بل تأخذ بالقرآن والسنة كدستور يجب على كل تصرفاتها وقوانينها ألا تتعارض معه في الجوهر، إلا أن السعودية عدا ذلك "لن تخترع العجلة مجدداً" بل ستعتمد أفضل القوانين الحديثة المعمول بها عالمياً في مختلف المجالات، إذ إن ذلك هو شرط أساسي لاجتذاب الاعمال والاستثمارات التي تتنافس عليها الأسواق والتي يبحث أصحابها عن وضوح قانوني وقضائي قبل اتخاذ قرار بالاستثمار في أي بلد.
  3. لا تهاون مع التطرف: إن الدولة السعودية تلتزم الإسلام المتسامح والوسطي وإنها ستتعامل بقسوة وحزم مع كل دعوات التطرف وحركات الإرهاب، باعتبارها تمثل الخطر الأول على وجودها وعلى صورة الإسلام وازدهاره في العالم.
  4. انفتاح بلا خوف: سأل الصحفي ولي العهد عن الخوف الذي يعتري بعض السعوديين من أن تؤثر سياسات الانفتاح على الهوية الوطنية والثقافية، وجاء الجواب قصيراً وحاسماً: الهوية التي لا تكون قادرة على أن تصمد امام الانفتاح على الآخر هي هوية هشة وضعيفة، وهو أراد بذلك القول إن الهوية السعودية قوية ومتجذرة وقادرة على التفاعل مع الآخرين من دون أن تخسر من خصوصيتها ومناعتها.
  5. سياسة خارجية تحكمها المصلحة: وجّه الأمير محمد بن سلمان رسائل مهمة تتعلق بتمسك السعودية بسيادتها ورفضها التدخل في شؤونها الداخلية من أي طرف صديقاً كان أو عدواً مشدداً على أن هذا المبدأ جزء أساسي من شرعة الأمم المتحدة لن يقبل الافتئات عليه من أي جهة. في الوقت نفسه شدد على أن السعودية ومن موقع التمسك بسيادتها، ستعمل على تطوير علاقاتها بالدول كافة وفقاً لمصالحها.
  6. الاعتماد على النفس: أظهرت المقابلة أن المملكة تتجه للاعتماد بصورة أكبر على مواردها الذاتية في سياق تنفيذ المراحل التالية من رؤية  2030 ، وينبع هذا الموقف من الآثار السلبية المستمرة لجائحة كورونا على حركة الاستثمارات في العالم مع ما حملته من أضرار لقطاعات الترفيه والسياحة والسفر وسلاسل الامداد، كما إنه ينبع من حالة الانكماش التي أصابت الاقتصاد العالمي وأثرت بالتالي على تدفقات الاستثمار. وفي هذا السياق، كشف ولي العهد عن ثلاثة معطيات جديدة أساسية هي: أولاً: التوجه لبيع حصة 1 في المئة من شركة أرامكو إلى لاعب نفطي عالمي كبير لم يذكر اسمه وهو ما سيوفر للمملكة دخلاً بمليارات الدولارات.

ثانياً: صندوق الاستثمارات العامة، أكد الأمير محمد بن سلمان التزامه والدولة السعودية مضاعفة موارد صندوق الاستثمارات العامة لتبلغ نحو 2 تريليون دولار في حلول العام 2030 وذلك بهدف مضاعفة قدرات الصندوق على لعب دور رئيس في تمويل التنمية والمشاريع.

ثالثاً: تعزيز دور القطاع الخاص السعودي في الاستثمار الداخلي، كشف الأمير محمد بن سلمان لأول مرة على أن نحو 40 شركة سعودية قررت تأجيل توزيع أرباح نقدية على المساهمين وتوجيه تلك الأموال للاستثمار عبر شراكات مع القطاع العام في مشاريع رؤية 2030.

رابعاً: السياسة الضريبية، كشف ولي العهد السعودي بوضوح أن المملكة العربية السعودية لا تعتزم اعتماد ضريبة على الدخل، كما إنها لن تبقي على ضريبة القيمة المضافة البالغة 15 في المئة لمدة طويلة، إذ قد يتم خفض هذه الضريبة خلال عام أو عامين تمهيداً للتخلي عنها قبل مضي خمس سنوات من الآن، وهو دافع عن رفع الضريبة في مطلع العام الماضي بأنها رغم تأثيرها المؤقت كانت لازمة لدعم موارد الدولة في فترة دقيقة تواجه فيها انخفاض أسعار النفط والآثار المالية الفادحة لجائحة الكورونا.

خامساً: لا بدّ من سلام في اليمن، أرسل ولي العهد السعودي رسالة علنية إلى زعيم الحوثيين يشدد فيها على حتمية السلام، وجاءت تلك الإشارة لتلمح إلى أن ولي العهد سيعطي أولوية أساسية لإنهاء الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية لبلاده وإحلال السلام في الجزيرة العربية. 

أخيراً، فإن مقابلة الأمير محمد بن سلمان حملت دليلاً أكيداً على أن السعودية تعيش فعلاً عصراً جديداً، وهو كما تشير البراهين كافة عصر مثير وحافل وغني بالإنجاز والاختبارات والعمل الشاق، والسعودية تراقب فعلاً والعالم يراقب باهتمام متزايد تجربة ولي العهد ويحاول أن يفهم نهجه والطريقة التي تمكن بها وفي وقت قصير من تحويل السعودية إلى مجتمع يحث السير نحو التقدم والحداثة والتأثير في محيطه وعالمه الأوسع.