تحولات بنيوية في القطاع المالي اللبناني!

  • 2020-09-03
  • 12:10

تحولات بنيوية في القطاع المالي اللبناني!

  • علي زين الدين

​  

بعد أن أشغل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الجهاز المصرفي باستحقاقين حيويين، الأول يفرض زيادات "الزامية" للرساميل تحت طائلة الخروج من السوق، والثاني يحث على السعي الطوعي، مشفوعاً بالتلويح العقابي، لإعادة أجزاء محولة إلى الخارج من قبل السياسيين والإدارات العليا للبنوك والعملاء، انشغل هو باستحقاق "رقابي" داهم، أملته حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب، بتكليف شركتين دوليتين بالتدقيق المحاسبي وشركة ثالثة بالتدقيق الجنائي بميزانيات البنك المركزي وحساباته.

 

 

إقرأ:

لبنان: نجاح حكومة المهمة مرهون بتقييد المتحكمين

 

 

ولم يفت الراعي الفرنسي للتسوية الجديدة أن "يبل" يده أيضاً في القطاع المالي، فطلب مشاركة وزارة المال والبنك المركزي الفرنسيين بالتدقيق في حسابات المركزي، وأوصى بتسريع إعادة هيكلة القطاع المصرفي وبالموافقة السريعة على التدابير الوقائية التي طلبها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك إقرار مشروع "الكابيتال كونترول"، وذلك ضمن مسار إصلاحي شامل تتبناه الحكومة الجديدة وتسهل السلطة التشريعية تأطيره ضمن الموجبات القانونية المطلوبة.

وبمعزل عن الملاحظات المصرفية والقانونية الخاصة بالتعاميم الجديدة  وعن مدى نفاذ التدقيق المحاسبي والجنائي إلى استخلاص نتائج مؤثرة تحت سقف موجبات قانون النقد والتسليف ما لم يتم طلب تعديلات محددة في المرحلة المقبلة، يبدو أن الحصيلة المجمعة ستقود إلى تغييرات جدية في القطاع المالي ومؤثرة في بنيته التي اهتزت ركائزها وكادت تتقوض بفعل التطورات الدراماتيكية المتلاحقة بعد اندلاع ثورة 17 تشرين الأول، ومروراً بمحطة القرار الحكومي بتعليق دفع استحقاق سندات دولية في شهر مارس/آذار، ما أفضى إلى استحقاق كامل المحفظة البالغة 32 مليار دولار، ووصولاً إلى فاجعة انفجار مرفأ بيروت التي تسببت بخسائر بشرية هائلة وبدمار المنفذ البحري الرئيسي ونصف العاصمة وأضرار مادية جسيمة قد تصل الى 15 مليار دولار.

 

إقرأ ايضاً:

مصارف لبنان تنفذ: التضحية بوحدات خارجية لضخ الدولار إلى "المركز"

 

ففي الطريق الواصل بين هذه المحطات الأكثر سطوعاً، لم تكن العلاقات سوية بين الحكومة والحاكم ولا بينها وبين القطاع المصرفي، بل زادت أبيات كثيرة على قصيدة الانهيار والفوضى التي أتقن السياسيون نظم مقدمتها التحاصصية وقافيتها المتفلتة من حروف العقلانية، وكادت تغرق البلد في أتون "الخراب الكبير"، ولم تسلم خطة الانقاذ والتعافي من عصف الكيديات والتجاذبات، ففجرت خلافات حادة بين السلطة النتفيذية من جهة والسلطة النقدية والمصارف من جهة مقابلة، لتدخل أيضاً السلطة التشريعية على الخط، لتكتشف إدارة صندوق النقد الدولي ضرورة تجميد المفاوضات وأولوية فرض الانسجام والتوافق في الرؤى والتوصيفات والأرقام وتوحيد الفريق الرسمي الواحد.

ومع هذه المعادلات الشائكة والمتداخلة، يتخوف أهل القطاع المالي من الدخول في مرحلة "تثقيل الأعباء" على القطاع المصرفي المنهك أصلاً، تحت لافتات إعادة الهيكلة والرسملة واستعادة الأموال " المهاجرة "، فتغييب السبب الرئيسي للأزمة المالية والمتمثل بتنصل الدولة عن الايفاء بالتزامات محفظة ديونها البالغة نحو 94 مليار دولار، والإصرار على إدانة " الدائن" المحدد الهوية بالبنك المركزي والمصارف، ثم اندفاع مصرف لبنان للتفلت حتى إشعار آخر، من حقيقة احتجازه لأكثر من 70 مليار دولار من الودائع والتوظيفات المصرفية، يضع المصارف في صدام مباشر مع زبائنها، حيث إن "المال السائب" في ديون الدولة والمركزي يعود بأغلبه إلى مدخرات الناس وقطاعات الاقتصاد من مقيمين وغير مقيمين.

هل سيتسنى للبنوك ضخ رساميل جديدة، ومن يضمن لها ألا تلقى مصير رساميلها الأصلية التي قررت حكومة دياب شطبها تسديداً لخسائر تكبدتها في تمويل "الشريكين اللدودين"؟ واذا ألزمت الادارات نفسها، فكيف ستتمكن من "حث" المشمولين بتعميم مصرف لبنان الذين حولوا ما يفوق 500 ألف دولار الى الخارج منذ منتصف العام 2017 على إعادة 15 في المئة منها وايداعها في حساب خاص مجمد لمدة 5 سنوات؟ وهل "سطوة" المصارف تشمل من يحكم العباد والبلاد لتلزمهم بإعادة 30 في المئة من تحويلاتهم؟ وربما يحق السؤال عن مغزى اختيار منتصف العام 2017؟ للبحث صلات ...